الوحدانية إذا تعدت الذات الإلهية ,سقطت في براثن التعصب والعنصرية والعنجهية الدبلوماسية وسلكت السبل الاستبدادية والأساليب المتغطرسة دون مسوغ أخلاقي,واستثأرت بحقوقها الطبيعية والمختلقة بمنطق القوة الغاشمة.وحدانية الله تخص جميع المخلوقات المحظية بالعناية الإلهية,وهي لهذا الوحدانية الوحيدة التي يقدسها الإنسان بكل أديانه ويؤمن بها مالكة السماء والأرض.
التعددية في المخلوقات كافة والأحداث والمفاهيم والآراء والأفكار والثقافات والمواقف والمصطلحات والقوى العسكرية والقوى السياسية والقوى الاقتصادية ...... هي الظاهرة الطبيعية التي تجلت فيها قدرة الخاق فيما خلق من ناس من مختلف الأجناس وحيوان من مختلف الأصناف والأنواع ونبات متنوع الفسائل والبذور والحبوب وجماد بتعددية طوبوغرافية تكاملية وتنوع بديع.
الأحادية في كل ما يتعلق في الأنشطة المرتبطة بحياة البشر, العلمية والثقافية والفكرية والإنتاجية والاعتقادية والتحليلية والمنهجية والسياسية والاقتصادية وعلاقات الصداقة والعمل ,وأشكال العمار السكني والمهني والحكومي والسياحي والاستشفائي والإيوائي,والتوحد العرقي والديني والطائفي,وتشابه الإخوة والأخوات مع الأبوين أو مع أحدهما لم يكن في يوم من الأيام ممكنا أو محتملا(باستثناء ندرة حالات التوائم ) في أن يكون ليتلاءم مع بيئته أو أصوله ومنابته.وكان في كل ذلك وغيره للتعددية والتنوع الحكمة الإلهية, المتبوأة المكان الطبيعي والواقع الذي صاغته يلك الإرادة الوحدانية القدرة والعظمة التي لا تدانى.
عالم اليوم الذي عولمته وسائل الاتصال والانتقال والتواصل من الناحية الفنية, وسخرته القوى الكبرى سياسيا في كثير من مواقعه الجغرافية مستدعية مصالحها التي ارتبطت بسياسات الهيمنة والسيطرة والتحكم بمسارات التقدم الذي تسعى إليه كل أمم الأرض بجدية وقناعة لا تحتمل التردد بأهمية تحقيق منجزاته الأساسية والتأسيس لهياكله المتنامية بسرعة في اتجاه لا ينتظر المترددين أو المتخاذلين أو المتعلقين بأمجاد قضت والمتمسكين بتراث أصبح في حكم التاريخ ماض له عبر ودروسه دون آلياته ووسائله التي ارتبطت بتقدم العلوم الواسع ومتعدد الاتجاهات التي تتجه كلها إلى أعلى وإلى أمام ولانجد منها ما يشير إلى الخلف سوى ما يتعلق منها بعبر التاريخ وليس بعودة أو إعادة أي من مجرياته أو أحداثه في عالم مختلف أشد الاختلاف بوسائله وأدواته وقواه العلمية والمعرفية .
صحيح إن القيم الإنسانية كانت منذ القدم وهي ما زالت على حالها مرجعية واضحة المعالم صاغتها آيات الخالق بأديانه التي أراد لها الخلود ونفض عنها غبار الجمود, وتعاطت بها الأقوام متعددة الأصول متنوعة المنابت والثقافات باذلة الجهود في التسامي إلي معانيها ومراميها وهذا بدوره عمل على ترسيخ تلك القيم وما تكمن العقل المعرفي اشتقاقه منها,ولكنه أي الإنسان لم يتمكن من توطينها في سلوكه وفي أخلاقه السياسية والثقافية والفكرية وفي تعامله مع غيره من البشر.
على الرغم من استخدام الإنسان البدائي القوة الشرعية لحماية حياته ضد أعدائه من الطبيعة وظواهرها الفتاكة , ومن المخلوقات المفترسة والزواحف حاملة السموم والحشرات اللداغة المميتة, كي تصل الحياة إلينا عبرالتناسل والتكاثر وتوفير أقصى درجات الأمان والاطمئنان,فقد عرف التاريخ حكومات كذلك انتهجت أساليب الهيمنة والتحكم والاضطهاد وغطرسة القوة من أجل مصالحها التي ترى فيها ليس سعادة مواطنيها وأمنهم كواجب مقدس من واجبات الدولة الحديثة وحسب, وإنما بالسعي لاختلاس سعادة الآخرين وتهديد مصالحهم بالقوة الغاشمة بغرض الهيمنة والاستئثار بالقوة التي تحافظ على تفوقها واحتسابها كقوة عظمى وحيدة ذات الأثر المباشر على توجيه السياسات الدولية , وتصنيف الدول إلى أصدقاء وحلفاء وخصوم وأعداء بمزاجية سياسية تفتقد إلى الكياسة وإلى لغة الخطاب الدبلوماسية في التعامل مع الدول ومخاطبة حكوماتها.
الاستئثاربأحادية القوة العظمى أو الأعظم لا فرق,تتماهى مع بقايا فكر الاستعباد وامتهان الكرامة بما تشكله من تهديد لمن يخالف أو يختلف مع المتمكنين منها أو يشكل عائقا أمام توسع مصالحهم أو التفكير بتهديد أي من هذه المصالح أو الحكومات القيّمة المسخرة للمحافظة عليها وعلى سلامتها.
تعدد القوى العظمى حماية تعتبرفي حدها الأدنى, قوة ضمنية لكل دول العالم قويها وضعيفها من طغيان وحدانية القوة ومفاسده السياسية وأطماعه الاقتصادية, وهي في السياسات العالمية صمام أمان للدول الصغرى في قواها العسكرية على التمتع بحرياتها في إدارة شؤون بلادها وحماية مصالحها وتحقيق تقدمها وتنمية مواردها وطاقاتها البشرية والطبيعية,واتخاذ المواقف التي تتبنى عقائدها السياسية والإنمائية,واختيار نمط نظام الحكم وأشخاصه دون خوف أو مجاملة.وتشحذ هذه التعددية همم أطرافها على استقطاب الدول الأجرى واستمالتها بأساليب بعيدة عن التهديد والترهيب,وتجنح إلى الوعود السلمية والمساعدات والتعاملات في مختلف المجالات التي ينتفع بها ومنها كلا الطرفين.
التحرر بصيغه العامة,من الاستعباد والقيود المختلفة المكبلة للحريات الفردية ومن الارتباطات المعيقة لاتخاذ القرارات المعبرة عن الإرادة العامة للمجتمع ,صفة من أقدس الصفات في قيمها الإنسانية والأخلاقية.والتحرر من الخوف من القوى الخارجية وأطماعها يخفف من وطأته امتلاك الإرادة الحرة في بناء وطني يبني علاقات متكافئة مع أطراف يطمئن إلى تاريخها الثقافي والسياسي وإلى ولائها وانتمائها غير الملوثين بالتعاون أو التعامل مع قوى خارجية أو الاستعانة بها أو استدعائها بأي حجة أولأي سبب كان,فذلك يدخل في نطاق الخيانة الوطنية العلنية أو ضمن مفاهيم التجسس لصالح الأجنبي, وكلتاالحالتين مذمومتان وجالبتان العار لأصحابهما تاريخيا وأبديا .
ومن قيم تعدد القوى المؤثرة في العلاقات الدولية إنها تحول وفي غالب الأحيان, دون قيام حروب إقليمية لصالح القوى العظمى وتعقد أطماع الدول الإقليمية بعضها ببعض.وتتيح الفرصة للدول الأخرى للتركيز على مسائل التنمية وتطوير الثروات والقدرات الوطنية ,وتسهل اصطفاف الدول النامية في مواقف تخدم مصالحها وتنمي أسباب التلاقي والتعاون بينها.وفي هذه القيم تكمن فرصة حقيقية لكل الدول في اعتماد سياسات تلتزم التعاون المثمر الذي تصوغه اتفاقيات دون اللجؤ إلى بنود إذعان أو إخلال بالحقوق,وهي في الوقت ذاته تحد لكل نظم الحكم في أن تتلمس طريقها بوضوح وانتهاج سبل تحقيق أهدافها باستثمار حالة التحرر بذكاء وطلاقة.
ولعل من أبرز التحولات الجذرية لتعدد القوى وتنوع مواقعها عبر القارات هو فيما يشهده العالم من تحول حاسم من التفكير في إذكاء صراع الحضارات والمراهنة على ما يمكن أن يحققه هذا الصراع من منافع ومكاسب أحادية في غياب التعددية, إلى العمل التنافسي النافع من حوار الحضارات وما يقوده هذا التنافس من مكاسب يتوزعها الجميع وإن بمقادير مختلفة.
السلام العالمي وأمن الإنسان من شرور أخيه الإنسان وأهوائه الشرسة, مرهونان بحالة من التوازن في القوى بمختلف مصادرها وتعدد أنواعها , عسكرية أو اقتصادية أو بشرية,وتعدد القوى العظمى باثنتين على أقل تقديربداية خلق عوامل هذا التوازن وتثبيت عناصره