حتى الآن هناك أسئلة معلقة في منطقتنا تبحث عن إجابة، مركز الأسئلة هي سوريا وما يحدث فيها وحولها، ولكن ليس هناك فقط، فالأسئلة تطوف في كل من طهران وأنقرة والقاهرة وموسكو على سبيل التخصيص، ولكنها لا تتوقف هناك أيضا.
بانتظار الإجابة على تلك الأسئلة يبرز أولها القائل: هل تنتهي الأزمة السورية المستحكمة دون حرب إقليمية ولو مصغرة؟ ما حدث خلال عطلة الأسبوع الماضي (الأربعاء والخميس) في مكانين يدلان على أننا في هذه المنطقة على شفا تغيير كبير. الأول هو اغتيال 5 مواطنين أتراك، على مقربة من الحدود السورية، بنيران منطلقة من الجيش السوري، إذا عطفنا ذلك على التصاعد المتدرج والحرج في حرب الكلمات بين أنقرة ودمشق، بدءا من إسقاط طائرة حربية تركية، وانتهاء قبل أيام بقتل مواطنين أتراك فإن هذه الأحداث تنبئ بتغير نوعي وليس تراكما كيفيا فقط كما حدث في الأشهر القليلة الماضية، فليس أصعب من المراهنة على سلوك نظام في حالة احتضار.
تركيا تستنجد بالحلف التي هي عضو فيه منذ زمن، من أجل مثل هذه الأزمات، كما تستنجد بالأمم المتحدة من الخارج، وتستدعي البرلمان التركي لدراسة الموقف من أجل الحصول على تفويض باستخدام الجيش التركي خارج الحدود. إنه التحضير على عجل في ملف خارجي وداخلي للتغير النوعي المرتقب تجاه سوريا. تزامن ذلك مع مظاهرات في البازار الإيراني في طهران، ضاجا من الوضع الاقتصادي المتدهور، الذي أوصلت سياسة أحمدي نجاد إيران إليه، من خلال التعنت اللفظي من جهة، وصرف الأموال الضخمة لمساندة الحليف السوري من جهة أخرى، مقرونا بحث حزب الله في لبنان على أخذ خطوات عملية في الاشتباك السوري الداخلي.
السؤال المعلق الكبير هو: هل تركيا ذاهبة إلى تدخل نشط في سوريا؟ وهل إيران لديها القدرة والرغبة في ردع تركيا – التي تتشارك معها بخطوط تماس – أي القيام بتدخل مضاد مباشر أو غير مباشر إن تحركت تركيا باتجاه الحدود الشمالية لسوريا. في هذا الحال أين روسيا من الأمر؟ هل سوف تتدخل بشكل مباشر في حال قيام اشتباك مسلح بين دمشق وأنقرة، يسمع فيه صوت الرصاص وتحليق الطائرات، بدلا من الكلمات الساخنة التي تتبادل حتى اليوم. أليس لافتا محاولة روسيا تبريد قتل الأتراك الخمسة بالطلب علنا – وليس من خلال القنوات الدبلوماسية – باعتذار سوريا والتعهد بعدم تكرار ذلك العمل؟
هناك قطاع من المعلقين يرى أن الملف السوري أصبح قريبا من الانفجار باتجاه الخارج، فالمعدة الإيرانية الاقتصادية والسياسية غير قادرة على الدعم أكثر مما فعلت، مع نمو معارضة في الداخل الإيراني لإنفاق كل تلك الأموال على قضية خاسرة، ولم تستفد إيران من الفرص التي أتيحت لها للتقدم بحلول عقلانية مشاركة في إنهاء الملف السوري المتعسر، بسبب قصور فاضح في الإدارة الإيرانية الحالية لإدارة ذلك الملف، كما ملفات أخرى. الروس رغم كل تصريحاتهم الخشنة تجاه مقاومة أي تغيير في سوريا لا يستطيعون أن يخوضوا حربا بالإنابة عن إدارة سورية قصيرة النظر، وتتهاوى أمام زحف جماهير شعبها إلى الحرية.
في الكويت جمعني لقاء مع ناشط كويتي قضى وقتا طويلا مع مجاميع اللاجئين السوريين متطوعا في فريق الإغاثة، في الأماكن الثلاثة للجوء السوري الكثيف، لبنان والأردن وتركيا، كان السؤال الذي أردت أن أعرف إجابة ميدانية مباشرة له: هل هناك «متطوعون» من خارج سوريا يحاربون في المدن والأرياف السورية مع المقاومين السوريين؟ كانت الإجابة قاطعة باتجاهين، إن كان هناك أحد من الخارج فهم قليلو العدد، ولو كان هناك أعداد كبيرة لوقع بعضهم أسرى في يد الجيش السوري، ومن ثم تم عرضهم على العالم كدليل للتدخل الأجنبي الذي يدعونه! الإجابة إلى حد كبير مقنعة، كنت أريد أن أعرف إجابة من الميدان بعيدا عن البروباغندا المضادة. كل هذا الصراع الدائر في سوريا أو معظمه قائم على سواعد السوريين المضطهدين لفترة طويلة من الزمن تحت حكم العائلة الأسدية ومن سايرها من المنتفعين. إلا أن الاستراتيجية التي يتبناها النظام السوري، وهي قتل الناس بكل أشكال الأسلحة، قد استفزت العالم على مستوى المؤسسات وعلى مستوى الجماعات والأفراد، وواضح أن تلك الاستراتيجية مستمرة ولن تتغير.
إن بقي ميزان القوى على ما هو عليه الآن، فليس من المستبعد أن يقوم النظام السوري بقتل كل نافخ نار في المدن والأرياف السورية، ثم الجلوس على جماجمهم، على أساس أن العالم يحترم القوي، كما حدث قبل أكثر من عشرين عاما في حماه. إن حدث ذلك السيناريو، وهو في تقديري يجب أن يحسب حسابه، فإن رغبة النظام السوري في الانتقام سوف تزداد شراسة، ويحول تلك الرغبة في الانتقام إلى عمل في داخل الدول التي اعتقد أنها ساعدت وشدت من أزر الانتفاض عليه، وهي دول لم تعد أسماؤها يشار إليها بالرمز، بل بالاسم كما فعل وليد المعلم، الذي ذكر العالم من جديد بالصحاف العراقي، لما اعتلى منبر الأمم المتحدة، وقال كلاما متناقضا لا يمكن أن يستسيغه الأذكياء، إلا أنه ذكر الدول التي تساعد ««الإرهابيين» واحدة إثر أخرى، كما لم يعد سرا أن بعض القوى الأمنية السورية والمتعاطفة معها تجمع بعض النشطاء لتجهيزهم عملياتيا ضد أعدائها!
لعل الأمر المرغوب من البعض أن تتحول الأحداث في جنوب تركيا - الاشتباك التركي السوري - من مساعدة اللاجئين، إلى فعل على الأرض، وهو متاح بأكثر من طريقة، فالأدوات التي تمتلكها تركيا لم يستخدم كثير منها بعد، كما أن الأمر المرغوب من البعض أن تتحول الاحتجاجات الاقتصادية في طهران إلى حركة ربيعية أوسع، خاصة إن وصلت إلى الفقراء والأرياف الإيرانية التي ما فتئت تعاني من تقلص قدرتها على العيش مع قرب الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وحتى يتحول المرغوب إلى فعل يحتاج إلى خطط عملانية على الأرض.
الاحتمالان واردان – حرب إقليمية أو تصفيات دموية - في الأسابيع والأشهر القادمة. إلا أن العيون الآن مركزة على سير الانتخابات الأميركية التي سوف تحسم خلال 5 أسابيع، لا لأن المتوقع أن تأخذ الولايات المتحدة خطوات على الأرض في الشأن السوري، بل لأن الأمور تكون قد اتضحت ونضجت، وبالتالي تعتمد سياسة تحريك دولية لوقف هذا النهر من الدم الساخن الذي يجري في قرى ومدن سوريا، فقط لأن الشعب السوري يطالب بحريته. إنها مجموعة من الأسئلة المعلقة قد تجيب على بعضها الأيام القليلة القادمة.
آخر الكلام:
تقول كوندوليزا رايس في مذكراتها التي نشرت أخيرا بعنوان «أسمى مراتب الشرف»: «قلما تكون عناوين الصحف اليوم وحكم التاريخ شيئا واحدا» بمعنى أن أحداث اليوم قد تكون غير مرغوبة، لكن حكم التاريخ سوف ينصفها.