الفرق بين الكلم الطيب وبين إغراء الدولار

mainThumb

18-09-2012 08:41 PM

 لما كان انشغال الإنسان في المرحلة المعاصرة متركز على تأمين مستوى معاشي يقيه شر الحاجة ومذلة العوز وارتباط ذلك بدخول مجال تنافسي في فرص العمل وشغل الوظائف وتنفيذ مشاريع استثمارية مجدية والمشاركة الفاعلة في الملتقيات والمنتديات والتجمعات والجمعيات التي تتلاءم وطبيعة عمل الفرد وتتماهى مع وسائل تحقيق مصالحه ومراميه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فقد أخذت استمالة الثقافة التلقائية  للفرد تفقد جاذبيتها كأحد مقومات حياته الفكرية يشغل بها وقته الذي تتيح له ظروفه توفيره للقراءة والاستزادة بالمعارف التي تنير له دروب التنورالضرورية لرؤيته كي يميزما يجري حوله من  أحداث وتغيرات تمييزا تفاضليا يمكنه من تحديد موقفه ورسم طريق تعاطيه مع هذه الأحداث والتعبير عن رأيه المباشر إزاءها بعقلانية راجحة,بدلا من أن تحركه طروحات المتنمرين في السياسة والمستأسدين بالثقافة الخاصة التي تخدم أهدافهم العملية ومواقفهم السياسية النفعية.

 
الإنسان الدمية, تحركه الشعارات الحزبية الفئوية لأخذه باتجاهات سياسية - إنمائية ليست من اختياره ودون استشارته أو سؤاله عن رأيه وإنما بدافع حماسي ارتهن إلى إرادة ليست إرادته ظنا منه بأن مكاسب يمكن أن يحققها من التبعية الفكرية والسياسية والاجتماعية , وربط مصالحه بمصالح آخرين يرى إن لديهم قوى تمكنهم من التسيد والسيطرة .ويوجه رغبات الإنسان الدمية المهنية رجال اعمال برعوا في الاستخدام   الأمثل للقوى البشرية لمراكمة ثرواتهم وتوسيع ممتلكاتهم والتأثير على مجريات الأحداث بأموالهم وجاههم الذي يبنونه على أكتاف مجموعات الدمى التى ترضى على نفسها مثل هذا الموقع المقاد من الآخرين يوجهون حركته ويصيغون أهدافه وينظمون كما تتراءى لهم أحلامهم ومصالحهم الخاصة بهم.ومثل هذا النوع من الناس يظل أسير الرغبة في التبعية والانقياد وهناك دوما من هم جاهزون لاستغلاله لأغراضهم.
 
نلاحظ بوضوح كيف كتَبَ التاريخ سيرة حياة الرجال والنساء, ودوّن أفعالهم, أولئك الذين لعبوا أدوارا   يؤرخ لها كمرجعية عالمية الطابع بما أدوا من أعمال بصيغ وأدوات تأثر بها العالم سلبا أم إيجابا.ومن    أقرب الأمثلة إلى ذاكرتنا على ذلك, نأخذ سيرة كل من هتلر الألماني وغاندي الهندي,لنقف أمام شخصيتين يمثلان قضيتين أساسيتين في التراث الإنساني المعاصر والذي لا يختلف عن مثيله الماضي سوى في بعض التفاصيل الناشئة عن الخلفيات الفكرية لكل منهما وبالطبع اختلاف الوسائل والأدوات المستخدمة والمسخرة لصنع الأحداث وتحديد المواقف منها والتي تطورت بحكم حتمية التطور والتغيير التي تشهدها المجتمعات البشرية كل   لحظة حسب وعيها وتبعا لاستكمال التهيئة والاستعداد للاستجابة لمتطلباتها وأسبابها.
 
هتلرجاءت به انتخابات الديمقراطية رئيسا لألمانيا فسرعان ما انقض على قيمها و تنكر لكل المبادئ الديمقراطية, وكان داعية عنصرية عرقية,جند قوى ألمانيا وعسكر أبناءها وسخرهم لصنع ما كان يظن إنه (المجد الألماني الذي لا تدانيه في البشرية أمجاد أي أمة أخرى على وجه الأرض ) اعتمد القوة العسكرية لفرض مواقفه الفكرية ومعتقداته السياسية وعقائده الحزبية على الشعوب المحتلة على أن يظل التسيد للعرق الآري النقي الذي (يستحق !) كل من ينتمي إليه أن يتمتع بالجنسية الألمانية.هزم بحروبه جيوشا عديدة ولكنه في النهاية هُزم بجيوشه ودُمرت حصونه وأُتلفت قواه العسكرية ومؤسساته الحربية وقُسمت بلاده آنذاك ولم تتوحد سوى بعد تفكك الاتحاد السوفياتي .انتهت أسطورة العنصرية ولكن ذكراها تدوم كمثال   سيء الصيت,مقيت الذكر والذكرى وصيغة للتدليل العملي على مآل الفكر العنصري البغيض والعقائد المتعنصرة وقواها المتغطرسة وأطروحاتها المتعالية وآدابها وتراثها الذي لا يبحث أحد فيه عن قيمة إنسانية بدائية المعنى والمرجعية. وتؤكد على إن العنصرية داء يفتك بأصحابه ولو بعد حين.
 
المهاتما غاندي,قديس اللاعنف , وداعية الحرية والمساواة بين أمم الأرض دون تمييز صنع من ضخامة  تعددية مكونات وطنه وتنوعها  الديني والعرقي واللغوي والتراثي والثقافي والسياسي والعقائدي أعجوبة امة موحدة منسجمة مع أسمى معاني التعددية , ومتساوقة مع أعمق معاني التنوع ومفاهيمه في التآخي والتعاضد الوطني مرسخة مصداقية نظرية التعددية في الوحدة  التي يرتكز على فرضياتها البناء الوطني للحداثة والترقي.أمة موحدة تتصف بأكبر ديمقراطية اتحادية في العالم  وثاني أكبر تعداد سكاني بعد الصين ,بعد أن كانت مستعمرة من بريطانيا ذات التاريخ الاستعماري العريق ( وها هي اليوم تتحول إلى دولة من الدرجة السابعة في عالم الدول المتقدمة).يتذكر الناس المهاتما غاندي بمواقفه المتاصلة بالقيم السلمية في إدارة الصراع مع القوى المستعمرة, وفي أنبل المفاهيم  الديمقراطية المتوافقة وتركيب مجتمعها الحريصة على وحدته, مع المختلفين مع سياساته ومواقفه ومع المخالفين له والمعادين لأساليبه وأفكاره,   ومع أصدقائه وأنصاره ومحبيه وكارهيه.
 
بين هذين المثالين التاريخيين الذين ما زالت تعمر بهما الذاكرة الإنسانية بكل تفاصيلهما تقع الحكمة التي   تولى التاريخ نقلها بصورتها النقية التي مؤداها -- إن البأس الشديد يكمن في القول السديد-- , وإن النصر الأكيد يتمثل الفكرالنابض بالقيم الإنسانية ومواجهة شرورالإنسان بفضيلة الصبرورسم صورملائكية تذكر الأشرار بما لا يمكنهم التنصل من تذكره ,ومواجهة لهجة العنف والتجييش بقوة الكلمة الصادقة  والفكرة الناضجة النابعة من قوة العقل المتنور بالنظرة في أعماق النفس التي ترى في الحفاظ على حياة الناس  وصون كرامتهم من أقدس وظائف البشرية وأكثرها حيوية ونزاهة.
 
يسرد التاريخ حكايات عن دعاة الحروب ورعاة الاقتتال بالسلاح والمال والإعلام, ومثيرو الفتن بين الناس مسترخصين حياة البشرومهووسين بما يحققون من مصالح ذاتية كاذبة من وراء الاقتتال والتدمير,ويمرالفردعلى أصحابها كأنه  يسير فوق أرض وحلة,قرفا آنفا العودة إليها أو منها.أما العبق التاريخي الذي نستعذب قراءته والتلذذ  بقصصه والتباهي بحكاياته وعظاته فهو , دون شك , ذلك الذي  يخطه أصحابه بالقول الحسن بالكلم الطيب والفعل الإحساني,ودعوة التصالح والتحاب والتآلف في أحلك الظروف وأقسى المواقف صعوبة وتعقيدا. 
 
أوليس من غير الحكمة أن نبرر قتل واحد أو ماءة أو ماءة ألف وأكثر من البشر بعبارة ومالو !! في حين نقتدر,أو ننصح ونعمل بصدق على منع الإيذاء إو إلحاق ضررمادي أو معنوي بفرد واحد؟؟ 
 
أولم يكن بمقدور الجامعة العربية وهي في أضعف حالاتها وأردأ إداراتها أن تستقوي بالمواقف الحيادية البناءة والدعوات الصالحة للحوار ووقف القتال في سوريا على سبيل المثال , وردع الإصرار من البعض من هنا وهناك عن قتل أنفسهم وأبرياء من بني قومهم وإرشاد داعميهم إلى دعوة تجلب الخير للجميع؟؟. فتستعيد الجامعة بذلك جزءا من هيبتها التي أهدرتها في دعوة الأجنبي لتحرير ليبيا!!,والتدخل العسكري في سورريا !!؟؟
 
ويظل بكل تأكيد,الفرق بين الكلم الطيب وبين الدولاركبير واسع جدا وجدا عميق ,  فالدولار يُصرف على الملذات ,,, والكلم الطيب يبقى لما بعد الممات .دول


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد