الإبداع في المجتمع الذي يفتقد البيئة الحاضنة البنائية لهذه الظاهرة التي تُجسد القدرة العقلية للإنسان على الابتكار والتغيير والتطوير والتحديث والتفوق على النمطية , لا يعدو كونه حالة فردية لا يعدم أي مجتمع ظهورها من بين أبنائه .
والإبداع في أي مجتمع , سواء أكان مجتمعا ً حاضنا ً للمبادرات الإبداعية وراعيا ً لها وداعما ً لمبتكراتها , أوكان مجتمعا ً يلتقط حالات إبداعية منفردة ويروج لها بحماس الذي يفتقد الظاهرة بافتقاد بيئتها ويريد أنْ يظهربمظهر العارف بوجود شيئ إسمه إبداع ولكنه عاجز لأسباب لها علاقة بمحددات عديدة عن توطينه ورفده بمقومات نموه وإنماء منجزاته .
الإبداع في جهد ما , لا ينتج عنه عمل صالح بالضرورة. فاللصوص الظرفاء منهم والعاديون والقساة , يقعون في التصنيف على مستويات متفاوتة من الذكاء , ومرتبات متدرجة من أعلى إلى أسفل من مراتب الدهاء والمكرمما يمكنهم من خداع ضحاياهم من مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية والعلمية والثقافية والأمنية . فاللص المحترف يقوده ذكاؤه ودهاؤه في تخطيط عمليات السرقة والاحتيال وتنفيذهما,في حين إن رجل الأمن يقوده الدليل الذي يستعصي على الطعن أمام المحكمة ويعضد من قناعة القاضي بالأدلة القاطعة التي لا تقبل الشك كي يتمكن من معاقبة اللص على فعلته بالعقاب القانوني. والقانون مرجعية المجتمع المتحضر.(نقول ذلك ونذكر بإنه :: يُضر المثل ولا يُقاس عليه).
أبدعت الجامعة العربية بإصدارقرارتجميد عضوية سوريا بمخالفة صريحة للنظام الداخلي الضابط لعمل الجماعة والتشريعات المقيدة لأسس قراراتها وتعاقداتها.وتجلت في إبداعها بالمطالبة المتكررة والماكرة بتدخل أجنبي لحماية الشعب السوري!!! من الجيش السوري !!!!.
وكان فيما لا يمكن وصفه من درجات الإبداع , إهمالها لتقريرالفريق الدابي ومجموعته من المراقبين العرب حول منْ يقتل منْ ؟ وحق منْ أنْ يدافع عن من؟؟.فقد أعطت تقاريرأعضاء المجموعة العربية الفرعية حول الأوضاع في المحافظات السورية مثلا ً نادرا ً في النزاهة والمصداقية,تفاجأت منها إدارة الجامعة العربية ومجلس وزرائها الذي تعامل مع التقريربما نعجز عن توصيف الإبداع في إهماله والإسراع في الانتقال إلى مخاطبة مجلس الأمن بالتعجيل في (إنقاذ !!) الشعب السوري!!.
أغضب سلوك الجامعة العربية سوريا والعديد من الدول والحركات الشعبية والوطنية,ولم ترض في الوقت ذاته أطراف المعارضة السورية الخارجية التي فشلت هي الأخرى في جلب التدخل الخارجي لتدميرسوريا وما يترتب عليه من مآس بشرية ووطنية ومادية ومعنوية في سبيل البحث عن كرسي سلطة في وسط الحطام وأكوام الركام الذي ستدخل فيه البلاد السورية وغيرها أيضا ً.
ومن غرائب الإبداع ذلك النوع الطريف الذي تتجلى طرافته في ظرفه المصطنع في رؤيته المحدودة التي لا تميز فيما تقترحه حلا ً لمشكلة , إن مؤداه الهاوية الغارقة في وحل مشاكل جديدة معقدة الحسابات , مختلطة النتائج , بإهمالها الرأي الآخروالتغاضي عن محاسنه وفعاليته. الدرس الذي نتعلمه من الموقف من الرأي الآخر,بغض النظرعن موقف مؤديه وعن مؤداه من أفكارومقترحات,يقع الدرس هذا في مساقين :
في الأول منهما : - إن الرأي الآخر,رأي مخالف لرأينا ,أي يبحث في حيثيات لم نعرها اهتماما ً عن قصد أو لسؤ نية مبيته أو لعدم المعرفة , وقد يكون مخالفا ً ومتعارضا ً مع كل الحيثيات التي نبني عليها ذلك الرأي,فنضيق به ولا نملك إلا الحجْرعليه ومنعه من الظهورالعلني وردع حامليه أو ناقلية أو متبنيه أو الداعين له عن التفوه العلني به .
وفي المساق الثاني : - أن نستمع إليه كما غيرنا ويُتاح لأصحابه إذاعته العلنية , وتتبع موقف الرأي العام منه , واستدراك ما يحمله رأينا من تناقض, أو تماد, أو مناكفة, أو لأي سبب لا يتفق ودقة التعبير, وصوابية الموقف. في المساق الأول ؛ نكون من فئة فاقدي البصر والبصيرة,في عصرتتعاظم فيه شدة الضوء المعرفي وبريقه وتسارع إبداعي حقيقي في وساءلالنقل والانتقال ووسائطهما للمعلومة والخبر والرأي والموقف ,وسائل تسارع الضؤ وتستنير به في طريقها, وطرائق لا يمكن وقفها أو منعها أو التصدي لاتجاهات حركتها . ونُتهم باليأس والفشل , وبأن الحقد يحرك مسارنا ويربك مآربنا, وأننا نستمرئ أسلوب التضليل ونستعذبه.
أما المساق الثاني ؛ فدلالته ناصعة على قوة حجتنا , ونفاذ بصيرتنا , وسلامة موقفنا والكيل بمكيال العصروالعدل والثقة بالنفس وبصواب الرأي.
في الوقت الذي يعاني الغرب فيه من حالة مزمنة من الانفصام الديمقراطيالذي اقتضته الطبيعة الاستعمارية الاستعلائية,لإبهاج مواطنيها وتوفيرالحياة الديمقراطية الحقيقية الرغيدة لهم , وممارسة أقسى أنواع الدكتاتورية وألوانها على الشعوب المستعمرَة والدوس على أبسط حقوق إنسانها وقمع حرياته دون وازع من ضمير,ونهب ثرواتها وبعثرة خيراتها,فإن الأنظمة العربية تعاني من حكم الفرد (والنخب العائلية - حكم القلة ) التي لا تعمل دون سلوك طرق الفساد ووسائله واحتكارالسلطة والثروة , وتفتقر إلى أبسط المبادئ الديمقراطية وأسسها وأعرافها, تتنادى بالشعارات الديمقراطية (وحقوق الشعب) ما دام الأمرلايعني شعبها ولا تطال مطالبه حكامها , وما دامو في منأى عن حراكها. الهم المصري ( ومن قبله الليبي ) الذي لم يُمكن المجلس الوزاري من الاجتماع في مقر الجامعة, لم يشغل بالها, وظلت المطالبة بتطبيق قرارات الأمم المتحدة حسب مقتضيات البند السابع الذي يقود إلى تدمير سوريا والمنطقة وقد يطال أطراف عربية عديدة تشكل حلمها وغرضها !!ليترافق ذلك مع وقف قمري نايل سات وعرب سات بث القنوات الفضائية السورية التي تزداد تأثيرا ً في صنع الرأي العام في حين تنحدر سمعة محطات ظنت إنها تصنع تاريخ الأشخاص عبر ميكروفوناتها !!.