أخطاء متراكمة في تراثنا السياسي الحديث

mainThumb

22-07-2012 11:05 PM

 إذا جاز لنا اعتماد بداية حقبة الخمسينيات من القرن الماضي تاريخا لحركة التحررالعربي,   حيث كانت ثورة 23 يوليو في مصر تمثل مرحلة جديدة كان من أسمى معانيها أن أصبح حكام مصرمن أبنائها المصريين. وكانت ومعها كل التيارات القومية واتجاهاتها هدفا للغرب وقواه وأعوانه على اعتبار إنها تشكل الخطرالمباشرعلى المصالح الغربية وهوموقف تؤكده تلك   القوى الاستعمارية يوما بعد آخرمنذ غدرت بأهداف الثورة العربية الكبرى الوحدوية التي  حررت الإرادة العربية من إرث العثمانيين المتخلف, في  منتصف العقد الثاني من القرن الماضي.

 
أسهمت الثورة في مصربعد أن تلمست الأهمية الجيو- سياسية لارتباط الجغرافيا العربية  بروابط تراثية وثقافية ولغوية وإيمانية ,وأدركت ما للمشاعرالقومية من دورأساسي في بناء الدولة الحديثة في تلك المرحلة من الزمن الذي ضاقت صدورالشعوب فيه من تحكم القوى الإمبريالية في شؤون الأمم الداخلية وفي نهب ثرواتها وتفتيت أجزاءها عبرالسياسات الاستعمارية ومنظريها الذين كشفت آراؤهم عن أن هناك في المنطقة العربية بالتحديد  دولا افتراضية  أي يمكن أن تندثر أمام أي وضع تجد القوى الامبريالية إن لها فيه مصلحة.
 
الأحزاب القائمة والفاعلة في الحياة السياسية العربية العامة , في غالبها أحزاب عقائدية ( أي ترى نفسها المؤهلة للحكم فكرا وقدرة وقوة عقائدية ),قومية بطروحات مختلفة, دينية   بشروحات مختلفة,أممية تتنافس فيما بين رؤاها الشيوعية والماركسية ,وحركات وطنية تطفو مرحلة وتأفل في مرحلة أخرى وتذهب إلى غيرعودة في غالب الأحيان.مرت جميعها في تجارب سياسية في الحكم وفي المعارضة وفي صراعها فيما بينها وعانى أعضاؤها في السجون والمعتقلات دون استثناء.
 
أنْ نتعلم من تجاربنا فتلك فضيلة العقلانية والتحضر, وأنْ لا نفعل فتلك هي نتائج الاصطفائية  التي خدعنا أنفسنا بامتهانها مرجعية - ثابتة - لسلوكنا الفكري والسياسي, ولم يقتصرالأمرعلينا نحن عامة الشعب بل وقع في هذا المطب الوعرمثقفونا الذين أخذت    النخبوية رديف الاصطفائية في المآل تداعب أحلامهم وتصنع آمالهم, فظن الواحد منهم    نفسه على صواب دائم ,وإنه الأحق بالقيادة والأولى بهذا المنصب أو ذاك , وإنه بحاجة إلى  رعية ومريدين وأتباع ,وإنه النائب والوزير.. ومما يعظم من الفجوة التي تعيق تقدمنا, أنْ   يصبح المديرأو الوزيرأوالنائب أستاذ ثقافة ومنظرا في الفكر والمعرفة...... فأهملنا المعرفة  بحقائق الأمور(المعرفة نتاج العلم والخبرة) وشواهد العصور في التغيروالتطوروالترقي وهكذا بقينا على حالنا ندورفي حلقات مفرغة نسمع صدى أصواتنا في إعلام تائه الأهداف, نتمسك بثوابت نفاخربإنها غيرقابلة للتغيير,في حين إن الزمن يتغيرلحظيا ويداهم أسباب وجودناوأدوات حيواتنا , ووسائل معاشنا, ومنابع أفكارنا أو يتركها أوأيا منها وشأنه .نتبين هذا بوضوح  وجلاء في دلالات المصطلحات التي ما زلنا نستخدمها على حالها القديم في قولنا أو نخطها بقلمنا إو عبرطابعة الحاسوب أو ماكينة الطباعة,وفي معانيها وفي مضامينها وقد تبدلت وشهدت حالات عديدة من التغييرفي المعنى وفي الدلالة.والأمثلة على ذلك كثيرة نختار من أهمها : 
 
الشعب : الشعب في أي مجتمع أفراد وجماعات متعددة الولاءات السياسية والانتماءات الدينية والقومية ,تتنوع ثقافة أبنائه وأمزجتهم ومستويات تعليمهم ومجالات اختصاصهم .. ومع ذلك     ما زال السياسيون والنخب الثقافية والفكرية يضعون الشعب تحت وصايتهم,فهم يعبرون عن رأيه ويسعون لتحقيق أهدافه,وهم  يحمكون  باختيار الشعب لهم إنْ كانت نسبة التصويت لهم 51% مما نسبته 50% أو أقل ممن يحق لهم التصويت, فإنهم بذلك إنما يحكمون استنادا للدستوروالقانون وليس لأن  الشعب  اختارهم من بين منافسين, والنائب الذي يتم انتخابه في دائرته الضيقة يدعي إنه ممثل للشعب وهو في الواقع العملي والمهني يمثل ناخبيه فقط. أي إن تمثيل الشعب لا يمكن  أن يتم اختزاله بانتخاب رئيس أو نائب أومدير, أواحتوائه بصياغات أيدولوجية نخبوية تسيرمبادئها باتجاهات لا تتماهى مع مسارات الزمن وما ينتج عنها من تحولات في المفاهيم  وفي معاني المصطلحات ومضامينها.لأن رؤيةالذات في تمثيل الجميع تهوي بالفرد إلى التفرد والركون إلى هوى النفس ومرادها فتفاجئه الأحداث وتربكه الوقائع العامة,وفيه تجاهل لتطور الفكرالسياسي والسمات الأخلاقية للديمقراطية.
 
الديمقراطية : لو كان للديمقراطية أذان تسمع لهامت بوجهها في صحارى لا نهاية للمطاف بها, إذ أصبح استخدامها ملاذا للمنافقين لإخفاء النوايا التعسفية والقسرية ,والمفاهيم العشوائية  المرافقة للقيم الديمقراطية, فالقادة هم القادة أنفسهم للأحزاب النخبوية والحركات النخبوية والتيارات السياسية العقائدية,يتداورون المراكز القيادية بإجراء الانتخابات الشكلية, كل   يمارسها على هواه لتظل النخب في مواقعها, ويظل الحال يتراوح بين صقوروحمائم كل يدعي تمثيل الإرادة الشعبية.
 
الإرادة الشعبية : في حين عجزت العلوم السياسية وعلماء الاجتماع عن الاتفاق على توصيف ما تعنيه الإرادة الشعبية, وشروط وظروف المجتمع التي تتيح الاعتماد على معانيها في التعبير عن الرغبة المحددة لقضية واحدة تشغل حيزا واضح المعالم من القضايا العامة في المجتمع,عدا عن الاختلاف حول كيفية قياس الإرادة الشعبية , ومصداقية هذه الوسائل في التعبيرعنها يُصرالسياسيون والعقائديون والمثقفون والمحللون والكتاب الصحفيون في الادعاء الواهم بأنهم يجسدون تلك الإرادة ويصممون أشكالها ويندفعون في نضالهم  بقواها. في المجتمعات الديمقراطية لا يتحدث أحد باسم الشعب ونيابة عنه,بل إلى الشعب بمختلف مكوناته, وإن الأعراف الدبلوماسية تختلف عن الأعراف الديمقراطية في توظيف الرأي العام وتصنيفه. 
 
الرأي العام : تؤخذ نتائج تحليل آراء مجموعة مختارة إحصائيا , وتدرس مواقفهم من قضية ما  ثم تصاغ الاستنتاجات التي غالبا ما تأتي النتائج العملية مخالفة لها تماما , ومع ذلك ما زالت    تؤخذ نتائجها في حسابات السياسيين الأغرارفي التحليل القبْلي للوقائع العملية , وينحاز إليها الحكام والساسة الباحثون عن أي ذريعة يتوهمون إنها تؤيد مواقفهم وتدعم توجهاتهم السياسية. 
 
المعارضة : لا يتوقع أحد في مجتمع يلوك ساسته ومثقفوه الأحاديث عن الديمقراطية كما يريدونها لأنفسهم ولخدمة معتقداتهم السياسية فحسب أن يرى تمييزا, ولو بحدود ضيقة بين ما تعنيه المعارضة  من مناهج تعامل تنافسية في السياسة والاقتصاد وغيرها , وأساليب تعاط   في المواقف الوطنية وأصول تعامل في رهانات القضايا العامة وشؤونها , وبين ما يتضح إنه      اعتراض يأخذ صفة الاعتراض الدائم على كل ما للخصوم أو منهم رأيا أو موقفا ليس لما  فيه من عيوب أو نواقص, بل لأن العقائد السياسية المختلفة والمرتهنة  لأيدولوجيات متناقضة لا  تقبل الواحدة منهما الأخرى , ويتركزمسعى كل منها على التشهيربغيرها تمهيدا للإطاحة بها والإحلال مكانها بأي وسيلة , دون نسيان التحدث عن الديمقراطية وأخلاقياتها . والمعارضة  التي تمثل إحدى الوظائف المعبرة عن بنية ديمقراطية سليمة,تستهدف التنبيه إلى المناهج    الأكثر فائدة إلى الوطن وتخدم كما أكبر من المواطنين ومراقبة أداء المؤسسات وسلوكها كي لا تقع في براثن الفساد , ويأخذ هذا الهدف نبله بإظهار الحالة التنافسية بين الفكروبين العمل  الرقابي والاستنسابي, وبين الحالة وبين ظروفها,في الوقت الذي يركز المعترضون على خدمة فكرهم وعلى تحقيق مكاسب آنية ذاتية يعزونها إلى ويدعون فيها خدمة لقضية عامة. المعارضون يرحبون بالحوارويسعون إليه دون شروط  وفرض أجندات خاصة بهم وبتنظيمهم فهم ذوو قرارمستقل , والمعترضون يسلكون أسلوب إما- أو العقيم,وهم لذلك يخشون الحوارويرفضونه بحجج واهية لأن فيه انكشاف نواياهم الذاتية والمنفعة الخاصة بما تحققه من مكاسب لهم و بأساليب ملتوية يسمونها أحينا الثورة,وقسم منهم يصبح فريسة سهلة  لمن يُسيرهم ويملي عليهم ما يفعلون أو يقولون مقابل الثمن.
 
الثورة : هنا تقع( المعجزة !) التي طالما تمناها أعداؤنا,وهي في الحقيقة كارثة عندما نقوم عنهم بتدميرالوطن وثرواته وقواته المسلحه وأمن مواطنيه ,كما يحدث في سوريا,أو أن نستعين بقواتهم عن طريق الجامعة العربية لكي يقوموا بالمهمة ويظفرون بالغنيمة كما في ليبيا. من    كان يحلم إن أميركا والغرب يدعمون ثورة شعب!! ,فكيف تسيرالأحداث التحررية هذه إذا كان وطن الثورة مجاورللكيان الصهيوني؟؟!!. ولا يقل الأمرغرابة عندما تنشط قوى تعادي الديمقراطية وتسبها وتكفر أصحابها, وتهمل شعبها وترعبه إلى داعمي مسلحين لحماية للشعب من حكامه؟؟!!!.
 
الخطيئة التاريخية تتعاظم موبقاتها عندما نبررالوقوع بها,ونـُنَظِر لاستمرارها,وإذا لم نتعلم من دروس الحاضرالشاخصة أمامنا وتمس حياتنا مباشرة ,فأي علم يمكن لنا أن نتقن؟؟!.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد