لأن الحياة تمضي بخذلان وخيبات منك، فأنت أكبر من الرحيل، لأن الحياة تمضي وأنت تلوك ضمائر حواسي فأنت قادر على قتلي.. لأن الحياة تمضي وأنت تتقلب في إنشغالك في عالمك فأنت كفيل في إعوجاج مصيري...
صديقتي...
مرّ الفراق ومازال هو هنا، لا أنفك في إنشغالي عن التفكير بما فعلت خيباتي وخذلاني من الحياة بي،أرادتني قتيلة أم أردوني ضحية! لم أرد أن يكبر الأمل بداخلي لكي لا تعظم إنكساراتي، بل.. فعلت يا صديقتي هذه المرة وبنجاح ساحق... صديقتي بل أقبل العمر وعلى وجنتيه في كل ليلة تسقى بماء مالح، وكل مساء ترتسم صورته المائية عليهما.. صديقتي أين المبتغى من ذلك!
ألم أكن تلك الشرقية الغربية بقلب واحد وربع عقل!! أم لم أكن بذلك القدر من كيد النساء!!
صديقتي ويحك عني، لم أعد أريد ذلك الوطن، سأنبذ نفسي منه لريثما تعود الروح إلى خالقها، وحدهم الغائبون يا عزيزتي من يعلمونا معنى الموت في الحياة.. كيف يغيب الوجود من حولنا دون أن نفقد الوعي، كيف نفقد الإحساس والحواس دون ظلمات سكرة الموت، كيف تتوقف تلك السيّالات العاطفية بين بقايا أحرف رسالات فوضوية..فيتوقف النبض بنا ومازلنا على قيد الحياة,, أتنفس الهواء، فتختفي الألوان دون أن يختفي البصر، وحدهم يا صديقتي وحدهم هم من يزيلوا رائحة الحياة من على أجسادنا ويعيدون رسم خارطة الأوجاع على جسد أرواحنا، وينحتون تفاصيلها بمرارة الفراغ ووحشية الموت على كل وجه نبحث عنه...
صديقتي... صديقي...
"بعض الحزن ترف ربما نحسد عليه أيضا" ما ظننت أن قولكِ يا صديقتي صحيحا يوما ما، وحده الفقد من يرينا درجة الوضوح بين لونين لفرط ما أشحنا عنهما بوجوهنا ظنناهما لم يخلقا، وحده الغياب من يعري قلوبنا من إبتساماتها يا صديقي... وأنا كالحمقاء أرتدي وعود خريف العمر، فاللغة رداء لا يكاد يواري سوءة القلب ولا يخفي ندوب الوجع ولا يقينا من الأبيض والأسود التي باتت تلون صباحاتي دونه..
لم أكن يوما من إحداهن يا غريب، تلف قلوبهم على محيط خصرها وتدوس عقولهم تحت مسمار كعبها.. ولم أكن من إحداهن ترتدي عيون آدم تعويذة في صدرها وتزين خنصرها بتمتمات وعودهم، ولم أكن من أولئك في ضوء النهار تتزين بزيف إبتسامتها وفي غمرة الليل تلتحف حزنها... أنا من كنتَ.. أنا من أسموه بـ "إحداهن" جمالها لعنة تتمنى التخلص منه.
سأكتب اليوم لأن عتبي ولومي صادر من نفسي وموجه إليها أيضا وما أقسى عتبا كهذا يا أيلول. أيلول.. لا أكثر بؤسا من صباح تصطدم فيه بمرآتك فلا تدري أأنت من تراه أم مجرد شخص عابر مر بها في ذات اللحظة! كأن بعضي يبحث عن عني وبعضي يبحث عن بعضه... ضاعت تفاصيلي بملامح ليست لي، حالكة، مبهمة شاحبة اللون كضحية لم تعرف من قاتلها، أنا وأيلول من مكثنا في نفس الغرفة، يشبهني لحد أننا لم نتفق أبدا فكلما إجتمعنا إشتعلت الجلسات والقضايا بيننا... يشبهني أيلول يا غريب في صمتي ومكابرتي على مواطن لم تسعفها الزمن، ويشبهك يا غريب في جفاءه ومكابرته وإختلاط الساعات في مزاجية طقسه، يأتيني كل عام مجهداً بآلام الصيف وخيباته، متعبا من حمل حقائب الشتاء أحلام الشتاء... "ك أنتَ هو أيلول" يغيب ويغيب ويعود ليريني حماقاتي ويبكيني طويلا... من لونني رماديا كغيمة هذا أيلول! ومن منكم يعيرني شفتيه أبتسم بها فأخدع زماني علّه يرحمني!
على حافة أيلول تقف بقاياهم بشغب يا غريب تهدد الإنتحار، حالة أحاول إجتيازها ولا تمر... ليست بحالة ملل وليست حالة كتابة.. ليست بضيق يا غريب إنما كآبة من غياب خيبات الذاكرة التي تهدد رواية إستقلال نصفي الآخر.... فتقف بقاياهم بشغب تهدد الانتحار، فلتحترق.. ما أورثت منها إلا خيبات تلطخ هذا العمر يا أيلول..