إن وظيفة التعليم أسمى من أن تكون وظيفة رسمية أو مصدراً لكسب الرزق إنها إعداد للأجيال وبناء للأمة ، أن العالم الداعية و القاضي و الطبيب و المهندس و الوزير و المدير و الجندي كل هؤلاء وغيرهم إنما كانت بداياتهم المعلم وكل هؤلاء قد عبروا بوابة المدارس. وإن بصمات المعلم بالتأكيد قد أثرت في ناحية من نواحي تفكيرهم أو على جانب من جوانب شخصياتهم ، فهم من ناتج عمله وجهده وتدريبه.
هناك تحديات وآمال و أمنيات كثيرة في العام الدراسي الجديد ، من المعروف بأن المعلم هو الأساس في العملية التربوية برمتها ، أتمنى أن يكون معلمنا فعالاً متفاعلاً في هذا العام و كل عام ، هذا الصنف من المعلمين هو الذي لا يبخل في المساهمة في إصلاح نظام التعليم حيث إن دورالمعلم لا يقف على ما يقدمه في الغرفة الصفية من معارف و مهارات للطلبة ، وأنما يتعدى ذلك بكثير، كيف لا و هو الأدرى من غيره بالإيجابيات والسلبيات ، و من هنا لا بد من المساهمة في اقتراح بناء على إدارة المدرسة أو تنبيه على ملاحظات أو مناقشة هادئة لقرار، ولا بأس أن تطرح فكرة بناءة فيكتب عنها إلى من يهمه الأمر أو يسعى لدارسة ظاهرة من الظواهر السلبية في نظام أو مادة فيكتب عنها.
إن التعليم ليس مسؤولية مؤسسات التعليم فقط بل هو شراكة وثيقة بين المجتمع وهذه المؤسسات، لذا فإن الرأي البناء والنقد الهادف أحد ملامح التعاون الذي ننشده و نعتبره واجباً وطنياً، وتقتضي هذه الشراكة التكامل بين البيت والمدرسة، فدور الآباء والأمهات دور رئيس في تحقيق ما نطمح إليه أهداف التربية و التعليم ، فلنعزز هذه الأدوارفي العام الدراسي الجديد بما يحقق الصالح لأبنائنا وبناتنا وللعملية التربوية والتعليمية.
ليس مقياس النجاح في تحقيق النتاجات مجرد معرفة القراءة والكتابة و حصول الطلبة على مجاميع عالية ، وليس دليل التفوق في التعليم كثرة المدارس وأفواج الخريجين، هذا النوع من التعليم المادي الجاف هو ما يروج له ويفرضه بعض التربويين الذين لا يريدون خيراً لهذه الأمة حيث يصيغون لها الأهداف والمناهج والوسائل والأساليب كما يريدون ويشتهون ، فكان ناتج ذلك هو هذا الواقع المرير الذي نعيش من فساد في منظومة القيم ، لقد ساد التفسخ الخلقي بين البشر وفقدت الغيرة والحمية ، و انتشر العنف بكافة أشكالة و شتى صوره ، و أصبحت المحسوبية و الفساد و الواسطة هي القيم السائدة و المرغوب بها بين الناس. من المؤمل أن تصبح المدارس في كافة مستوياتها هي محاضن الأجيال ، وأن تكون الحصن الحصين تعمل على حماية الأوطان والحفاظ على نقائها وفلسفتها و قوتها وعزها، كيف لا والمدارس تحوي أثمن ما تملكه الأمة من الثروات البشرية التي تتضاءل أمامها كنوز الأرض جميعها. وإن الخيانة العظمى تكون عندما يتنكر لها المتنكرون الذين يبيعونها بثمن بخس منفذين بذلك المخططات الرامية إلى تدمير الوطن و تغيير هوية الأمة.
من المؤسف حقاً أننا خسرنا أكثر مما ربحنا من الآداب التربوية العالمية ، حيث أن مبادئ التربية وأصول التعليم تستورد كما تستورد البضائع دون تعديل أو تكيف. صحيح ليس عيبا او نقصا ان ننقل التجارب الناجحة في دول العالم الأول لكن شريطة أن نعدل و نكيف النظريات و المبادىء وفق البيئة الوطنية و بما يتفق مع أهدافنا لا أهدافهم .أتمنى أن يكون هذا العام أن يكون عام تقدم نوعي في التعليم، وأن يتم النقل بتصرف عن التجارب العالمية الأخرى.
وفي مجال التحديات ، كان هناك ثمة نقاش في العام الدراسي المنصرم حول تطوير امتحان الثانوية العامة ، لكنه في تقديري لم يأخذ الوقت الكافي من المناقشة و الجهد الذي يستحق، أتمنى في هذا العام أن يناقش بشكل مستفيض وأن لا يأخذ صفة الاستعجال و السلق ،بل من المؤمول أن يطبخ على نار هادئة بما يحقق التطوير الحقيقي للامتحان و ليس لمجرد تغيير الآليات فقط.
التحدي الأهم في هذه السنة هو الأعداد الكبيرة من الطلبة السوريين الذين سوف يلتحقون بالمدارس الأردنية بسبب الأحداث الجارية في سوريا ، وعلى الرغم من تصريح معالي وزير التربية و التعليم المتمثل بأن قبول الطلبة السوريين لن يؤثر على الاوضاع التعليمية للطلبة الأردنيين ، أقول بأن الطلبه السوريين سيشكلوا عبئا ثقيلا على مدارسنا وعلى الوزارة من حيث الكتب المدرسية و المقاعد والأثاث المدرسي والتسهيلات التعليمية والهيئات التدريسية و الإدارية و الاكتظاظ في الغرف الصفية و نوعية التعليم و التفاعل الصفي ، أضف إلى ذلك الأثار الاجتماعية و الاقتصادية والتربوية.
أتمنى أن يتم فصل الطلبة الأشقاء من السوريين بحيث يتم إنشاء مدارس خاصة لهم من المباني الجاهزة في أماكن تجمعاتهم وكل ذلك يجب أن يتم بالتعاون مع المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين.
أخيراً وليس آخرا التحديات و التمنيات والآمال والتطلعات كبيرة وكثيرة ولكن الأمل موجود في تجاوز التحديات و تحقيق الآمال و الانجازات ، وقد قيل ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، و كل عام دراسي جديد والتعليم بخير.