مصلحة السوريين بتفعيل المعارضة سياسياً وعسكرياً

mainThumb

08-11-2012 10:08 AM

في العشية المباشرة للانتخابات الاميركية كانت الصورة في أذهان المتابعين لمسار الأزمة الســورية متأرجــحة بين غمــوض ووضــوح. والذين استمعوا الى تصريحــات الوزيــرة هيــلاري كلينــتون عن حضّ المعارضة السورية على احتواء التطرف، خصوصاً «الجهادي»، المستشري على جوانبها، وعن ضرورة تجاوز «المجلس الوطني الــسوري» مصلــحة اطار جديد للمعــارضة، افترضوا أن «ما بعد» الانتخابات بدأ فعلاً وأن واشـــنطن توشــك على «قيادة» المرحلة المقبلة بخيارات واضحة، وهو ما يتطلّع اليه «أصدقاء الشــعب الســوري» الذين أرهقـــهم انتظار حملة باراك اوباما وإحجام ادارته عن أي مبادرة، والحــظر الذي فرضته عليهم خصــوصاً بالنسبة الى توفير أسلـــحة متطورة لـ «الجيش السوري الحر». لكن كلام كلينتون فاجأ عواصم «الأصدقاء» بمقدار ما فاجأ «المجلس الوطني» وأطياف المعارضة كافة، سواء بلهجته أو بالانطباع العام الذي أشــاعه، اذ بدا كما لو أنه يملي على المعارضة ما يتــوجّب عمله من دون أن يوضح في المقابل ما هي المساهمة التي قررت الولايات المتحدة تقديمها لتغــيير مسار الأزمة باتجاه الهدف المعلن: انهاء نظام بشار الأسد.

 

وعندما اضطرت الخارجية الاميركية لإيضاح أن واشنطن «لا تفرض رأيها» على المعارضة، تأكد خطأ كلينتون ليس فقط في الدعوة الى تجاوز «المجلس الوطني» قبل أيام معدودة من مؤتمره في الدوحة لتوسيع تمثيله، بل أيضاً في الايحاء وكأن «هيئة المبادرة الوطنية السورية» التي اقترحها المعارض رياض سيف من صنع اميركي، وهي ليست كذلك عملياً بل ثمرة نقاش مستفيض في لجنة المتابعة السورية لأعمال لقاء المعارضة مطلع تموز (يوليو) الماضي في مقر الجامعة العربية، وهو نقاش واكبه ممثلون للدول الأساسية في «مجموعة الأصدقاء»، ومنها اميركا في طبيعة الحال. ولم يكن سرّاً أن لهذه الدول تقويمات متفاوتة لـ «المجلس»، وأنها أبدت منذ فترة طويلة اقتناعاً بضرورة بلورة قيادة موحدة تستفيد من الطاقة التمثيلية لـ «المجلس» وتستطيع أن تدير شؤون الثورة في الداخل وأن توفر ثانياً البديل من النظام.
 
وطوال الوقت كانت عيون الاميركيين مركّزة على حتمية توحيد العسكريين المنشقّين وعلى ظواهر التطرف التي رأوا أنها تكاثرت من دون أن تكون للمعارضة ارادة في ذلك، اذ إن بعضاً منها هو افرازات النظام الذي لا يكفّ عن تسليط الأضواء عليها لإخافة الغرب ولشراء مبررات لادعائه «محاربة الارهاب».
 
كانت دول «مجموعة الأصدقاء» رحّبت بـ «المجلس الوطني» منذ ولادته في تركيا باعتباره أول كيان معارض يتبنى الحراك الثوري ضد النظام وراهنت عليه لكنها حتى بعد توسيعه لا تجد أنه شكّل قيادة مرتبطة عضوياً بالداخل، وحجّتها في ذلك أن معظم قادة «المجلس» من معارضة الخارج وليسوا هم من يقودون الحراك الثوري في الداخل ولم يتمكّنوا من إيجاد لُحمة مع قادة العمل العسكري. يجدر القول إن هذه الدول لم تكن بدورها تعرف الواقع السوري بدقة، إلا أنها طوّرت اطلاعها عليه خلال العام الذي انقضى، ما مكّنها في سعيها الى تفعيل عمل المعارضة من رسم أهداف محددة: وجوب توحيد هذه المعارضة أقلّه في الرؤى السياسية، وضرورة توحيد العمل العسكري لضبط عمليات التسليح ولضمان السيطرة على الوضع في حال الانهيار المفاجئ للنظام، احتواء الجماعات المتطرفة والمنفلتة، وإدارة الشؤون الانسانية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، فضلاً عن الإعداد لما بعد نظام الأسد...
 
وباستثناء انتشار ظواهر التطرف الذي ينذر بنشوء حالات افغانية وعراقية ويلعب فيه النظام دوراً عبثياً بالنظر الى خبرته في صنع الجماعات الارهابية وتوجيهها، فإن خطوات كثيرة تمّت لتلبية الأهداف الاخرى. فمن جهة، أمكن ايجاد بداية معقولة لتوحيد المجالس العسكرية، وأُعدت الخطط لإنشاء منطقتين آمنتين في الشمال والجنوب، كما وضعت ورشات عمل عدة أطراً لمتطلبات المرحلة الانتقالية أو ما سمّي «اليوم التالي» وأُجريت لقاءات تنسيقية للجان المدنية المحلية.
 
وإذ كان مفهوماً أن يكون هناك جانب استـــخباري قامت به الدول المعنية بوسائلها الخاصة وبالتنسيق مع قادة ميدانيين، فإن العمليات الاخرى أُجريت بمشاركة من ممثلين لـ «المجلس الوطني» لكن من دون التنسيق معه. من جهة ثانية، ازدادت القوى الخارجية اقتناعاً مع الوقت بأن ثمة حاجة الى «قيادة» للمعارضة وإلى «حكومة انتقالية» تشرف على تنسيق الجهود السياسية والعسكرية ويمكن دول «مجموعة الأصدقاء» أن تعترف بها وتعمل معها ومن خلالها، لكنها ازدادت اقتناعاً أيضاً بأنه يصعب التوصل الى القيادة والحكومة هاتين بالاعتماد على السوريين وحدهم، تحديداً على «المجلس الوطني»، لأن انقساماتهم بدت دائماً عقدة كأداء ولا حلّ لها.
 
هذا لم يمنع أن يطرح مشروع «هيئة المبادرة الوطنية» معارضٌ منتمٍ الى «المجلس»، كما لا ينفي أن المشروع ولد في حوارات شارك فيها سوريون من مختلف الانتماءات، ومن بينهم سياسيون وديبلوماسيون منشقّون لم يسعَ «المجلس» الى استقطابهم على رغم أن القوى الخارجية اهتمّت بخبراتهم من العمل في الدولة وبمعرفتهم بدواخل النظام. كان لا بدّ لتلك الحوارات من أن تأخذ في اعتبارها الشروط التي وضعتها دول «الأصدقاء» للمساهمة في عملية تغيير النظام. وبدهي أن المعارضة لا تستطيع تحقيق طموحها هذا من دون المساعدة الخارجية. في المقابل، وعلى رغم الشروط، وجدت تلك الدول أيضاً أن التطورات على الأرض تسبقها وتفرض حقائق لا يمكن تجاوزها، خصوصاً بإضعافها سيطرة النظام على مساحات كبيرة وإنْ كان لا يزال قادراً على القتل والتدمير وارتكاب المجازر.
والأهم أن هذه التطورات أدّت أيضاً الى إضعاف احتمالات «الحل السياسي» وتبلبل سيناريواته السابقة التي تداولتها العواصم الدولية كافة، وبالأخص واشنطن وموسكو.
 
قد يجوز نقد المشروع «هيئة المبادرة» بأنه يقترح بداية جديدة للمعارضة وكأنه لم يبنِ شيئاً خلال عام ونصف العام، وقد يقال أيضاً إنه يلبي مصالح الدول الغربية. وأياً تكن الصيغة التي يُتفق عليها لتطبيقه، فإنه ينطلق في الواقع مما حققه الحراك الثوري بوجهيه السلمي والعسكري، ويرمي الى فتح الآفاق المتاحة لاستثماره والافادة منه لتلبية المصلحة الملحّة للسوريين. كما أنه يضع القوى الخارجية على محك تنفيذ التزاماتها الكلامية. فثمة مصلحة في أن يكون الجهد العسكري ولو بموارد محدودة موحداً ومنظماً وفاعلاً، واذا توحّد وانتظم واكتسب صدقية، يمكن مدّه بأسلحة أكثر تطوراً. وثمة مصلحة أيضاً في انتظام العمل السياسي على قاعدة الاعتراف بأن المرحلة المقبلة تتطلب تضافر كل الجهود، بما في ذلك مساهمة المنشقّين، وإلا فلماذا حُضّوا على الانشقاق ولماذا عزلهم اذا لم يكونوا من رموز الفساد وأيديهم ملوثة بالدم.
 
وعندما يطرح المشروع إنشاء أربعة أجسام (هيئة المبادرة، مجلس عسكري، لجنة قضائية لمحاسبة المسؤولين عن إراقة الدماء، وحكومة موقتة)، فإنه يمضي أبعد من مجرد رسم «خريطة طريق» للمعارضة الى وضع آليات للعمل.
ولذلك، فإن التأييد الغربي له أثار قلق روسيا التي تقرأ فيه أن التصور الذي تقترحه لـ «الحل السياسي» لم يعد مؤهلاً للتداول، خصوصاً أن المشروع يقول بوضوح حاسم إن «الحل السياسي لا يبدأ إلا بتنحية بشار الأسد ورموز السلطة وضمان محاسبة المسؤولين منهم عن دماء السوريين»، وليس في المعارضة من يمكن أن يساوم على هذا الشرط، حتى لو مارست القوى الخارجية عليها ضغوطاً.
 
 
* كاتب وصحافي لبناني


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد