يرتبط اسم الكرسي الدوار بالقول (لودامت لغيرك ما وصلت اليك) ، وعن أصل هذا القول ، يقال إن هناك ثلاث روايات ، أولها تقول ان أحد الوعاظ قالها لأحد الملوك حين جلس في ملكه واستعرض جيشه وإمكانياته المختلفة، والرواية الثانية تقول إن أحد الطواغيت كتبها على قصره، والرواية الثالثة تقول إن سيدنا علي كرم الله وجهه قالها لمعاوية ، المهم علينا أن نتذكر في هذا السياق آيات الله في كونه وتقليبه لمخلوقاته كيف يشاء يقلب الله الليل والنهار ان في ذلك لعبرة لأولي الأبصار و ان الدائم هو الله سبحانه وكل ما سواه زائل (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام).
غريب امر هذا الكرسي الدوار، فهو محط انظار عشرات الملايين من البشر ، وشغلهم الشاغل والحلم الذي لا يفارقهم ، له سحر خاص ، تتهافت القلوب بشكل عجيب للوصول اليه.لائحة الكراسي قد تطول منها على سبيل المثال لا الحصر كرسي الوزارة ، وكرسي الأمين العام وكرسي النيابه وكرسي المدير العام ، و كرسي المدير ، و كرسي رئيس القسم .
طرق الوصول إلى الكرسي كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر دفع ثمنها مقدماً أي عن طريق الرشوة و المال السياسي كما يحصل في المجالس البرلمانية ، وقد يكون لسبب سياسي و هو إسكات مشاغب ، حيث يحصل على كرسي من هذه الكراسي ...فيريح ويرتاح ، وقد يكون عن طريق الولائم والمناسف و الهدايا و الهبات و السفرات الخارجية ، أو قد يتم تحصيله من خلال النفاق والكذب واستعراض القدرات ومسح الجوخ لصاحب قرار ما ، أو أن تكون بالتوريث أو المقربين من مسؤول ، أو لإرضاء عشيرة أو منطقة أو طائفة أو فئة معينة.
عجيب غريب أمر صاحب الكرسي الدوار ! يعرف عنه قبل الكرسي بين أحبائه و أقرانه و خلانه أنه أنسان بشوش ، لين العريكة ، هادئ البال، رقيق الحاشية ، نقي اللّسان ، ينشئ بين هذا وذاك صلة من الودّ ، بحيث لا يفقد صديقاً، ولا يبعد قريباً، ولا يجافي حبيباً، بل يكسب كل يوم جديداً ، إنه حقاً سر سعادة الأهل و الأقارب و الأصدقاء. كَم من مسؤول كان على خير و استقامة قبل الكرسي ؛ فلما وصل إليه تغيَّر، وما غَيَّر! وتَبَدَّلَ وما بَدَّل! وأساءَ وما أَحْسَن!! قد يؤول الكرسي بصاحبه إلى الردة عن المسلمات و الخلق القويم و القيم الثابتة ، والسقوط إلى الهاوية ، مقدماً مَصلحتَه الشخصية على المصالحِ العامة. إن الكرسي يا ساده يا كرام يعني الأمانة التي لم تحملها الجبال لعظمها وحملها الإنسان لجهله بعظمة المسؤولية فكيف التهاون في اعتلاء عرشه وعدم إعطائه حقه من تحمل تبعاته.
الكراسي الدوارة تحجب المسؤولين خلف مكاتب فاخرة وأبواب موصدة ،بحيث يكون المسؤول جاهلا لما يدور في مؤسسته بينما يكتفي فقط بالتوقيع وهو مرتاح لعبارة السكرتير كل شىء تمام ، لا يوجد مشاكل.
ما أن يحصل الإنسان على هذا الكرسي ، تتبدل الخصال ، و تتغير السلوكات ، فتجد غثاء الألسنة في الكذب والخداع والنفاق و الغيبة والنميمة والقيل والقال، و الهمز واللمز وسوء الظن ، و النتيجة هي بث الوهن والفرقة والخصام والتنازع وإخماد العزائم بالقيل والقال . الكرسي الدوار يؤدي غالياً إلى الإصابة بالغرور والاعجاب الزائف بالنفس فلا يقبل المسؤول نصحا ولا يتواضع لإنسان ومثل هذا يتباشر الناس ببعده عن منصبه، ولا يذكر إلا بما يسوء. والكرسي دوار، وسيترك كرسيه ولن يلاقي من الناس الا مثل ما عاملهم به. جزاء وفاقا ولا يظلم ربك أحدا، ومن يزرع يحصد.
سلوا الكراسي الدوّارة: كم استدارت بالخلق والعفاف والنبل والسماحة والطمأنينة والإنجاز والعلاقات..!! لقد كانت من أكبر أسرار تعاسة الكثيرين من الناس .. فإياك أن تكون منهم! إما أن تتحمل العبء دون أن تخسر موقعاً كنت فيه مصدراً للسعادة.. فهو الباقي .. وذاك الدوار المخيف الذي لا يستقر عليه أحد ، يطلق عليه كثير من الأردنيين كرسي الحلاق ، حيث يتندر المراجع بالقول للمسؤولين بين ثنايا النقاش هذا كرسي حلاق لن يدوم لك و لا لغيرك وذلك من باب حث المسؤول للقيام بدوره الذي يرى المراجع انه قد قصر فيه لوجود إجراءات لا يرى المراجع ضرورتها ، فهي تقف حجر عثرة أمام أنهى معاملته في تلك الدائرة فهي في نظره إجراءات تعسفية ، عزيزي المسؤول ، إن لم يكن كرسي المسؤولية مصدراً إضافياً لإسعاد نفسك و خدمة وطنك ، فهو فان لا ندامة عليه! صدّقني لا ندامة عليه! لكن الذي يحدث هو العكس ، التمسك به و الاستماته في الجلوس عليه اطول فتره ممكنه. ويقال في ثقافتنا و عالمنا العربي لا يغادر المسؤول الكرسي الا الى واحدة من اثنتين القبر اذا جاء اجله او التقاعد اذا غضب عليه رئيسه وسيده .