قبّلني على جبيني تلك الليلة، همس لي قائلاّ " سنكون على ما يرام..".
شاهدت نفسي أغفو في تلك الليلة، ثم حلّقت بعيدا.. لم تكن تجربة الرحيل إلى عالم الأرواح أو تجربة الموت ذو غيبوبة، لم أعد أكترث ليس إلا.... قررت حينها بعد قُبلته أن أحزم حقائب العمر وأجلس هناك على قارعة الوقت حيث الفراغ ذات سعة الصدر، أنتظر علّ قطاراً للفرح من خيالي يخرج من مساره يهتدي إلي، أو علّ الزمن ينحرف به نحوي ذات قدر لأبشره بما كان ينتظر...
قَبَّلني ذات ليلة ولم أكن أعلم ما مصير جسدي...
"الغيبوبة ذات حادث أو الموت ذات حب!!"
أطرق الباب,, لأطلب منه أن يتركني بحال سبيلي في الغرفة المجاورة، هذا ما أذكره.. فضجيج الماضي ينخر في عقلي وإرتباكات المستقبل تشوش عقلي، طلبت منه حينئذ أن أدفن أحلامي وأهجره ولكنه قاومني بشتّى الطرق المتاحة.. فكل ما طلبته منه أن يرى الحياة الأجمل من بعدي.... ولكنك "رفضت".
خانتني أحلامي وغدرتني أيامي في ذاك الزمن يا مَلاكي، كنت تحادثني عن ذنوبك وعن تشوه ملامحك بنساء الدنيا، فكل من يريد العدل أوجب أن يقول ضميره فيما فعل، ولكن رحمتي تسبقني إلى قلبك لتبارك وجهك الذي رفعني من إنكار الذات، رغم الحفلات التنكرية التي تسردها في ملامحك مع تلك النساء إلاّ أنك يا سيدي رغم وجعي في رحمي.. لم تنكرني، أمسكتني بإحكام لتمنعني من فرار ذات طريق واحد...
كنت ترى بداخلي عندما تشتد نظرتك لقلبي إلى ما هو وهمي الوجود "الامبالاة"، حينما أقوم بتصرفات غير متوقعة أتذكر! أنا أيضا تعثرت بي الظروف وخذلتني الكثير من الأشياء وعندما حاولت أن أدمن الامبالاة كنت كـ "نبض الإستيقاظ" توقظ الحياة بداخلي لتذكرني بـ "أنك من وجدتني بالرغم من قربك البعيد عني"... وعندما تقسو بنظرتك لتحدق بي من مسافة أنفاسنا التي تخبئ كلماتها كضباب على شباك ندي لتذكرني بأنك رجل شرقي ولك إمرأة واحدة وإن قوانين الرحيل لم تعد خيارا لي...
أيقنت مطالبي حين وجدتني مستلقية على دقائق تفصل بيننا، أيقنت حينئذ أنني بعكس نساء العالم.. مطالبي لم تكن مخفية أو سرا لكنها كانت تعبر بحروف ذات نقاط لك يا غريب، مطالبي كأنثى هي بعيده عن ضجيج عالم النساء ومطالبي كإمرأة لك بعيدة عن ضجيج الحياة والبشر... كل البعد يا سيدي، كان مطلبي الوحيد عندما كنت أتجول في عالم صورك أن يعقد بيني وبينك معاهدة سلام.. أن نتفاوض على الحياة والحب، وتهديني السلام...
أرجوحة هي الحياة يا غريب... عندما تستلقي "هنا" وتتأرجح ما بين، كقصص الحب أحادية الطرف تبقي أحد الأبواب مواربة فلربما دارت الأيام فلا نكون تعلقنا بعد فوات الأوان.. أرجوحة هي الحياة يا الغريب..
شهر.. وإثنان، وسنة.. وسنتان.. ولم ألحظ بكل هذا الغباء المتفشي في عقلي وقلبي أن الحروف المتأرجحة فوق حبالي الصوتية لا تكفي لتعيدني إلى الحياة، لِكِسرة واقع من العمر، ولا تطفئ ظمأ هذا القلب لرشفة راحة... وسنة أخرى.. وسنتان.. ولا قوت لي إلا الوعود "أن أصمدي... فمازال للحلم.. وللعمر بقية"، فبعيدا عن تفاصيل الحنين المتوارية خلف أيامي في ذاك الجسد يا غريب، شيء ما تهشم بي، وأنى لك أن تصلحه لتمد الحياة يدها لي، لتصافحني وتعانقني، تطبع قبلة على جبيني لو مرة واحدة تنظر لي بعين الرضا، وتبتسم لي بنصف وجهها وتهمس في قلبي "إبقِ هنا، قريبة.. الأطباء أوشكو أن يوقنوا صمت نبضة زائفة"...
أحيانا يا غريب.. لا تكون الحياة سوى سلسلة من الإنكسارات تتراكم فوق أكتافنا لتلقي بكَ على هذا السرير الأبيض، كخطايانا هي... لا تُرى، لكننا نشعر بثقلها فوق قلوبنا نتحسسها لترهقنا كل حين، لنمضي بقية العمر فاقدي الإحساس، فلو أن الحياة أو أنت تهديني ليلكة أو ياسمينة كإكليل كخاتمة للأحزان لتصبح تفاصيلي مختلفة، لتدركني الأنفاس، لتعرفني المرايا..وتعترف بي الطرقات والليل والنهار... لأجد نفسي ولأتذكر بأنك لم تغفو منذ أن رحلت... أتذكر حين قلت لك في حكاية فيبرا "معافى جسدي هذا الصباح.. لكن روحي تحتضر كلما تذكرت مشهد الرحيل" لم نكن نعلم بأن ذاك الصباح ذات طابع ليل قديم.. كفاجعة ذات فراق..
هذا الجزء من المساء مؤلم جدا.. مسائك أنثى فقدت ملامحها توغلت بك يا غريب، هذا الجزء من الليل فاجع جدا.. فلا قهر أكبر من أن يجتمعوا الأطباء حولك معتقدين من أن يبثوا الأمل في جسد قد عايشته الفوضى، يتحدثون إليك وهم يعلمون بأنك تسمع ولكن هل أنت هنا! أم رحلت الى عالم الارواح أم رحلت الى عالم خلف عقلك!! يتحدثون ويتحدثون.. وأنا أقول لهم "لا شيء.. فالوجع أخرس كل شيء" ولكن لا يسمعون... علّني تعثرت بغربة لتعطي تفاصيلي على تلك الأجهزة ملامح تشبه الليل القديم لتمحو البقايا القديمة.. فما نسجت حروفي لك في هذا المساء إلا لتحمي سحرك من سيد الأوهام يا غريبي، لأترك الماضي.. والحاضر لا يقاد ولا يقود سوى عبر تلك الأجهزة... وأنابيب تحاول عبثا بعثي من جديد..
وأنت تبتسم بحنين وتهمس في أذني "هل أنت على ما يرام؟" والأطباء يسألون "هل أنت بخير؟".. وكل ما أفعله أحاول أن ألوح لكَ من خلف البقعة السوداء... فما دمت أنا بخير لما أحتضن ذكريات الرحيل!! ولما رحيلي أشبه بخيبة بوازها غربتك!!!
ألم يحن الوقت لك بإرتداء معطفك لإيقاظي؟؟ أم أنك فقدت ملامحي في كوب قهوتك؟؟
ألم أقل لك يا غريبي بأن قضيتي مثيرة للجدل! فكل قضيتي هي بأنني لم أكترث بذاتي يوما.. فلم أكن هناك يوما يا سيدي، فأخلي سبيل الأطباء.. فهذا الجزء من المساء تنفض تفاصيل الغربة والغياب.. رحمة بالأطباء والممرضين يا غريبي.. كفى عذابا لهم، فالأجهزة باتت أملك الوحيد..
فتفاصيلي توغلت بك على سرير ذو أجهزة في هذا الجزء من المساء يا غريب
فـ بربك، تكلم حتى أراك.. علني أهتدي إلى طريق عودتي...