درجت التصريحات الدبلوماسية في دولنا العربية بشكل خاص على اتباع نسق بال من الصيغ الإنشائية المقولبة لكل المناسبات المماثلة باختلاف طبيعة العلاقات ونوعيتها بين الدول.إذ يؤدي هذا النسق من التصريحات إلى إفراغ العبارات الملفوظة من معانيها الودية من ناحية, ومن مضامينها السياسية من ناحية ثانية,والخجل من إعلان الموقف الصريح والصادق من القضايا التي تتعرض تلك الدبلوماسية لها في الشؤون العالمية منها والعربية لتخفي حقيقة الموقف وتداري أهدافه الحقيقية. وهي على الغالب تصريحات تتجاوزقدرة الدول وإمكاناتها على تحقيق ما تدعيه بتلك التصريحات أو ما تعنيه بها.إنها بالفعل تصريحات في معظم الحالات أقرب إلى الادعاءات منها إلى أي تعبيرعن وضع حقيقي من القدرة أو القوة أو السياسة المتبعة.
عند لقاء مسؤولين من بلدين على مستوى الوزراء والسفراء والمندوبين وحاملي الرسائل من قادتهم بعضهم إلى بعض,تتكررعبارات مثل : العلاقات بين بلدينا قوية ومتينة ترعاها قيادتي البلدين, وتمثل نموذجا يحتذى في العلاقات بين الدول. ويضاف في أحوال عديدة وصف هذه العلاقات بأنها متميزة .هذه العبارات تتكرر في كل تصريح بغض النظرعن العلاقات الحقيقية بين طرفيها وفيما إذا كانت نموذجا يحتذى أم لم تكن كذلك.فهل علاقتنا بأميركا يمكن لنا أن نحتذي مثلها مع العراق مثلا؟ وهل علاقتنا مع بلغاريا متميزة كما هي مثيلتها مع اليمن مثلا؟. هذا عداك عن الطرفة الشائعة في إن علينا,في كثيرمن الأحيان, فهم عكس ما تصرح به الحكومات والمسألة هنا لها صلة بالثقة التي لم تتوصل أطرافها إلى الحدود الدنيا منها.وقد درجت تصريحات كثيرة على الكذب ,هذا ما اشتهرت به الإدارات الأميركية متاجرة بالقيم الإنسانية بلا مبالاة وبدون اكتراث بانكشاف كذبها وتضليلها بما تصرح به.وما تصريحات ممثلتها في مجلس الأمن على اعتباراليوم الذي رفع الروس والصينيون الفيتو بوجه قرارتدميرسوريا وتهديم كيانها باليوم الأسود!!سوى دليل على ما تعنيه تصريحات أميركا ومجنديها وأتباعها من حماية الشعب السوري.وتكرار التصريحات التبعية لسياسيي فرنسا بتزويد المعارضة بمعدات اتصال وليس أسلحة؟ ويصرحون بذلك لإسماع شعوبنا وليس مواطنيهم لأنهم يستهترون بكل من يدعم أجنبيا ضد وطنه, ولا يضعون رأيه في حساباتهم الامبريالية.
يُشغل الوضع في سوريا حيزا واسعا من المواقف العربية والأجنبية البعيدة منها والقريبة, وشأن الدول الأجنبية في الأزمة السورية ودورها هو الدورالمباشر والأكثرتأثيرا من التحريض والتخويف والتهويل بالتصريحات التي تدعي كلها حرصها على الشعب السوري!! في الوقت الذي فيه تغذي المتمردين وعناصر القاعدة وغيرهم بالمال والسلاح والفبركات الإعلامية وأكاذيبها لإدامة الاقتتال الداخلي وإذكاء الصراع المسلح ورفع صوت قعقعة السلاح والتهديد بالمزيد منه,ومنع أي محاولة للحوار, استنفاذا لقوى سوريا وهدرثرواتها !! ومع هذا التحالف والتكاتف الغربي – الأميركي – التركي- الإسرائيلي يرتفع صوت بعض الدول العربية ويفيض بالتصريحات البغيضة المحرضة على
الاقتتال,والتعبير الخادع عن الخوف من تحول الحالة السورية إلى حرب أهلية وصراع طائفي هادفة من وراء ذلك التذكير بضرورته الذي تتناقله وسائل إعلام تابعة لهم تحرض على الصراع المذهبي علانية ومباشرة ودفع مجنديها على تفعيله في عمليات القتل والترحيل والتهجيرللمواطنين السوريين الذي يتباكون على مصيره .ولم تخف تلك الدول سعيها الحثيث المدفوع من الأجنبي على تحرير عقلها من الخوف الذي يغذيه الغرب من المد الشيعي الإيراني!!وما يحمله ذلك من مخاطرعلى أمن الكيان الصهيوني.
بحجة القضاء على دكتاتوركما أُولعت التصريحات بترديده ليلا نهارا , ذبحت القوى الامبريالية والعربية المتحالفة معها بالتبعية آلاف من أبناء الوطن الأبرياء بما فيهم الأطفال والنساء والشيوخ, ومسخت إرادة التغييرالشعبية للتحرروالاستقلال بقواه الذاتية الحرة. ودمرت البنى والهياكل السياسية والبنى التحتية ونهبت مجسمات تراثه وشواهد حضارته التاريخية العريقة .فأسرت مقدراته البشرية والثرواتية وقتلت كل توجه نحو الاستقلال فأعادت تبعية تلك الدول إلى مخالب الذئب الذي لا تمتلئ له معده ولا تشبع فيه غريزة الجشع والطمع.
عندما تقع القوى الامبريالية في مأزق مصالحها ,كما هو حال أميركا – الكيان الصهيوني في الموقف من القوة الإيرانية المتصاعدة والمؤثرة في المنطقة ,تلتف حول النظم السلطوية التي ابتكرتها وتولت حمايتها عسكريا بكلفة باهظة لتتمول بأموالها وتقاتل بمجنديها وأتباعهم وتشدد من قبضتها على ثرواتهم وتوجه سياسات منظماتهم وتحدد لهم المواقف من بعضهم البعض لا لتمزق ما ترابط من عرى بينهم فحسب, وإنما لتقيم الحواجزالمرتفعة فيما بينهم وتدمر جسورالتواصل بين مواطنيهم وتحرض الكل على الكل .
الحرص على الشعب السوري الذي ملأ ت تصريحاتهم مسامعنا به يجب أن لا تعلو عليه أصوات السلاح والدعم للمسلحين الذين يمتهنون القتل ,ولا للمعارضة لمزيد من تحريضها على إثارة البلبلة والشغب, وإنما كان من الواجب الحث على التفاوض إن لزم وعلى الحواروهو المسلك الطبيعي بين المختلفين وبين المتقاتلين بعد أن يجدوا أنفسهم في مأزق وطني.وكان من الأجدى كذلك حث تركيا على عدم قتل الأكراد وملاحقتهم خارج حدودها في الأرض العربية في العراق والتهديد بالتوغل في الأراضي السورية بحجة دعم المسلحين الأكراد!! وهي من تمون وتمول وتدرب المسلحين السوريين وتدلي بتصريحات غيرلائقة عن سوريا وعن مصيرها ومستقبلها باللهجة العثمانية البالية , وغطرسة القوة الفارغة بانتمائها لحلف الناتو وأميركا والكيان الصهيوني.
تمنينا لو أن الجامعة العربية ,على سبيل المثال قررت الاستفاقة من غفوتها والنهوض من كبوة طال بها الزمن لتجند خبرتها وتسخرما لها من تأثيرمعنوي على أن تعمل على التهدئة وأن تكون الوسيط العادل والحريص على أمن سوريا ومستقبل شعبها علها بذلك كمنظمة أن تستعيد بعضا من مصداقيتها و جزءا من الثقة بقياداتها التي ارتكبت خطيئة بعد أن باركت تدخل الناتولتدميرليبيا ببشاعة يندى لها جبين الشرفاء وتبهج صدورالحاقدين والأغبياء وبحجة قتل الطاغية الذي كان من الممكن الخلاص منه بتضحيات أقل ومباركة شعبية ووطنية أعظم.
استأسدت الجامعة العربية في قراراتها, بدل أن تخجل من تورطها المهين في ليبيا استأسدت في موقفها من الأزمة السورية , وكان من الأفضل لو إنها عمدت إلى مواقف تساعد على حل الأزمة البحرينية المزمنة, وأن تنبه الأتراك (وهي عاجزة عن أن تهددأو تحذر ولو خطابيا) إلى ضرورة عدم اجتيازالحدود العراقية , وتهدئ من الأوضاع المضطربة في السعودية , وبدل أن تقوم بدورها المنوط بها والتزام التشريعات المسيرة لعملها,تجمد عضوية سوريا وتأخذ جانب المواقف الأميركية – الفرنسية – التركية لتكررما يقولون وتهلل لما يفعلون من تدخل مباشر وسافر في الأزمة السورية وتمنحهم الشرعية العربية (شرعية وهمية لأن مصدرها الجامعة العربية ) سعيا وراء شعار أميركا وإسرائيل بإسقاط النظام السوري!!. ولا تقول شيئا عما تعاني منه الدول العربية الأخرى.
ولم تكن لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في السعودية بوادرتصالحية,كاد البعض أن يتوقعها أو دعوات توافقية تساعد التوصل إلى حلول سلمية في الأزمة السورية, فجمدت ,بدلا من ذلك, عضوية سوريا بعد حرمانها المشاركة. قرارمكتوب لن يكون له تاريخ أو ظل تاريخ سياسي, ولكن ستظل الأيدي العربية بالتحديد تمحو ما صبغت به أصابعها من مداده عند خطه دون جدوى.