كان لافتا ان بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل لم يكن بين مهنئي الدكتور محمد مرسي رئيس مصر الجديد، بينما جاءت تهنئة باراك اوباما الرئيس الامريكي متأخرة بعض الشيء، وكذلك حال تهنئة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز.
تأمل ردود فعل هذا المثلث الامريكي ـ الاسرائيلي ـ السعودي لوصول رئيس اسلامي الى قمة السلطة في قاهرة المعز، يمكن ان يحدد ملامح المرحلة الجديدة، ليس في مصر، وانما في منطقة الشرق الأوسط بأكملها.
الاسرائيليون هم الاكثر قلقا دون شك، لان سلامهم البارد مع الدولة العربية الاكبر الذي اعطاهم 34 عاما من الامن والاستقرار (عمر اسرائيل 64 عاما فقط) مرشح لكي يتحول ليس الى صقيع، وانما الى حرب باردة، قد تسخن بشكل تدريجي مع ترسخ اسس التحول الجديد بقيادة اول رئيس اسلامي ينتخب عبر صناديق الاقتراع في تاريخ مصر، الذي يمتد لأكثر من ثمانية آلاف عام.
محور القلق الاسرائيلي هو مصير اتفاقات كامب ديفيد والتنسيق الامني المتفرّع عنها، واحتمال التغيير في قمة الجهاز الأمني المصري، ووصول رئيس استخبارات اسلامي محل الجنرال مراد موافي، الذي حلّ محل اللواء عمر سليمان صديق اسرائيل الوفي.
الدكتور مرسي طمأن الامريكان والاسرائيليين بقوله في خطابه الاول بأنه سيحترم المعاهدات الدولية، دون ان يذكر معاهدة كامب ديفيد بالاسم، ولكننا لا نستبعد ان يعمل على تعديل الكثير من بنود هذه المعاهدة.
" " "
واذا وضعنا في اعتبارنا ان الدكتور مرسي كان مدير اللجنة الوطنية المصرية لمناهضة الصهيونية، فإننا لا نملك الا ان نأخذ بما نقلته عنه وكالة فارس الايرانية، بالعمل على تعديل المعاهدة، بل ربما الغاءها في وقت لاحق، اذا ما نجح في تثبيت اقدامه ينسجم مع مواقفه ومواقف حركة الاخوان المسلمين.
الاسرائيليون يتمنون استمرار التنسيق الامني مع المخابرات المصرية والمجلس العسكري المصري الحاكم الفعلي للبلاد، ولكن هذه الأمنيات قد تتبخر في حال تولي شخصية اسلامية قيادة جهاز المخابرات. مما سيؤدي لادخال هذا التنسيق غرفة العناية المركزة قبل دفنه نهائيا.
من المؤكد ان تعديل او الغاء معاهدة كامب ديفيد ليس من اولويات الدكتور مرسي وحكومته، والشيء نفسه يقال عن المواجهة مع المجلس العسكري، فالاقتصاد هو التحدي الحقيقي الذي سيتصدر سلّم الأولويات، بما في ذلك ايجاد وظائف لأكثر من عشرة ملايين عاطل عن العمل تقريبا.
هناك نظرية في الغرب، ابو الرأسمالية العالمية وامها، تقول ان البورصات المالية هي مقياس الاستقرار في البلاد والمؤشر الحقيقي لمستقبلها الاقتصادي، واذا صحّت هذه النظرية، فإن المستقبل قد يكون مشرقا للدكتور مرسي، فقد ارتفعت الاسهم في البورصة المصرية وبعد يوم واحد من فوز مرسي بأكثر من ستة في المئة، المعدل الاعلى المسموح به، وجرى بعدها وقف التعاملات.
الدكتور مرسي يتربع على عرش خزينة خاوية بعد عام ونصف العام تقريبا من مقاطعة مالية عربية وغربية على حد سواء، والدكتور الجنزوري رئيس الوزراء الحالي قدّر حاجات مصر الملحة من الاموال في حدود 15 مليار دولار، والسؤال هو من اين ستأتي هذه الاموال؟
المملكة العربية السعودية الدولة العربية الاغنى، لا تكن ودّا للاخوان المسلمين، ولم يتورع الامير نايف بن عبد العزيز ولي العهد الراحل عن وصفهم بأنهم اساس البلاء، اما دولة الامارات العربية المتحدة فتختلف مع شقيقتها الخليجية الكبرى في كل شيء تقريبا، باستثناء مشاركتها العداء نفسه، والفريق ضاحي خلفان تميم قائد شرطة دبي يواصل حربه الضروس على "التويتر" ضدهم، ومن هنا فإن وقوف الدولتين الى جانب حكومة الدكتور مرسي ماليا يبدو غير متوقع، ان لم يكن مستحيلا.
العداء الخليجي ربما يكون السبب وراء التصريح الذي ادلى به رئيس مصر الجديد الى وكالة انباء "فارس" الايرانية، وقال فيه انه سيسعى الى اقامة علاقات طبيعية مع ايران، الامر الذي ازعج دولا خليجية ترى فيها العدو الاخطر من اسرائيل.
ويصعب علينا ان نفهم هذا الانزعاج من اي تقارب مصري ـ ايراني، فجميع الدول الخليجية تقيم علاقات دبلوماسية مع ايران، ومن المفارقة ان السفارات الخليجية هي الاضخم في العاصمة الايرانية طهران، فلماذا تحرّم دول الخليج على مصر ما تحلّله لنفسها؟
" " "
ورغم نفي رئاسة الجمهورية في القاهرة ادلاء مرسي بتصريحات للوكالة الايرانية الا ان التقارب مع طهران ليس مستبعدا.
مهمة الرئيس المصري الجديد ليست سهلة، ولكنه قطعا سيعمل على دفع مصر نحو مرحلة التغيير في غير صالح الهيمنة الامريكية ـ الاسرائيلية على المنطقة بأسرها، خاصة تجاه العلاقات مع اسرائيل، فشهر العسل المصري ـ الاسرائيلي انتهى وربما الى الابد، وهذا ما يفسر الاحتفالات الضخمة التي سادت قطاع غزة بمجرد اعلان نتائج الانتخابات، وسقوط الفريق احمد شفيق المرشح المفضل لاسرائيل، وهذا ما يفسر ايضا حالة الاكتئاب التي سادت مقر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله.
مصر عادت الى شعبها وعادت الى العرب جميعا في الوقت نفسه، وبدأت خطواتها نحو النهضة التي ينتظرها الجميع، صحيح ان هناك من يريد وضع العصي في دواليبها لعرقلة مسيرتها، ولكنها مطبّات مؤقتة ستتجاوزها عربة التغيير بثقة واقتدار.
الدولة المصرية لن تكون عسكرية ولن تكون دينية، وانما دولة مدنية بنكهة اسلامية، ترتكز على اسس ديمقراطية راسخة، وحركة الاخوان تتعلم من اخطائها، وخير الخطائين التوابون، وصلّوا معي من اجل مصر الجديدة التي بزغت شمسها امس الاول.