نعيش حالياً زمن التغيير والإصلاح في الأنظمة، فها هي فوهة البركان مشتعلة في عدد من الدول المجاورة وأخرى تحاول الانفجار، بعضها استطاع التحكم ومعالجة الكارثة والأزمة وتخطيها ومنهم من يرفع الشعارات الرنانة ويفتح المجال للحلول المختلفة، لكن الحلول تحتاج وتخضع لدراسة علمية وسياسية واقتصادية وغيرها خصوصاً أن أكثر هذه الشعارات ومطالب التغيير هي مطالب خدماتية تخدم حاجات المواطن البسيط المستقر في هذه الدول.
تناسى بعضهم قول (بسمارك) "أعطني التربية أغير لك وجه الأرض وأدير العالم" وما أراه أن حل تلك الأزمات يبدأ بحل النظام التربوي، إذا رُفع شعار التغيير والإصلاح، فهو نقطة البداية التي يرجوها الجميع لإصلاح بقية الأنظمة.
لفت انتباهي ما جاء في مقال للكاتب (الفي كون) عام 2003 وقام بمراجعته الطالب الأردني (محمد الموسى) في أثناء دراسته للدكتوراه في جامعة منسوتا الأمريكية عام 2004 حول واقع التربية والتعليم في الوطن العربي عامة والأردن خاصة (وللكل خصوصيته ومنهجه)، حيث أشار الكاتب الأردني إلى تحديات التعليم وتركيزها على التدريس أكثر من التعلم ومحورية العلامة المدرسية والشهادة والمعدل حيث أوضح أن حوالي 50% من طلبة التوجيهي 2004 حصلوا على نسبة النجاح، فهل يعني هذا أن النصف الأخر ليسوا بمتعلمين وإنما فاشلين؟ هل مقياس العلم هو معدل الثانوية العامة؟ من هنا نطرح أسئلة للتدارس: هل كل متعلم هو مثقف أو العكس؟ هل كل جالس على المقعد الدراسي هو متعلم؟ هل هو مثقف؟ هل هو ناجح؟ أم فاشل؟ ما مقياس النجاح من منظورنا وهل يخدم توسع الآفاق، وهل هذا النجاح يخدم الثقافة أو سوق العمل؟.
بات معدل الثانوية العامة في مدارسنا والذي يؤهل الطلبة لدخول الجامعة بمثابة عقاب للبعض، فالقبول قد يتوقف على عدة أعشار مما يؤهل من هو أقل من الطالب كفاءة للحصول على مقعد في تخصص يرغبهُ الأول.
علينا أن نتوقف هنا عند المسؤولية الواعية اتجاه رغبات الطلاب واهتماماتهم وإبداعاتهم، ألا يحتاج هذا الزمن إلى إصلاح في النظام التربوي في ظل عالم اليوم التربوي التكنولوجي المتطور؟.
ما عادت المدرسة مكاناً يجذب الطلاب بل هي منفرة لهم، هم لا يرغبون في العودة إليها، علماً بأنّ كلمة المدرسة في أصلها اللغوي كلمة يونانية تعني الترفية والانبساط.
ما يريدهُ الطالب ونريدهُ مدرسة منفتحة على المجتمع وليست سجناً مغلقاً، مدرسة مرسلة وليست فقط مستقبله للمعلومات، منفتحة وليست منغلقة على العالم، مدرسة ديمقراطية وحرة وليست قهراً وتزمتاً وإجحافاً وعنفاً للطالب والمعلم، تربية المقهورين، باولو فوريرو (ثقافة الصمت). إن الطالب والمعلم سوية هما محور العملية التعليمية والتعلمية، نريد مدرسة قيادية تساعد الطالب والمعلم على روح الديمقراطية والمشاركة الفعالة في أخذ القرار، تزرع التفكير الداخلي والعميق والناقد والبناء، لماذا لا تكون مدارسنا كذلك؟ نريد معلماً ميسراً وليس مسيراً، معلماً ومتعلماً في نفس الوقت، منفتحاً ومشاركاً في نمو الطالب، منفتح العقل وواسع الآفاق، شعارهُ دائماً نحو التعليم وليس التدريس: أريد أن اربي الطالب لا أن ألقنهُ العلم فقط ليتخرج من مدرستي واعياً ومدركاً وصاحب كلمة ثاقبة وقرار ناصع (وليس فقط المفهوم المتعارف عليه تعليم عقلي وذهني) وإنما تنشئة شاملة وكاملة، هنا نقول أنهُ معلم مربي وليس مدرس تقليدي، هذه هي المدرسة الحقيقية التي تبنى على حلول تربوية تعيش السرعة والذاكرة والإدراك وحل المشكلات والمرونة وتنسجم مع بعضها.
التعليم الفعال هو زرع الفضول لدى المعلم والطالب بالنقد البناء والفضول في المعرفة، التوسع والخروج من المنهاج المقيد إلى العالم الواسع، الإبداع وحل المشكلات، كذلك المقدرة على التحسين والتطوير في المسيرة، المقدرة على تقديم الحب للمادة والذات والآخرين وللطبيعة، التوازن بين رغباتنا واحتياجات المجتمع، بناء مجتمع متطور وديمقراطي ومعاصر.
التربية هي مسؤولية إصلاحية جماعية، الجميع مسؤول (المدرسة والنظام، الأهل والمربي، المؤسسات) كلٌ لهُ دورهُ، علينا أخيراً الانتقال من التدريس إلى التعليم، ومن التلقين إلى التفاعل، ومن التعليم إلى التعلم، ومن التربية إلى التنشئة، التعلم للحياة ومن أجل الحياة وفي سبيل الحياة وللأبد (نظرية ديوي التربوية)، من وجهة نظر (كولن) "لقد فقدنا المعنى الحقيقي أن تكون متعلماً جيداً"، التعليم للحياة والانتقال إلى الحياة المجتمعية والوظيفية، والخوف من الانفلات الاجتماعي ومعطيات السوق ومطالبهُ، لا بد من قراءة الواقع وتحليله ونقده وبناءه.
دعونا نتساءل كيف ندرك أن التعليم ناجحاً وفعالاً؟ بماذا تنجح المدرسة؟ وما هي معايير المدرسة المتميزة؟ (المعدلات المرتفعة؟ الأقساط المرتفعة؟ تواجد أبناء المقامات العليا في المدرسة (مدرسة النخبة)؟ تدريس اللغات؟ نشاطات لا صفية متنوعة، ترفيه وبركة سباحة؟؟).
إذا كان الأمر كذلك هل قمنا بدراسة تقيميه عبر التاريخ، محورها مدى التعلم الجيد في المدرسة وكيفية الاستفادة منها.
أقول لا يوجد إجماع على مفهوم التربية والتعليم المعاصر، لذا لا بدّ من دراسة آنية التعليم والتعلم، ومدى التكيف ومادة التعلم، حتى نقوم باستثمار التعلم، فليس الهدف تكديس الخريجين، ومهما كبرنا نبقى في حالة تعلّم.