السؤال الأهم: لماذا قُتل وسام الحسن وفي هذا التوقيت بالتحديد؟ ليس المهم كيف قُتل، فمن قام بالقتل لديه الأجهزة الراصدة والبشر المستعدون للتنفيذ، ولديه الذخيرة متوفرة بكثرة، ولديه الخبرة بهذا النوع من عمليات القتل، فقد قام بمثله بنجاح في السابق، كما فعل مع جبران تويني الذي قتل بعد أقل من 24 ساعة من عودته من الخارج، كما تم مع الحسن أيضا. لدى المنفذ الدافع. ليس مهماً بعد ذلك كيف نفذت خطة القتل، والمنفذ أيضا ليس غريبا، فهو يعيش في جو آمن؛ ينقل كل تلك الذخيرة ويتصرف وهو في مأمن.
قُتل وسام الحسن رئيس شعبة المعلومات من أجل صرف الاهتمام عن الداخل السوري إلى الداخل اللبناني.
أعداء وسام الحسن معروفون، بل إن بعضهم هدد وتوعد علنا، ناطقا باسم سيده أو سادته، شاجبا ما قام به الحسن وفريقه خاصة بعد توقيف وزير الإعلام اللبناني الأسبق ميشال سماحة، وتسريب أسماء ووقائع تدين قمة الهرم السوري بأنها ضالعة في مؤامرة «تفجير لبنان»، بل إن هذا البعض هدد بـ«تفحيم» وسام الحسن، كما تم بالفعل.
لقد تخلف وسام عن القتل أكثر من مرة، هذا العقل الأمني المتميز الذي طارد أعداء لبنان، ولم يكن يستطيع أن يصطاده من الداخل اللبناني إلا خبير أمني لديه المعرفة والوسيلة وحرية الحركة. طبعا الرأس الأكبر الذي يمكن أن يفجر لبنان هو قتل أحد السياسيين الكبار، حاولوا من بعيد مع سمير جعجع، ففشلت الخطة، ثم حاولوا مع بطرس حرب قبل أشهر بزرع عبوة ناسفة في المصعد الذي يستخدمه، ومع فشل الأخيرة ومعرفة الجاني، فإنه لا يزال طليقا يرزق!
صرف أنظار العالم عما يحدث في سوريا أصبح أولوية للنظام السوري وحلفائه، واستراتيجية يتم تفعيلها، واغتيال وسام الحسن أُريد به أن يكون مقدمة لتفجير الساحة اللبنانية بمن فيها من مكونات، لإجبار العالم على الالتفات إلى تلك الساحة المتشعبة وكثيرة الدروب المظلمة، وبالتالي الابتعاد عما يحدث في مدن وقرى سوريا من قتل وتشريد، كما أن القتل تم ليس بعيدا عن سكنى الأخضر الإبراهيمي، الذي كان في لبنان وقتها، لإضافة رسول آخر يحمل ذات الرسالة.
ليس من المستبعد أن تتجه الخطة الاستراتيجية إلى تفجير ساحات أخرى قابلة للتفجير من الداخل أيضا من أجل ذلك الهدف المهم، وهو إبعاد أنظار العالم عما يحدث في البلاد السورية، قد تكون بلادا في شمال سوريا، وقد تكون في جنوبها، قريبة منها أو بعيدة نسبيا عنها، إنه العقل الذي لا يعرف غير إجادة القتل بفنونه.
في حال تفجر لبنان، القابع في كومة من المتفجرات الحارقة أساسا تنتظر فتيل الاشتعال، تتاح فرصة ثمينة للنظام السوري وحلفائه لتسييل القضية السورية في الإقليم وفي العالم. وقتها سيكون على العالم محاولة إطفاء حرب أهلية ضروس، وقد تكون إسرائيل طرفا فيها ثم يتسع الخرق حتى يصل - في نظر تلك الاستراتيجية - إلى أن يطلب العالم، بل يرجو النظام السوري، أن يبقى ويعطى الأولية في الدعم.
تقوم تلك الاستراتيجية على مثل سوري شعبي بسيط، هو «ما تصغر إلا لما تكبر»!
إذا تم وضع هذه الحقائق أمام الساسة اللبنانيين، فإن ضبط النفس هو المطلوب، فوسام الحسن ليس فردا، بل خلفه جهاز لا يزال يعمل، ويستطيع لبنان أن ينتج أكثر من وسام الحسن، في مثابرته وتتبعه لكل خيوط التآمر على تلك القطعة من الأرض التي اسمها لبنان، وعلى بشرها. بل إن الاحتمال الأكثر قربا إلى المنطق هو أن سلسلة من الأحداث في لبنان سوف تقع، إن لم يستطع فتيل قتل وسام الحسن أن يفجر الصاعق، لأن المطلوب ليس قتل شخص، بل تفجير بلد.
العجيب في هذه الاستراتيجية (ما تصغر إلا لما تكبر) أن الشجب جاهز من كل أصدقاء النظام السوري، ومن النظام نفسه، لهذه العملية، وقد جاء الشجب محمولا على كاهل التهنئة المبطنة لمن قام بهذا العمل، الذي لم تُعرف ضحيته لوسائل الإعلام إلا من خلال مسدس حربي خاص به وجد في سطح البناية القريبة من التفجير، جراء قوة المفجر! قتل القتيل والنوح مع المعزين، يجيدها التنظيم القاتل إلى درجة السفه، فقد نقل خبر قتل وسام الحسن في وسائل الإعلام التابعة للتنظيم القاتل، نقلا عن وسائل إعلام تابعة لجماعة القتل، إمعانا في التضليل، الذي قد ينطلي على البسطاء والسذج.
واحدة من النتائج الممكنة من هذا القتل هو ترك وزير الإعلام السابق إلى حال سبيله وقفل الملف، لأن البعض في أجهزة الدولة المتهالكة سوف يؤثر السلامة على الملامة من أهله وتعريض نفسه وإياهم للخطر، إلا أن ذلك الاحتمال، إن حصل، فسوف يؤكد أحد أسباب الاغتيال لا جميعها.
العرب، وخاصة مبعوثهم العربي والدولي، يحتاجون إلى وضع استراتيجية مضادة، ليس فقط لتسريع التخلص من هذا النظام الذي لم تعد لديه محرمات يحترمها، ولكن أيضا لحفظ لبنان الهش من الانهيار. قوى 14 آذار عليها الآن رص الصفوف أكثر من ذي قبل، وحشد كل المخلصين في الداخل والخارج لتفويت فرص الاحتراب الداخلي، خاصة أنها خالية الوفاض من السلاح الذي يملكه طرف يستقوي به.
المعركة سياسية بامتياز الآن، على المستويات الثلاثة؛ الداخلي والعربي والدولي، ولم يعد لبعض القوى والشخصيات اللبنانية الجالسة (حتى الساعة) على السور تتفرج، لم يعد لديها الوقت للفرجة أكثر، فالسور الذي تقف عليه يهتز بشدة، وقد يطيح بها أيضا.
آخر الكلام:
جثث للبنانيين أصبحت صندوق رسائل، كما هي جثث السوريين، تعبأ برسائل الخوف والتصفية، وتُرسل لمن يريد أن يتسلم، كل ذلك من أجل سلطة زائفة، مزينة بشعارات أكثر زيفا. إنها المافيا الجديدة التي تحكم سوريا، وتكاد تحكم لبنان أيضا!