(1)
قبل الاعتداء الأخير على منطقة هجليج الغنية بالبترول، جاء وفد عال من صقور الحركة الشعبية يتزعمهم باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية وكبير المفاوضين ودينق ألور وزير الخارجية ومتولي كبر تأزيم المشكلة في منطقة هجليج ووزعوا أثناء وجودهم في الخرطوم كل الابتسام المدثر بالخيانة حيث لم تجف آثار الحفاوة الصاخبة بالوفد الجنوبي حتى تم الاعتداء على هجليج مع سبق الإصرار والترصد وبقوة عين غير مسبوقة وذلك لأسباب عديدة " حيث تمر دولة الجنوب الناشئة بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية ضاغطة للغاية فقد تم إيقاف البترول عبر الشمال الذي تعتمد دولة الجنوب عليه بنسبة 98% مما يعني وضعاً مأساوياً للغاية ولا سبب واضح لهذا الموقف والتعنت فيه سوى كره متزايد لشمال السودان الذي أوفى بعهوده بمنح الجنوب تقريراً للمصير بنية صادقة وأيدٍ نظيفة ومن ثم اعترف بنتائجه مما مهد الطريق لإعلان الدولة الجديدة أملاً في أن تفضي كل تلك الإجراءات السياسية لتاريخ جديد بين الشمال والجنوب يعزز بالتعاون المشترك والمصالح المرسلة بدلاً من الحرب ... لكن يبدو أن قادة الجنوب يضمرون شيئاً غائراً لم يدمله الإحساس بالانفصال وتكوين الدولة ... فاعتدوا على منطقة هجليج ليوقفوا البترول مثلما توقف بترولهم متناسين القانون الدولي واحترام العهود والجوار بل اعترف قادتهم بالاعتداء على أعلى مستوياتهم ... وإدعوا أن هجليج منطقة جنوبية رغماً عن أن منطقة هجليج لم تكن منطقة نزاع حدودي بين الدولتين إلا أن طريقة قطّاع الطرق والمتمردين سادتا على طريقة أهل الدولة والحكم ... فاستفزّ سلفاكير بإغتصابه منطقة هجليج البترولية كل أهل السودان ... فأقام بينهم وحدة وطنية غير مسبوقة لأهل الحكم والمعارضة سوياً لدحر العدو عن هجليج ... لم يستفد التمرد أو حكومة الجنوب من التواطؤ الدولي الذي عبر عن استنكاره للاعتداء بعبارات خجولة لا تتسق مع حجم التطاول والاستفزاز ... حيث لم تشغلهم أوضاعهم الاقتصادية المتردية لدرجة أن الموظفون لم يصرفوا رواتبهم شهوراً، غير الاضطرابات القبلية العاصفة بين مكونات المجتمع الجنوبي كل الصعوبات لم تغل أيديهم عن العدوان!!.
(2)
ياسر عرمان الأمين العام للحركة الشعبية قطاع الشمال المتورط حتى أذنيه في الاعتداء على هجليج يعتقد أن الهجوم على هجليج لايقاف الموارد البترولية التي يستخدمها المؤتمر الوطني " الحزب الحاكم " في حروبه ضد المعارضة المسلحة بهذه الحجة البائسة يقدم ياسر عرمان تبريراً لدولة جنوب السودان في اعتداءاتها على مقدرات الشعب السوداني الذي يخوض معركة ضارية من أجل النماء والبناء وتحسين الخدمات وتطوير الصادر للموارد الزراعية والحيوانية ... ويشهد في ذلك حركة واسعة في فتحه لمنشآت جديدة رغم الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد بعد انفصال الجنوب وخروج موارد بترولية هائلة منه.
الواضح أن حكومة الجنوب تعتصم بمواقف تقليدية من الشمال لم يزحزحها الاعتراف بنتيجة الاستفتاء، والاحتفال الصادق من قيادة حكومة الخرطوم بإعلان الدولة الجديدة في جنوب السودان وتقديم كل العون للحكومة الجديدة ... وتجاوز اللؤم الظاهر والتعنت الكامل من حكومة الجنوب في المفاوضات مع شمال السودان ... في الوقت الذي تتلقى حكومة الجنوب دعماً إقليمياً من يوغندا وكينيا إضافة إلى دعم كبير من إسرائيل التي طار إليها سلفاكير في أول زياراته للخارج ... إسرائيل تعتبر دولة جنوب السودان طفلاً مميزاً يجب أن ترعاه في كنفها لخنق السودان ومن ثم مصر خاصة في جوانب كثيرة أهمها المياه التي تمثل الحرب القادمة في القرن القادم.
هذه ليست هواجس إنما حقائق وبالوثائق الرسمية لهذه القوة التي جعلت من دولة الجنوب تعتدي على السودان في عزّ النهار وتعترف بملء صوتها عن هذا الاعتداء الذي جعل من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن يترجى سلفاكير أن يسحب قواته ولم يستجب له ومضى في تعنته وتصرفه ( البليد ) ... هذا يوضح مدى المؤامرة التي تحاك ضد السودان.
(3)
سئل الرئيس البشير مراراً وتكراراً لماذا تأخر الربيع العربي في السودان؟؟
وقد أجاب إجابات متفاوتة أنه لا يستبعد الأمر، إلا أنه أفاد أنه يثق في حزبه المتغلغل في أوساط الجماهير يحس بهمومهم ويلتقيهم في الشوارع والمصانع والمساجد والكنائس وفي المزارع وعندما يضعون ثيابهم عند الظهيرة.
لكن يبدو أن أصول المؤامرة على السودان تتجمع عند أقليات محدودة تغذيها الجهوية والعنصرية والإحساس بالتهميش والغبن السياسي ... هذه الحركات المسلحة المنعزلة تقتات من هذا المعين الصدئ ... والذي جاءت الإنقاذ في بداية الثورة لمحاربته باتساع في تعليم الأساس بفتح المدارس ومحو الأمية وإنطلاق ثورة التعليم العالي بفتح الجامعات واستيعاب آلاف الطلاب حتى لا تسود الطائفية والجهل ... ويتحول الظلام إلى نور ساطع ... اصابت تلك السياسيات وأخفقت حيناً آخر وذلك بالكيد تارة وتاره بالأخطاء البشرية العادية.
ربما يحتاج السودان لهذه الوحدة الوطنية الظاهرة هذه الأيام والتي بدت مع العدوان الجنوبي على أهم المناطق الاقتصادية للسودان ... وأيضاً يحتاج لأموال العرب للاستثمار الصحيح في السودان وينطلق هذا المارد الزاخر بثروات ضخمة وكبيرة ... قد نصلح من الإهمال العربي المتراكم والذي فرّط في جنوب السودان فاحتمال بهذه الخطوات نستطيع أن نتدارك ما ٌيعد للسودان من سيناريوهات خبيثة!!!.
يمكننا مراقبة السيناريو الآن في ( B.B.C ) صارت تردد عبارة منطقة هجليج المتنازع عليها وبالرغم أن العبارة عارية تماماً عن الصحة ... ولكن هكذا يبدأ التدليس ... ويصبح بعد فترة المعتدى عليه هو البادئ والظالم والذي يمارس الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ... السودان واعٍ للمؤامرة فهل تنضم ملايين الجماهير العربية التي رفضت الإستلاب لأعدائها الحقيقيين !!!.
* كاتب وصحفي سوداني