القوة الخشنة والقوة الناعمة والربيع العربي

mainThumb

17-10-2012 07:31 PM

 تستطيع التعرف على مقدار قوتك من خلال معرفة قدرتك على التاثير في تفكير وسلوك الاخرين لتجعلهم يعملون لصالحك ويحققون مصالحك واهدافك بغض النظر عن مصالحهم واهدافهم الشخصية .

 
والقوة نوعان القوة الخشنة والقوة الناعمة ، اما القوة الخشنه  فهي التي تجبر الاخرين على ان يعملوا على اهدافك ويحققوا مصالحك ، ومنها قوة السلاح وقوة السلطة  وقوة الاقتصاد ، فامريكا مثلا استطاعت بقوة السلاح احتلال افغانستان وتحطيم العراق والمساهمة مع حلف الناتو في تكسير نظام القذافي، وغير بعيد ما فعلته قوة امريكا الخشنة في دفع الاوروبيين الى العمل معها ومن اجل سيطرتها على العالم منذ الحرب العالمية الاولى ، وليس اوضح من احتلال اليهود الصهاينة لفلسطين وما بعدها كدليل قدرات وامكانات القوة الخشنة.
 
كما لا يجب ان يفوتنا ما فعله المال الامريكي في عملية اسقاط الاتحاد السوفييتي وما يفعله المال الصهيوني في شراء الاصوات لصالح مرشحي الرئاسة في امريكا وتاثير ذلك على تحديد المرشح الفائز في انتخابات الرئاسة او البرلمان الامريكي ، وهذه وتلك ايضا من مظاهر القوة الخشنة
 
واما قوة السلطة كمظهر من مظاهر القوة الخشنة فتراه في شوارع دول الربيع العربي وغير الربيع العربي عند التعارك مع السلطة ، وفي عدد السجون وكمية المسجونين فيها وفرض او منع او توجيه الاحداث في الدول لصالح السلطات ، والامثلة على هذا النوع من القوة متعددة وادواتها لا تحصى.
 
بمعرفة هذه القوة ومن خلال فهم هذه الامثلة نستطيع ان نتخيل كيف تؤثر في سلوك الاخرين وتحصل على مصالحها بدون شك وتحقق اهدافها باوضح الطرق وبغض النظر عن التكاليف ، ومن الواضح ايضا ان القوة الخشنة ليست السلاح والعنف فقط بل ان المال هو عنصر مهم من عناصرها .
 
واذا اخذنا نفس الاحداث الواردة في الامثلة اعلاه نجد انها حققت هدف صاحب القوة المباشر لكنها عملت ضده على المدى الابعد ، فالناس في افغانستان لا يحبون الامريكان والسلطة التي اوجدتها امريكا وينتظرون اليوم الذي يتخلصون منها بفارغ الصبر. واظن الحالة في العراق كانت اعقد قليلا من افغانستان ، ففي ما قبل الغزو كان الصراع يبدو بين امريكا والنظام السابق ومعظم الناس على ما كان يبدو كانوا في الحقيقة على الحياد بالرغم من ان ما كان يبدو على السطح ان الناس كل الناس كانوا مع السلطة في العراق ، والدليل على ذلك هو ان القوة الغاشمة التي اسقطت النظام في العراق لم تكن قوة الامريكان وحدهم بل كان معهم سرا او جهرا العديد من قوى العراق السياسية ، الا ان اسقاط النظام بالقوة الغاشمة اوجد حالة معقدة من عدم الرضا والكراهية للذين اسقطوا النظام بل ان العملية التي استخدمت في اسقاط النظام بالقوة الخشنة كانت هي السبب وراء التجرثم واشعال فتيل النزاعات على ارض العراق والتي هي ظاهرة للعيان من كل حدب وصوب.
 
ولولا ما تفرضه علينا مبادئنا لما عرجنا على الحالة مع فلسطين لان الحديث عنها لا يجوز ان يكون كالحديث عن غيرها ، لانها خاصة ولان ما جرى بها خاص ولان ما يحدث على الارض ينسجم مع ما ابلغت عنه السماء فالحديث عنها مؤجل ، لكنها في النهاية كانت ضربة قوية من قوة خشنة في ظلرف مناسب لها تماما تم تهيئته واعداده بذكاء وقدرات غير مسبوقة. والنتيجة انه بالرغم من سقوط كل فلسطين بالقوة الغاشمة الخشنه الا ان الامر لم ينته ولن ينته على ما هو عليه الان ، فنتائج القوة الغاشمة دائما عكسية وهذا ما يفهمه الصهاينة ولذلك هم مسعورون من الخوف من المستقبل الاسود الذي ينتظرهم ، ولما كان لكل فعل رد فعل فعليهم ان يحسبوا حساب رد الفعل الكبير القادم.
 
اذا فالقوة الخشنة هي قوة تستخدم لتحقيق غايات تحت ظلال الترهيب والتهديد والبطش والخداع والنفاق وما الى ذلك من صفات مماثلة او حتى مشتقة من الصفات المماثلة، نتيجتها على المدى القريب تكون في صالح مستخدمها اما نتيجتها على المدى البعيد فهي عكس ذلك تماما.
 
اما القوة الناعمة فهي التي تجعل الاخرين يعملوا لصالحك ليحققوا اهدافك وهم راغبون ، بل اكثر من ذلك هي القوة التي تجعل الاخرين يغيرون من اهدافهم واساليبهم لتتوازى مع اهدافك واساليبك بل وتتطابق معها او حتى تصبح اهدافهم هي اهدافك واساليبهم هي اساليبك وانت وهم تصبحون في وفاق دائم ومتنامي.
 
اول الدلائل على وجود القوة الناعمة هي التي اتت بها السماء ، فبينما كان الناس يهيمون في حياتهم على وجوههم تحكمهم العصبية القبلية والمصالح الانية ، جاء الوحي غير المرئي للعامة وارشد الرسول الكريم الى استخدام القوة الناعمة لتغيير الحال القائم وتحسينه من خلال دعوة الناس الى تبني فكر واساليب الدعوة التي تحقق لهم الاهداف الانية وعلى المدى البعيد . وكانت النتيجة ان تحولوا من الضعف للقوة من التفكك للوحدة ومن الجهل للعلم ، ومن الفقر للغنى ، ثم امتدوا من جغرافيا مغلقة قاحلة الى جنان الارض في كل مكان ، كما انهم ضمنوا استمرار ذلك لابنائهم واحفادهم والى يومنا هذا.
 
كل الذي حصل ان رسالة السماء اعتمدت على القوة الناعمة وجاءت باهداف واساليب تحقق تلك الرسالة ثم استثارت دواخل الناس انفسهم فوجدوا ضالتهم فيها فقاموا باعتناق الاهداف والاساليب التي ارادتها السماء وحملوا راية الفكر وانطلقوا بها عبر الجغرافيا والتاريخ الى ان وصلتنا ، ولا زال المواليد الجدد منا يحملون نفس التوجه ونفس الاهداف وبنفس الاساليب لتحقيق الغايات ، ونحن نقوم بذلك بنعومة ويسر ممتشقين سيوف ودبابات القوة الناعمة التي تصيب الادمغة والعقول ولا تفتك بالابدان والاوطان.
 
وان كان منا من تواجهه بعض الصعوبات في فهم وقبول القوة الناعمة التي جاءت من السماء على الرسل موسى وعيسى ومحمد عليهم صلاة الله وهي الامثلة الانصع والاوضح للعيان في اقاصي الارض فليأخذ مثلين من الهند ، فبريطانيا مثلا وبعد احتلالها للهند استخدمت القوة الناعمة في تحويل غايات واهداف الهنود لغاياتها واهدافها مما ادى الى ان الامم الهندية لا زالت تعتنق الاسلوب الانجليزي في الحياه وتتوق شوقا لخدمة بريطانيا واهدافها بالرغم من ان الحضارات الهندية اقدم واعمق من الحضارات الاوروبية الا ان البريطانيين استطاعوا بالقوة الناعمة ان يحولوا مسار التفكير عند غالبية كبيرة من الهنود لخدمة مصالحهم واهدافهم .
 
وعلى المستوى العربي كان المثال اوضح فقد استخدم الناس في الثورة التونسية والثورة المصرية القوة الناعمة الى حد كبير اما في الييمن وليبيا وسوريا فقد كان العنف والقوة الخشنة هي السائدة ، وقد سقطت الانظمة في تلك الدول وعلينا انن ننتظر ونرى النتائج فيها بعد النجاح الذي تحقق على الارض.
 
وبحسب فهمنا لنوع القوة المستخدمة وبالقياس على التاريخ فان من المتوقع ان يكون مستقبل العمل و النجاح وتحقيق الاهداف والغايات في تونس ومصر اكبر واسرع بكثير من ليبيا واليمن وسوريا ، والايام القادمة كفيلة ببيان الحقائق على الارض.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد