أصبحت الحدود التركية-السورية مسرحاً لتبادل النيران بين طرفي البلدان وباتت في حالة عدم إستقرار وتأهب من على الجانب التركي بعدما عمِد نظام الأسد على إستفزاز النظام في تركيا من أجل زعزعة استقراره بقصفه مناطق حدودية تركية خلّفت قتلى وجرحى مما استدعى تصعيداً محدوداً من نجانب الجيش التركي الذي يبدو أنه في أزمة عميقة بعدما تُرك وحيداً في مجابهة نظام دموي مدعوم من دول كبرى كإيران وروسيا.
نظام الأسد مارس هذا التصعيد بشكل ممنهج ومدروس ومحسوب ومدعوم أيضاً, إذ أن هذا الإعتداء لم يكن الأول من نوعه وقد يكون الأعنف إلى حد الآن, فقد دأب هذا النظام على تحرير رسائل دموية إلى حكومات الجوار من خلال إما دس جواسيسه أو إثارة أقليات أو دعم جماعات إرهابية مسلحة لتنفيذ ماتوعد به سابقاً ودائماً بتهديده الدول المجاورة في أمنها وإستقرارها كما فعل مع لبنان والأردن, إلا أن التعدي على تركيا كان أكثر إيلاماً سقوط مدنيين مابين قتيل وجريح فكانت التداعيات أكبر عسكرياً وسياسياً وإعلاميا.
الحكومة التركية تعجز عن إتخاذ قرار بالرد بشكل يناسب إظهار قوته الحقيقية بالرغم من كمية الإجتماعات والتصريحات والتعزيزات العسكرية في تركيا لأنها ببساطة تُركت وحيدة في مجابهة نظام الأسد على الحدود, فالدول الغربية وخاصة دول حلف الناتو إكتفت بطلب ضبط النفس وبض التصريحات التي لم نلمس منها أي مسؤولية أمام هذا التصعيد. وفي الحقيقة فإن هذا الموقف كان متوقعاً؛ فأوروبا التي دأبت على رفض انضمام تركيا تحت قبة الإتحاد الأوروبي كما أنها لم تتخذ أي موقف او إجراء بالدفاع عن تركيا حسب الإتفاقات عندما هاجم الإحتلال الصهيوني سفينة مرمرة التركية داخل المياه الإقليمية وقتل الأغلبية من الأتراك فإنها لن تكون هذه المرة إلا أقل شجاعة بالتأكيد في الرد على إعتداءات نظام الأسد وانشغل الأمريكان في انتشال الرئيس أوباما من غرق الفشل في الإنتخابات, كما أننا لاحظنا في الفترة الأخيرة فرار معظم الدول الخليجية إلى الصفوف الخلفية في الدفاع عن الشعب السوري بعدما كانت مستشرسة في الهجوم عبر التصريحات ضد نظام الأسد وما لبثت كالعادة إلّا إلى أن تبرك كالجمال وتتفرغ بامتياز بصد تقدم الإتجاه الإخواني "جماعة الإخوان المسلمين" في الشرق الأوسط خوفاً إلى مناطقهم من خلال تضليل الشعوب العربية بخزعبلات وهمية وسرد قصص مرعبة خيالية لتشويه حزب أثبت قوته وحضوره برغم سنوات الخناق التي مورست ضده, فلم نعد نسمع كلمة المملكة العربية السعودية وتوقفنا عن مشاهدة رئيس وزراء قطر وتبخرت إجتماعات مجلس التعاون الخليجي وكما يقول المثل العامي " فص ملح وذاب" فما كان من السيد أوردوغان إلّا أن يصب جام غضبه على أحزاب المعارضة التركية في الداخل الرافضة لسياسة أوردوغان تجاه دعمه ثورة الشعب السوري في خطاب التنفيس عن الإحتقان.
تركيا بلا شك قوية عسكرياً وإقتصادياً بما يكفي لكي ترد أي هجوم من الخارج دفاعاً عن نفسها, لكننا نعلم أن لادولة تخوض حرباً لوحدها من غير دعم أو مشاركة وهذا ماتفتقده تركيا حتى الآن ولايبدو أن هناك أي تدخلاً إلّا بعد انتهاء حقبة الأسد لتقاسم الغنائم تحت ذرائع وهمية عدة, بالإضافة إلى أن الدول المحيطة بسورية التزمت بالحياد لأسباب تخص كل دولة فالمملكة الأردنية الهاشمية التزمت النأي المُبطن ولبنان النأي المُعلن والعراق التزم لأوامر إيران في التعامل مع الثورة السورية ففتحت جوها لدخول الأسلحة عن طريقها وأغلقت أمام النازحين السوريين
إن ضبط النفس الذي تمارسه تركيا من خلال الرد بالمثل على مصادر النيران السورية هو في قمة الحكمة والقوة وإفشتا ناجح إلى حد الآن من تحقيق مراد نظام الأسد إلى جر تركيا إلى مواجه تتسع على إثرها مساحة الصراع مما يخفف بذلك الضيق الذي يواجهه. وعلى كل الأحوال فإنه من المؤكد أن الأيام القادمة ستحمل الكثير من المتغيرات بين الدول المؤثرة على المنطقة وخاصة تغيرات من الدول المؤثرة على نظام الأسد