أحادية الثقافة تطيح بالأصالة وتذهب بالمعاصرة

mainThumb

14-06-2012 09:19 PM

 في جدلية الوحدة والتعدد تقع العلاقة بين الأصالة والعاصرة في موقعها الطبيعي من ثقافة الأمة المدنية ,وتصيغ من أبجدياتها قواعد التقدم بما تتطلبه آليات التقدم من وسائل واشتراطات , ولإنها توقظ حوافزالاستجابة التلقائية الكامنة في قلب أصالة الأمة ذات التاريخ الحضاري.والأحادية  هي النقيض شديد التناقض مع التعددية حيث يتم تجاهل أهمية الحقيقة حيث الحقيقة بنت الحوار(غاستون باشلار) ودورها الواقعي والعملي في إرساء ركائز التحضر والتقدم والعصرنة. تصبح الأصالة رمزا جامدا عندما تقف عند حدود التمسك بها لإنها كانت ذات يوم نافعة, وتتجمد عند منطلقاتها  الفكرية والأيدولوجية عندما تتبدل الآليات وتتغيرالمفاهيم التي    تعصرن الزمن وتقلب موازين معارفه,وتنقله من مستوى حضاري إلى ما هوأرفع منه منجزا وأعمق قيما ومنافع . 

 
أحادية الثقافة تجسيد لبنى ثقافية لا تتعدى كونها حصون من سجون ثقافية تضع الفكر الواحدي في زنزانة انفرادية لا ترى النورلأنها تفتقد إلى كوة تدخل إليها الضياء.والتنويرالذي تتولد منه أبجديات تكوين الرأي العام يحتاج إلى ضؤ,وإلى إنارة الفكر بطاقة تمكنه من الوصول إلى الحقيقة في وقتها الذي تتبدى فيه كقوة حية داغعة على التمسك بترقية نوع الحياة الإنسانية, والوصول إلى الحقيقة بحاجة إلى تعدد فكري تتبادل أطرافه الحواروتتداول في مصادرالمعرفة التي تتراكم في كل مجال حياتي وفي كل الميادين العلمية والفكرية والعقائدية والفلسفية    والثقافية التي تشكل الوسيلة الضرورية واللازمة لنقل المجتمع من حالة راهنة إلى واقع المعاصرة ,وإلى دفع الطاقات البشرية المحلية إلى المساهمة في عصرنة أدواتها وفي تحديث وسائلها وفي التماهي مع فكرالعوالم الأخرى الذي يتماهى مع حق الإنسان في التعبيرعن رأيه بحرية لا تقيدها حدود جامدة وجاحدة .
 
أحادية الثقافة تجميد مصادر المعرفة الأخرى وتحنيط القدرة العقلية على الاستيعاب للمتغيرات التي تأخذ مجراها دون إذن مسبق منا أوبناء على خياراتنا,والاختيارالأفضل يتجلى عادة عندما تتعدد عناصره وتتنوع مجالاته وصنوفه في مرحلته الزمنية.
 
توحد مصادرالمعرفة يدور في فراغ معرفي يفتقد إلى تأسيس بنى ثقافية تتمكن من صنع الرأي العام أو حتى مجرد التأثير عليه,مما يتركه فريسة سهلة للاستغلال والاستهبال وتوجيهه حيث المصالح الآنية المحدودة. فليس مصدرالماء من نبع صاف فقط,فهذا النبع أحد مصادر الماء ولكنه أقلها استعمالا وكميات . والأصالة الثقافية مرجعية تاريخية متسقة مع تراث الأمة أي أمة من الأمم التي دخلت السباق الحضاري وأنجزت سمة العالمية على حضارتها وعلى تاريخها الثقافي كما فعلت أمتنا العربية في ماضيها.
 
ليس هناك من وجود لمجتمع نقي أي نوع أو صنف من النقاء في أي مكون من مكوناته الاجتماعية ,وانقضى عهد  الفكر الواحد  من قواميس الأيدولوجيا , والطريق الواحد من مسارات التقدم وأسبابه حين فرض واقع التعددية والتنوع على كافة الفئات ليصيغ التكوين الاجتماعي الدينامي الذي لم يغلق قنوات التواصل بين عناصرالأصالة وبين متطلبات    المعاصرة واشتراطاتها المبدئية . وقد اتضح بجلاء أن محركي التحضر والتقدم هما التعددية والتنوع  وإن ما دونهما مراوحة في واقع مترد من الإحباط والتخلف. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد