تستطيع سوريا أن تطلب من إيران المساعدة، وأن تشكو لها المخاوف التي تعتريها، فمن بين الأسباب الكثيرة التي هي سبب معاناة السوريين، بدءا من حكم ديكتاتوري أذل الحجر والبشر، وصولا إلى «التمترس» خلف وهم بأن الإرهابيين يريدون الوصول إلى النظام، تشكل إيران سببا أساسيا، فإصرار النظام السوري على التمسك بتحالفه الاستراتيجي مع دولة تعتبر الإرهاب سياسة، والتدخل في الشؤون العربية حقا له ثمنه وإن كان، للأسف، جاء على حساب الشعب السوري وسوريا الأرض والوطن.
لكن، وصول رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي، إلى لبنان يوم الاثنين الماضي، بدا كمن ينعي النظام السوري وأن إيران تريد أن تحتل مكان ذلك النظام في لبنان. زيارة ضريح عماد مغنية وليس نصب الشهداء، وقوله، كمن يريد الاستماع لصدى صوته: إن لبنان تحول اليوم إلى نجم ونموذج يحتذى في مجال المقاومة على المستوى الإقليمي وعلى مستوى العالم بأسره، والإنجازات الكبرى التي تحققت في لبنان ببركة المقاومة البطلة، وقد يكون من بين هذه الإنجازات قطع طريق مطار بيروت الدولي احتجاجا على انقطاع الكهرباء، لمنع السياح من المجيء إلى لبنان حيث تصر إيران على تزويده بها، لتثبيت موطئ قدم لها، يساعد قاطعي الطرقات «المياومون» الذين ربطوا بالسلاسل الحديدية بوابة مبنى شركة الكهرباء على طريق النهر.
أيضا، أدان جليلي خطف «الزوار» الإيرانيين في دمشق واصفا العمل بـ«المشين». وبينما كان السيد حسن نصر الله الأمين العام لـ«حزب الله» يشرح كيف أن الحزب مع الدولة ضد المعرقلين والفاسدين، إذا بصدى كلمات جليلي عن الخاطفين، يترجم بقطع طريق المطار مرة جديدة، هذه المرة من أجل المخطوفين اللبنانيين في سوريا، مع التهديد بنصب الخيم وإحراق الدواليب.
يوم الاثنين الماضي، كانت «الجرعة» كبيرة على أغلبية اللبنانيين: السيد نصر الله بخطاب طويل عن أهمية سلاح المقاومة ولبنان المقاوم، وجليلي وقوله: «الشعب اللبناني العزيز والحكومة اللبنانية يعرفان أكثر من أي طرف آخر كيف لهم أن يحتفظوا بهذه الجوهرة الناصعة».
من يدعم من هنا؟ جليلي أم نصر الله؟ والمراهنة من قبل الاثنين هي على لبنان. قال نصر الله إن الحزب لا يريد أن يسيطر على كل لبنان، لكن «هبوط» جليلي المسؤول الأمني الإيراني في ذلك اليوم كان ليحمل النظام الإيراني ليحل محل النظام السوري في لبنان. لكن، غاب عن باله المصير الذي وصلت إليه سوريا بسبب لبنان. كانت سوريا في لبنان تماما مثل شمشون الذي هد جدران الهيكل بشعره، لكن، بعد انسحابها من لبنان، تهاوى دورها وانهارت قوتها، فقد «قصت دليلة شعر شمشون». وهذا ما سيحل بإيران، فالتمسك بلبنان بداعي المقاومة ودعم المقاومة لن يفيد. وما حل بسوريا سيحل بإيران. كم «شمشون» مر على لبنان، قصت لهم «دليلة» شعورهم، كلهم انتهوا وبقي لبنان.
لن تكون إيران أو سوريا أقوى، إنما المثير للسخرية أن بعض السياسيين الذين كانوا يستقبلون «ممثلي» النظام السوري يستقبلون اليوم «ممثلي» النظام الإيراني للتواطؤ على لبنان ولن يغفر التاريخ للسياسي اللبناني زاهر الخطيب، قوله على شاشة «الإخبارية» السورية مساء الأحد الماضي، وهو يشير إلى ممثل سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري: «مندوبنا»، وكأن الخطيب تنازل عن لبنانيته لإرضاء السوريين.
ونعود إلى الخوف السوري الذي نقله وزير الخارجية وليد المعلم إلى طهران في التاسع والعشرين من الشهر الماضي، حيث كشف للمسؤولين هناك عن مخاوف سوريا من احتمال قيام تركيا بغزو عسكري للأراضي السورية، مستغلة الحالات الإنسانية، أو التوتر الكردي، لإقامة «ملاذات» آمنة. قال المعلم إن عناصر من الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبأمر من رئيس الحزب مسعود بارزاني، دخلت 4 قرى كردية في منطقة القامشلي السورية، واشتبكت مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي.. هذا الأمر قد يدفع تركيا للدخول إلى سوريا. كما أبلغ المعلم المسؤولين الإيرانيين أن دمشق تأخذ على محمل الجد تهديدات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، خصوصا أنها تتزامن مع اتصالات وتحركات إقليمية ودولية لدفع أنقرة للقيام بعمل ما، وهذه كلها تأتي مع نشر قوات ومعدات عسكرية تركية لم يسبق لها مثيل، والقيام بمناورات على الحدود. وعبر المعلم عن مخاوف قيادته من أن التهديد التركي حقيقي، وبأن العمل العسكري وشيك، ولهذا، طلب من طهران ممارسة الضغوط على أنقرة لمنعها من أي تحرك عسكري ضد الأراضي السورية.
من جانبه، قلل الطرف الإيراني من «الهواجس» السورية، وأبلغ المعلم أن التهديدات التركية «للاستهلاك المحلي»، ونتيجة لأزمة داخلية يعيشها أردوغان، ثم إن الأوضاع الاثنية والمذهبية عنده قد تنفجر في وجهه، إذا ما اقتحمت قواته الأراضي السورية، خصوصا أن التوتر السني – العلوي يزداد تأججا في تركيا.
حاول المعلم إقناع طهران بنشر قوات إيرانية على الحدود التركية. لكن المسؤولين الإيرانيين وعدوه بأن الضغوط ستكون سياسية واقتصادية.
وحسب معلومات موثوقة، ترفض إيران نشر قوات عسكرية على حدودها مع تركيا، لأن التنسيق الأمني بين أجهزتها والأجهزة التركية قائم وعميق على طول الحدود المشتركة بينهما لمواجهة العدو المشترك، أي أكراد الطرفين.
ما اتفق عليه المعلم في طهران كان التحرك لدى العراق للضغط على بارزاني لوقف نشاط حزبه في المناطق الكردية السورية، ولهذا سافر من طهران مباشرة إلى بغداد. وحسب معلومات موثوقة، استغل استياء نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي من تحركات وتدخل بارزاني في الشأن السوري. وكان المالكي اصطدم مع وزير خارجيته هوشيار زيباري (كردي) الذي انتقد في إحدى المقابلات التلفزيونية بشار الأسد شخصيا وانتقد النظام السوري، الأمر الذي دفع المالكي لمنع زيباري من حضور جلسات مجلس الوزراء، لأنه خالف خط حكومة المالكي الداعم للنظام السوري.
لقد وعدت طهران الوزير المعلم بأن تتحرك وبسرعة لعقد اجتماع إقليمي حول سوريا ويمكن أن يتوسع ليشمل روسيا والصين وأفغانستان وباكستان، وحددت اليوم الخميس، التاسع من أغسطس (آب) موعدا لهذا المؤتمر.
كما وعدت طهران المعلم بأنها مستمرة في مساعيها لدعوة المعارضة السورية للحوار مع الحكومة. وكأن إيران تبحث عن توازن ولو متأخرا، بعد انحيازها الكامل لدعم النظام السوري.
التزمت إيران ببعض وعودها، فإثر مغادرة المعلم وصل مساعد وزير الخارجية التركي لشؤون الشرق الأوسط خالد تشويك، الذي التقى علي أكبر صالحي وزير الخارجية الإيراني وتركزت مباحثاتهما على الوضع السوري.
وقد يكون ما نشرته الصحف التابعة لـ«الحرس الثوري» عكس نتيجة تلك المباحثات، إذ قالت إحداها، إن إيران وجهت تهديدا لتركيا بأن أي تدخل عسكري سيواجه برد إيراني قاطع، لأن طهران سوف تلتزم بالاتفاقيات الدفاعية الموقعة بين إيران وسوريا وهما اتفاقية دفاعية بحرية (2006) واتفاقية دفاعية جوية (2009).
وحسب مصدر إيراني شارك في المحادثات السورية، فإن هناك حالة من الهلع والخوف لدى المسؤولين السوريين من احتمال دخول قوات تركية إلى الأراضي السورية.
يبقى أن نشير إلى أنه كان الأجدر بالخارجية الإيرانية أن تتذكر تصريح وزيرها في الثالث من الشهر الحالي حيث قال: «الأوضاع في سوريا عادية وهادئة ولا مشاكل أمام الرعايا الإيرانيين».
وتجدر الملاحظة هنا إلى أنه وأمين عام «حزب الله» أصرا يوم الاثنين الماضي على تحديد لبنان بفعل «المقاومة» وتبعاتها، وجليلي يقول: «إن أصدقاءنا في حماس.. ما هم إلا امتداد طبيعي لحركة المقاومة والممانعة في لبنان»، وحيث إن الاثنين يزيدان من الظلمة في النفق أمام اللبنانيين، كان العالم يحتفل بهبوط المسبار «كوريوزيتي» على سطح المريخ، الذي أشرف على المشروع المنطلق من الأرض إلى الفضاء الواسع، كان الأميركي اللبناني الدكتور تشارلز العشي.. لقد رفض الدخول في النفق.