أعود بين فترة وأخرى إلى الحبيبة لرفع معنوياتي ولخزن طاقة تكفيني لأسابيع قادمة ... إنها الطفيلة بأهلها القابضين على الجمر أصحاب الهامات المرفوعة ... عزيمة وكرامة وتصميم ما لها مثيل، فلا تطمئنو ايها الفاسدين، فلا الحراك خمد ولا الجمر أضحى رمادا.
قابلته في قاعة جدّي المرحوم عطا الله البدور في البرنيس أثناء أداء واجب العزاء لقرايبي، شاب يافع ما زال على مقاعد الدراسة في جامعة الطفيلة التقنية يدرس هندسة الكمبيوتر، انضم إلى الحراك الشعبي الذي أشعل ناره المناضل إبراهيم أبو عايشة منادي بالإصلاح والحرية بعد أن سد المحافظ في وجهه كل أبواب التفاهم.
حدثني عن المشروع البحثي التجريبي الذي يعمل عليه بمشاركة أستاذه، وهو نظام تتبع اليكتروني Tracking System يمكن أن يستخدم لتتبع مسار المركبات كالشاحنات أو التاكسي أو حتى الأفراد، ويرتبط النظام بدائرة مغلقة تتيح التواصل بين المشتركين.
وأسهب يشرح لي التفاصيل الفنية بدقة متناهية وخلتني استمع إلى عالم شاب سقف طموحه سماء الطفيلة وذخيرته كرامتها.
وسألته عن مصدر التمويل لهذا المشروع الذي تجاوز الأدراج ليجرب في حاضنة أعمال ضمن مدينة الكرك الصناعية، فقال لي ان مصدر التمويل من الإتحاد الأوروبي وليس إيراني كما يشاع، وللعارفين بإجراءات الحصول على الدعم من هذا المصدر يعلمون أن معايير التقييم مهنية بحتة وليس لها علاقة بعيون أبو عمّار القبالين الزرقاء أو بنشاط مجدي في الحراك بل هي شروط قاسية تدفع فيها الأموال –على قلتها- بالتقسيط وحسب الإنجاز.
وأسهب الشاب ذو الوجه السمح ليحدثني عن مشاريع أخرى يتعلق بعضها في جهاز لتحويل النبضات الكهربائية في الدماغ إلى طاقة، وقد حصل وشريكه الدكتور الجرابعة على الموافقة المبدئية من كادبي لتحويل هذه الأفكار إلى منتجات صناعية.
ولم يشفع له إختراعه لنظام التتبع هذا من أن يتم رصد خطواته الواحدة تلو الأخرى لأنه يشكل تهديديا للأمن القومي، فعلى باب أحد فنادق عمّان وبينما كان يهم للدخول لإلقاء محاضرة في أحد المؤتمرات العلمية، تم إيقافة من قبل فرقة متابعة وقال، بأني عرفت بأنها عملية إعتقال منذ شاهدتهم وسلمت الملف لشريكي لكي يقوم بإلقاء المحاضرة بالنيابة عني، ولم يشفع لي إلا وجود أجانب على مقربة، حيث تم السماح لي بالدخول وبقي السهاهرين على أمن حكام البلد مرافقين لي طيلة اليوم العلمي وعيونهم شاخصة إلى يديّ وإلى أنفي الذي قد يهتز إن قمت بحكّه قد تفجر الفندق بمن فيه.
أعجب لا بل بت أقرف من بلد يجر فيه مجدي إلى السجن ويدق رأسه المليء بالعلم، يدق مرارا في الحائط ليغمى عليه ويصحو، ثم يدق ويغمى عليه يصحوا، ثم يدق ويصحوا، ليتم إنتزاع الرقم السري لهاتفه المحمول. ألم يعلم أبو مدرقة في الطفيلة بأن العلم الذي في رأس مجدي يمكن أن يصرف على أبناء الأردن بعد أن أكل أسياده الأخضر واليابس ولم يتبقى لدينا ما نصرف منه بعد أن اشتروا بها قصورا في لندن وغيرها وثملت منهم الملاهي وسأمتهم بائعات الأحذية الباريسية لكثرة ما اشتروا.
الم يغادر أمثال مجدي خليل خليل القبالين البلد وفتحت لهم أبواب المعاهد والمصانع العالمية لتطبيق أفكارهم الخلاقة ولينقلوا المجتمعات الغربية من حالة إلى أخرى، ونحن هنا نلاحق هذا الشاب المبدع ويجبر أمام باب الفندق على فتح حقيبة حاسوبه ليتم تفتيشها ويسألة الضابط ماذا في الحقيبة يا مجدي؟ فقال له قنبلة أريد أن أفجر فيها المؤتمر ولكنها قنبلة علم أردنية تتجاوز الفكر الساذج للذي ارسلك والذي لا يرى في الأردن غير ميناءه الذي بيع وفوسفاته الذي سرق وأراضيه القابلة للبيع، أما مجدي وأخوته في الحراك فيعبدون الأردن ويجري حبه في عروقهم وتصدح به حناجرهم التي لن تهدأ الإ بأردن وطني ديمقراطي حر، فمجدي بدأ يصنّع وهو ما زال على مقاعد الدراسة ومجدي النسيب مشغول بالتحايل والفساد حتى أصبح الإسمين مجدي ومجدي على كل لسان وشتان ما بين الطز ومرحبا.