رحل شهر رمضان ، أيامه خير أيام، و لياليه أجمل ليال، أيام قضيناها وكل أملنا نيل رضى الله عزة و جل ، وليال سهرناها وكل أملنا في قبول الدعوات وغفران الزلات، يحل عيد الفطر المبارك و ما زال الوطن العربي يشهد مرحلة هي الأدق إن لم نقل الأصعب على الاطلاق. فكثير من أقطاره لا زالت ترزح تحت وطأة الحروب والاضطرابات و المظاهرات و الحراكات و الثورات والفقر والمجاعة و الظلم و القهر و الحرمان ، أحداث كثير على صفائح ساخنة.
فلسطين لا تزال ترزح تحت نير الاحتلال الصهيوني البغيض ، و الفلسطينيون من القدس، أو الضفة الغربية، أو قطاع غزة، أو من لاجئي الشتات والمهجر و الداخل ، لا يعرفون العيد كما يعرفه بقية المسلمون والعرب منذ ستين سنة و نيف ، جدار ومستوطنات تتمدد كالسرطان في الضفة الغربية ، وآلاف الأسرى والأسيرات في المعتقلات و السجون ، وجنود على الحواجز يحطون من كرامة الصغير قبل الكبير ،هناك وجع في القلب وغصة في الحلق من منظر المستوطنين يسرحون ويمرحون ويعيثون في الأرض فساداً ، ومنظر دوريات الاحتلال تجوب شوارع الوطن السليب ، والنتيجة الحتمية هي قتل فرحة العيد في فلسطين بألوان وأشكال شتى ، تقتل فرحة العيد فيهم و فينا .
في قطاع غزة حصار وتجويع وتهديد ووعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور لمجرد أنهم عشقوا الأرض و الدين ، كل عام وأنتم بخير أهل غزة ، وتقبل الله صيامكم وقيامكم ، في هذا العيد يحاول الغزاويون نسيان أو تناسي مأساتهم ومعاناتهم وتجاهل واقعهم المؤلم، وينصرفون للاحتفال بالعيد رغم أن العين بصيرة واليد قصيرة، في ظل ما يشهدون من فقر وحرمان ومعاناة. الا أنهم قد يفرحون هذا العيد لعل الرئيس المصري الجديد يخفف من هموهمم و مشكلاتهم، و يفتح معبرهم اليتيم .
أما العراق فما زال بعد الراحل العظبم جريحاً و في أحيان كثير طائفي ، فما زالت التفجيرات تهز الكثير من المدن العراقية ، و ما زال العراق العظيم يعاني من سفك المزيد من الدماء الزكية . لقد كثر زوار المقابر من العراقيين الذين يذهبون لزيارة اضرحة اعزائهم ورش قبورهم بالماء وإشعال الشموع والبخور وقراءة القران والأدعية ، وهو طقوس يمارسها العراقيون في العيد ، و تقليد توارثوه ليعبر عن الوفاء للراحلين ، مع حلول هذا العيد تبقى أمنية الكبار بجانب أحلام الصغار ، هي تحقيق الأمن والاستقرار والعيش الرغيد من صروف الدهر وتقلباته .
أما في سوريا الحبيبة فلم يعد العيد ذات العيد ، فعنوان هذا العيد فيها المزيد من القتل و سفك الدماء والنزوح و التهجير ، اليوم المدن السورية في احزن أعيادها، لم يتبقى لدى السوريين وقت لكى يطيروا فرحاً بالقبول والعتق من النيران. من الواجب علينا أن نزجي بطاقة معايدة حمراء إلى مجرمي و سفاحي سوريا مكتوب عليها على الوجه الأول قوله تعالى :( وَلا تحسبَن اللهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظالِمُونَ إنّمَا يُؤَخِرُهُمْ لِيَوْمٍ تَخشَعُ فِيهِ الأبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ الَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأفْئِدَتُهُمْ هَوَاء)..ومكتوب على الوجه الآخر قوله تعالى ( وَسَيَعْلَمُ الظالِمُونَ أيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) . وبطاقة معايدة للشعب السوري الذي يقاوم التسلط و القهر مسطر عليها صبرا آل ياسر .. سيأتي يوم النصر والخلاص وستكونون أنتم الأعلون. أنتم الباقون و هم الخاسرون.
تعيش كل من تونس ومصروليبيا و اليمن في هذا العيد مرحلة من الترقب بعد ما عصف في البلاد من أحداث، مما يجعل العيد بلا لون ولا نكهة، وان حاول البعض عنوةً التغلب على همّه وعمل على تأمين مستلزمات العيد، علّه في ذلك يعيش فرحةً أفسدها عليه الدهر. أتمنى أن يأتي العيد و قد زالت الأحقاد والضغائن ومسلسل الكراهية والشحناء من القلوب في ظل الأمن والإستقرار ورغد العيش الكريم، راجياً من الجميع الإنصراف إلى معركة البناء و التحديث و التطوير التي حالت دونها أنظمة فاسدة و مفسدة.
وفي النهاية عيد مبارك للجميع راجياً الصحة والسعادة والعيش الرغيد لكم أيها العرب في ظل أنظمة ديمقراطية حقيقية تحترم إنسانية المواطن وتحفظ له كرامته, و أما الطغاة المستأثرين بالثروات الظالمين من الحكام فالله أسأل أن لا يأتي عليهم العيد القادم إلا وهم مشردين فقراء في أصقاع الأرض أو جثث هامدة في القبور ينخرها ويقتاتها الدود ... آمين.