المـكـيافـللـيـة الـحـيـة

mainThumb

27-07-2012 03:54 AM

 قبل أكثر من خمسة قرون خلت,وضع نيقولو مكيافللي كتابه بعنوان  الأمير الذي حقق شهرة لا تُضاهى في مؤلفات العلوم السياسية ومخطوطاتها منذ صدوره وحتى يومنا هذا, وربما إلى فترة قادمة طويلة , ولم تتحقق نبوءة زوال  الدولة  المتكون من السلطات الرئيسة الثلاث الممثلة بالسلطة القضائية , والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية, التي نادى بها الشيوعيون ويعمل الفوضويون (الأناركيون) على إزالة المكون الحكومي منها أو تحديد صلاحياتها بقيود شديدة لا تتجاوز مهماتها الإشراف على استتباب الأمن وبعض الخدمات الأخرى وحماية حدودالوطن وسلامة أراضيه. وهذا يمدد صلاحية الفكرالسياسي الذي جاء به كتاب الأمير, الذي  طالما واجه انتقادات في وسائله ( الغاية تبررالوسيلة ) وطعن في أخلاقيات طروحاته ( يرى فرنسيس بيكون أن مكيافللي يتناول الأشخاص كما هم , لاكما يجب أنْ يكونوا) التي ينصح بها الزعماء من أجل الحفاظ على السلطة التي ما زالت تداعب أحلام العقائديين من مختلف الاتجاهات والادعاءات,والسياسيين وأصحاب الأموال الذين يجازفون بكل ما لديهم متمسكين   بها مؤجلين مراحل فقدانها إلى أطول فترة ممكنة.

 
كان البعض يعتبرالصحافة والإعلام سلطة رابعة, إلا أن ما يمكن لبعض أطراف هذه الفعالية   أن تقوم به من خداع مبتدع للصوروالوقائع ونفاق للسلطان والحكام وأصحاب المال والجاه ,وتضليل الرأي العام وتحريف الحقائق وتجميل القبيح من المجتمع وتقبيح منابع الجمال فيه ومصادره ,تعلن انتصارالجريمة وهزيمة الوطنية منتشية بأكاذيب محكمة الصياغة ,أفقدها مكانتها كمصدريمكن الوثوق به للمعلومة ومحفز على التثقف كانت يمكن أن تكون مستحقة لها. كان الحكماء والعقلاء منا والمتنورون والوطنيون كذلك, في ما مضى يحذروننا من خبث إذاعة  لندن ومكرإذاعة الشرق الأدنى ودسائس إذاعة (إسرائيل) وغيرها من الصحف والمجلات التي كان هدفها الأساس تلويث سمعة القادة الوطنيين وبث تعليقات محبطة للمشاعر الوطنية وأكاذيب خبيثة تساهم في فرقة العرب وتشحن النفوس بالضغائن وتغذي الخلافات وتعمقها وتفبرك الأخباروتلفقها.ومن تجربتنا اليوم في الفضائيات كما في الصحف والإذاعات,نستاء من محطات وغيرها عديدة لم نكن نتوقع أسوأ مما تقوم به من إثارة   للعصبيات الطائفية والنعرات الإقليمية وإعادة صياغة مفردات الوطنية على اعتبارإن أميركا والغرب أصدقاءنا ومناصري ثوراتنا وجيوشهم في خدمة قضايانا,ورهن إشارة (جامعتنا  العربية , وحكومات تعجزعن حماية نفسها والدفاع عن الوطن) ,وجعلت من الثورة إثارة ومن حركة حرب التحريرالوطنية حكومة انقلابية ترى في السلطة نهاية مطاف أحلامها وأمانيها.
 
يخوض إعلام اليوم في محطتي الجزيرة والعربية والبريطانية والفرنسية والألمانية عدا عن المحطات الفضائية الأميركية وغيرها حروبا افتراضية ضد سوريا سبقوها إلى ليبيا, بفبركة الأخبارالكاذبة وتضخيم الأحداث العادية ومحاكاة مواقع وأماكن وهمية وافتعال معارك بضحايا وقائع مسروقة من تواريخ أحداث سابقة في أماكن غيرسورية ,وأصبحت الأدوات السينمائية ومصوراتها مسخرة لمواءمة نشرة إخبارية مضللة ,وتعبر عنعداء لسوريا عزمثيله حتى إذا قورن بالحملة المشابهة على العراق وما آلت إليه أحواله حتى اللحظة والحملة على عبد    الناصرومصرمنذ أكثر من نصف قرن.والتباهي والتنافس بينها لم يعد في كسب المشاهد المستمع القارئ من خلال دقة الخبر ومصداقية الحدث,بل حجوم الكذب والافتراء وفي إثارة الصورالمخترعة للعواطف ومهارة الخداع الذي تتولى إيهام الناس به وتضخيم تصريحات ساسة (أميركا وبريطانيا وفرنسا !!). وهي بذلك تؤكد صلاح عبارة الغاية تبررالوسيلة  المدرجة كاتهام لفكركتاب الأمير بتطبيق, دقيق لم يحلم بمثله مكيافللي.
 
 إن أي سلطة مهما كانت ضرورية ولازمة في النظم العامة أو المنظمات الخاصة أوالمنظمات الإقليمية أوالدولية تقفد منظومة القيم التي من المفترض انتماءها إليها تفقد شرعيتها,وتذهب بحصانتها أدراج الرياح .
 
فقد حولت قوى الإمبريالية النازعة لسلطان الإمبراطورية الأمم المتحدة من سلطة تستخدم من أجل السلام والخيرالإنساني , إلى سلطة شرورتدعم الاحتلال والتدمير والتجويع والحروب    الظالمة التي تديرها قوى الإمبريالية, فيما استزلمت  الجامعة العربية (ببعض مكوناتها )  على ضرب أنظمتها القانونية بتوحيد المواقف العربية إلى أداة استدعاء الاحتلال معبرة عن  الحقد الدفين على فكر التحرر والتقدم والترقي, والتبعية والنوازع الطائفية.
 
 
يتساءل البعض عما إذا كان هناك من زعيم لم يقرأ كتاب الأمير,ويتساءل آخرون كم من    هؤلاء لا يحتفظ  به في غرفة نومه يكرر الدرس كل ليلة قبل النوم لأن في مادته ما يتفق مع أهدافهم وأغراضهم. وهكذا بعد أن كان الكتاب ( كتاب الأمير) في الماضي ملعونا وتم حرقه وحرق كل مؤلفات مكيافللي,أصبح الكتاب مشهورا من قبل المؤرخين وعلماء السياسة,وعده البعض أحد مؤسسي طريقة التحليل التاريخي الحديثة فيما رأى البعض مكيافللي مؤسس علم السياسة الحديث , وأصبح مرجعية دائمة لكثيرمن السياسيين والزعماء والقادة من الحزبيين وغيرهم.
 
ولا يفوتنا أن نشير إلى إنه في هذا الكتاب يفرق مؤلفه بين دراسة السياسة ودراسة الشؤون الأخلاقية ويؤكد على عدم وجود أي رابط بينهما . 
 
نستخلص ذلك بسهولة من ممارسة السياسات الأميركية والغربية في شتى أنحاء العالم بشكل   عام وفي منطقتنا العربية بشكل خاص ,حيث تقع المصلحة في مقدمة كل الممارسات فلا  يوقف وسائل الحصول عليها نوع الوسيلة أو أداتها أو موقعها من أو انتسبها إلى القيم الخلقية أوالإنسانية. وفي كثير من الأنظمة نلحظ في تعاملنا اليومي المصانعة والرياء والخداع  والإرضاء بالرشاء والشراء بشكل كامل الوضوح متكررالحدوث علانية ودون خجل.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد