هناك إجماع لدى كل المراقبين والمهتمين في السياسة من مختلف الاتجاهات والأفكار أن قرار محمد مرسي الرئيس الإشكالي لجمهورية مصر العربية بتكريم اسم الرئيس الراحل أنور السادات ومنحه أعلى وسام في الدولة المصرية تحمل متغيرات كثيرة ودلائل لها مدلولات سياسية واضحة .
صحيح أنه ولذر الرماد في العيون منح أيضا اسم الفريق البطل سعد الدين الشاذلي رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة المصرية وأحد أبرز أبطال حرب أكتوبر في الميدان نفس الوسام ، وقد أجمع كل المراقبين أن ذلك التكريم ليس للسادات المختلف عليه ولكنه رسالة للغرب عموما والولايات المتحدة والكيان الصهيوني خصوصا ، بأنه أي مرسي وجماعته بعد وصولهم للحكم على نهج السادات وسياسته ، وقد كان ذلك واضحا من خلال سياساته التي اتبعها وإنصافا للرجل حتى قبل الانتخابات الرئاسية ، حيث قال حرفيا أنه سيحترم كل الاتفاقات الدولية في إشارة واضحة لمعاهدة كامب ديفيد المشئومة التي لا زال الإخوان ظاهريا يدّعون محاربتها ومعارضتها بقوة خطابية فقط ولكن على ارض الواقع متمسكين بها أكثر من نظام السادات الذي أبرمها ، ومبارك الذي حافظ عليها ، ولعل مرسي بتكريمه اسم السادات والفريق البطل سعد الدين الشاذلي عمل كالذي يحمل القرآن الكريم بيد وكتاب رأس المال لكارول ماركس باليد الأخرى ، حيث الاختلاف واضح بين السادات الذي فرط بحرب أكتوبر وعزل مصر عن محيطها العربي والإسلامي وقاد التبعية السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة والغرب وأعلن بكل وقاحة سياسية بأن الحل لقضية الشرق الأوسط بيد أمريكا وحدها التي تمتلك 99% من حلها حسب ادعاءه وباقي الأطراف الرئيسية العرب والصهاينة 1% وبين نقيضه الفريق البطل سعد الدين الشاذلي الذي قاد حرب أكتوبر عسكريا باقتدار وقاتل قتال الأبطال بهدف التحرير وليس التحريك وتصادم مع السادات على أثر تدخله السافر الذي أدى لثغرة الدفرسوار وقلب المعركة لصالح إسرائيل ، ودفع الشاذلي ثمن معارضته لذلك الطاغية السادات وثمن تمسكه بالهدف الأساسي لحرب أكتوبر وهو تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة وهذا ما كان معدا من قبل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله وقادته العسكريين وعلى رأسهم الفريق أول محمد فوزي الذي كان مصيره سجون السادات والفريق الشهيد عبد المنعم رياض والفريق البطل بعد ذلك سعد الدين الشاذلي والمشير بعد ذلك محمد عبد الغني الجمصي وغيرهم وغيرهم الكثير الكثير من الرموز العسكرية .
لقد اتهم الفريق سعد الدين الشاذلي في كتابه الشهير حرب أكتوبر السادات بالخيانة العظمى وطالب بمحاكمته أمام المدعي العام الاشتراكي ، وعندما عاد الفريق الشاذلي لمصر عام 1990 ، قدم للمحاكمة العسكرية من حسني مبارك الذي هو امتداد طبيعي لأنور السادات وخطه ولم يجرؤ أحد على تكذيب ما جاء في الكتاب ، ولكن وجهت للفريق البطل الشاذلي اتهامين ألأول إفشاء أسرار عسكرية كما يدّعون والثاني إصدار كتاب بدون إذن ترخيص وأمضى في سجون نظام كامب ديفيد المخلوع ثلاثة أعوام ولو كان هذه النسر المصري العروبي الشاذلي الذي اختاره الله لجوار يوم سقوط مبارك حيا لرفض هذا التكريم السياسي الباهت والمتاجرة باسمه لتزيف وعي شعبنا العربي في مصر وهو الذي عارض السادات ومن بعده مبارك الذي كان تحت أمرته العسكرية ورفض كل المناصب العليا من أجل القيم والمبادئ ولم يقبل أن يوضع اسمه الكريم مع اسم من أهدر تضحيات أبطال أكتوبر وجعلها جسرا لعبور الصهاينة لكل الوطن العربي وعلى رأسه مصر العزيزة .
إن تكريم مرسي الرئيس الإشكالي لاسم السادات هو رسالة سياسية واضحة لأمريكا والكيان الصهيوني بشكل خاص مفادها أن جماعة الإخوان المسلمين بعد وصولهم للسلطة لم يعدو يؤمنوا بالعنف وأنهم مع صفقة كامب ديفيد مع بعض التعديلات الطفيفة طالب بها مرسي للديكور ، تتشابه نفس التعديلات التي كان يقدمها الصهاينة لأمريكا التي بدورها تقدمها للسادات بواسطة عزيزة كيسنجر ليخرج بعد ذلك ويقول عنها نقاطي الستة تماما مثل مبادرة الملك عبد الله آل سعود التي قدمها له الكاتب والسياسي الصهيوني الأمريكي فريدمان قبل قمة 2002 في بيروت وتبناها عبد الله آل سعود بأنها مبادرته وأصبحت مبادرة عربية واعتمدت في تلك القمة، ومع ذلك رفضها الكيان الصهيوني الذي هو العدو الحقيقي للسلام .
إذن هناك تغير واضح في نهج وسياسة دعاة الإسلام السياسي الذين بنو وجودهم على أساس وحدة الأمة الإسلامية المستحيلة وكفروا بوحدة العرب التي ليست مستحيلة علما أن العرب هم مادة الإسلام واعتراف الجماعة بالصهاينة من خلال رسالة مرسي قبل الانتخابات الرئاسية ووعوده بالمحافظة على صفقة كامب ديفيد وثم بعد فوزه الإشكالي حيث أعاد السفير المصري لدى الصهاينة الذي كان نظام مبارك المخلوع قد سحبه قبل عامين وثم شوية عنتريات من مرسي فارغة بعد حوادث سيناء التي لا زالت شبة محتلة وبلا سيادة وطنية حيث أدخل مرسي وبقرار منه بعض وحدات الجيش المصري وثم سحبها وهو صاغرا ذليلا بعد تهديدات نيتنياهو .
وليس أخيرا قيامه بتكرم السادات صاحب صفقة كامب ديفيد وملحقاتها المخزية في أوسلو ووادي عربة وهذا التغير في سياسة الحركة الإسلامية التي أسست وجودها على دغدغة المشاعر الدينية لدى البسطاء واستخدمتها بريطانيا وأمريكا أسوأ استغلال حيث كانت مخلب القط لخدمة السياسة الأمريكية إبان الحرب الباردة ، واليوم بعد وصولها للسلطة وعجزها الواضح تحاول من جديد طلب دخول بيت الطاعة الأمريكي عبر بوابة السادات والصهاينة حيث أصبح لديها مطامع في حكم سوريا بعد أن حكمت ليبيا عبر الناتو ومصر بالمال السياسي القادم من جزيرة العرب وقطر بأوامر أمريكية واضحة وهذا سيضعها في نفس موقف الأنظمة العربية العميلة أي في مواجهة من تدعي الحديث باسمه واقصد جموع الشعب العربي وفي مصر بشكل خاص .
لذلك رسائل مرسي سياسة مفضوحة لهؤلاء المتاجرين في الدين ولعل الأحداث الأخيرة التي أسموها على طريقتهم بغزوة الخندق الثانية حيث تجمعت كل القوى ضدهم واستعانوا بالبلطجية وأصحاب السوابق لمهاجمة من كانوا معهم في الأمس وأسموها بالخندق بحجة أنه يوجد بها أحزاب والتي تدل أن مرسي نسخة باهتة من السادات ومبارك ولكن بدقن لخداع الشعب الذي أصبح أوعى مما يتصور هؤلاء المتاجرين بالدين والدنيا معا ، وقد أصبحت أوراقهم واضحة ومحروقة ، ولا عزاء للصامتين .