السوسنة - زار العلماء والخبراء ومكتشفو الطبيعة المشاركون في "المؤتمر العالمي الخامس عشر لمكتشفي الأنفاق والكهوف" الذي نظمه مركز الدراسات البيئية في الجامعة الهاشمية العديد من مناطق البادية الأردنية، وضم الوفد عدداً من رؤساء اتحادات عالمية لمكتشفي الطبيعة يمثلون اتحادات: هولندا، واستراليا، وألمانيا، واليابان، وبلجيكا، وسويسرا، وأمريكيا، والعراق، والسعودية، ونيجيريا وغيرها من الدول.
وهدفت الجولة الميدانية-التي استمرت أربعة أيام -بحسب الأستاذ الدكتور أحمد ملاعبة- رئيس المؤتمر العالمي- مدير مركز الدراسات البيئية في الجامعة الهاشمية إلى تسليط الضوء على الروائع البيئية والجيولوجية خاصة الأنفاق والكهوف البركانية في البادية الأردنية، والبالغ عددها حوالي (50) كهفاً، والاستفادة من الخبرات العالمية في حماية بيئتها ومكوناتها الجيولوجية، وترويجها سياحيا؛ لإدراجها بعضها ضمن قائمة اليونسكو للتراث الطبيعي، وكذلك إدراجها على خارطة السياحة الجيولوجية والبيئية العالمية خاصة لدى اتحادات مكتشفي الأنفاق والكهوف وعلماء الجيولوجيا والبيئة.
وكان الأستاذ الدكتور كمال بني هاني رئيس الجامعة الهاشمية تحدث خلال افتتاحه أعمال المؤتمر عن دور الجامعة في البحث العلمي في مختلف المجالات فقد بين أن كوادر الجامعة الهاشمية ممثلة بمركز الدراسات البيئية قد أنجزت عددا من الاكتشافات للكهوف والأنفاق في الأردن خاصة في منطقة البادية الأردنية، مؤكداً أن الجامعة ماضية بتنفيذ إستراتيجيتها البحثية الطموحة للمساهمة الفاعلة في التنمية الوطنية الشاملة خاصة في مجالات المحافظة على الموارد الطبيعية والبيئية في الأردن لتميزها على المستوى العالمي.
وذكر الدكتور ملاعبة أن المؤتمر قد بدأ دورته الأولى قبل ثلاثين عاما حيث انه يعقد مرة كل عامين، وينظم لأول مرة في الوطن العربي، وأن اختيار الأردن لتنظيم المؤتمر يأتي تتويجا لخمسة وعشرين عاما من الاكتشافات ونشر الأبحاث العلمية في المجلات العالمية المحكمة لروائع الأردن البيئية والجيولوجية وخصوصا الكهوف والأنفاق البركانية. وأكد أن الدراسات التي نوقشت في المؤتمر سيتم نشرها بعد تحكيمها في كتاب وقائع المؤتمر، وأن نتائج الجولات الميدانية من المعلومات والدراسات والصور والأفلام الوثائقية ستنشر على نحو (180) موقعا إلكترونيا للاتحادات والأندية والجمعيات العالمية المعنية باكتشاف الكهوف والأنفاق، مما يشكل ترويجا واسعا للبادية الأردنية على المستوى العالمي. وأضاف أن أوراق العمل والأبحاث التي قدمت في المؤتمر ستتم طباعتها ونشرها في مجلات علمية عالمية محكمة.
وقد جال فريق العلماء المشاركين في المؤتمر مختلف مناطق البادية الأردنية البازلتية السمراء الواقعة في شمال شرق المملكة لاكتشاف روائع الطبيعة والبيئة الأردنية، ومن أبرزها: كهف عزام الواقع في حرة بركان قعيس ومقاعس الذي يعد أقدم الكهوف المكتشفة في الأردن، وكهوف: الدحدل، والحية، والراعي، والودعل، والهوة في بلدة أم القطين شرق مدينة المفرق. إضافة إلى كهوف منطقة الحميدية ككهف الجامعة الهاشمية وكهف الجلوس والحليم وغيرها.
كما جال الفريق على كهف بئر الحمام والذي تم تسميته بكهف البادية في بلدة البشرية - بمساعدة كوادر الدفاع المدني- حيث تمتع الفريق بجماليات الكهف وأبدى انبهاره باتساعه وعمقه والصخور البركانية السوداء التي تشكله. كما استكشف الوفد الكهوف في الحرة الأردنية ومنها كهف حشيفة "الفهدة" في الحرة الأردنية شرق شمال مدينة الصفاوي الذي يعد أطول كهف في البادية الأردنية بطول يتجاوز (1) كم، وكهف كمبه وغيرها من الكهوف، إضافة إلى تتبعه مسار مصائد الغزلان في وادي مقاط، والنقوش المختلفة للحضارات التي عاشت في البادية.
كما زار الفريق قصر وسد برقع والذي يعود إلى العصرين الروماني والإسلامي والذي يعتبر أحد أهم الكنوز الحضارية في البادية الأردنية.
وأكد الوفد على لسان خبيرة الكهوف العالمية الأستاذة الدكتورة جوليا جيمس الأستاذة في جامعة سيدني الأسترالية والمتخصصة في مجال التنوع الحيوي أن الكهوف الأردنية تعد تحف طبيعية لا بد من إجراء المزيد من الدراسات حولها، والعمل على تأهيلها حسب المواصفات العالمية لتحويلها إلى كهوف مشاهدة وخاصة كهف البادية للأغراض السياحية والتعليمية والبيئية.
وأكد وفد مكتشفي الطبيعة في العالم على أهمية الترويج للبادية الأردنية، ودور الأنفاق البركانية في تنشيط السياحة العالمية في الأردن. مشيرين إلى قدرة الكهوف الطبيعية الأردنية على المنافسة مع الكهوف العالمية، داعين إلى تأهيلها والمحافظة عليها والاهتمام بطرق المواصلات إليها، وإجراء المزيد من الأبحاث والدراسات حولها، والتركيز على الدراسات البيئية وخصوصا المتعلقة بالأنظمة الحيوية وغير الحيوية داخل الكهوف ومحيطها. كما دعوا إلى وقف العبث والتدمير للمواقع الطبيعية والبيئية التي تتعرض لها بعض مناطق البادية الأردنية.
ودعوا كذلك إلى الاستفادة من التجارب العالمية في سياحة الكهوف كما في التجربة الاسترالية الرائدة في هذا المجال بتوفير الحماية والخدمات الأساسية كالإضاءة، وإقامة استراحات وممرات خاصة للمشاة والمكتشفين، ونشر التوعية بين إفراد المجتمع المحلي بأهميتها، مشيرين إلى أنها تشكل رافدا مهما من الناحية الاقتصادية. كما دعوا إلى إقامة المحميات الطبيعية لحماية التنوع الحيوي، والاستفادة من خصائص الأنفاق حيث بينوا أنها استخدمت لأغراض عديدة كمساكن للإنسان، وتخزين الغذاء، فقد عثر على جرار فخارية مليئة بالقمح، كما استخدمت أيضاً لأغراض تربية الحيوانات، وللحماية وغيرها من الأغراض. كما دعا الوفد إلى الاستفادة من منظومة الحصاد المائي القديمة لاستغلالها في بناء السدود والحفائر.
كما زار المشاركون في المؤتمر مدينة جاوا الأثرية المبنية من الصخور البركانية الواقعة شرق-شمال مدينة المفرق بنحو (120كم) بالقرب من قرية مثناة راجل بالتعاون مع برنامج بحوث البادية الأردنية، والتي تعد من المواقع الأثرية التاريخية الهامة على خارطة التراث العالمي. واطلعوا على جمال المدينة المبنية من الأحجار البازلتية التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد في العصر البرونزي، وتعتبر المدينة حسب رأي المؤرخين في علم العمارة والتراث من أفضل المواقع التاريخية في العالم. تم بناؤها من الحجر الناري البازلتي المتواجد في المنطقة المعروفة بالصحراء (الحرة) السوداء، وتقع ضمن منطقة وادي راجل.
وقال الدكتور ملاعبة إن مدينة جاوا الأثرية تقع على جزيرة تتوسط متفرعي راجل القادم من جبل العرب في الأراضي السورية ليصب في قاع الأزرق بطول (150) كم. وأضاف أن الإنسان بدأ الاستقرار في مدينة جاوا وبناء المدن المحصنة كما استوطن الكهوف على امتداد وادي راجل، وأشار إلى أن جاوا مدينة الحضارة والإبداع حيث إن هذه المدينة تعتبر أسطورة الإنجاز البشري بما فيها من إنجازات إنشائية وسدود وبرك مائية، وكهوف متوسطة الحجم موجودة بمحاذاة وادي راجل الذي يعبر طرفي المدينة الشرقي والغربي.
وأشار الدكتور عودة المساعيد مدير برنامج بحوث البادية الأردنية إلى أن البرنامج أنجز العديد من الأبحاث التي تناولت الواقع الأثري والبيئي في البادية، مشيراً إلى أن تلك الأبحاث كشفت الأهمية التاريخية والبيئية لمدينة جاوا، وأضاف انه تم اكتشاف حديثا حديقة زراعية ومقبرة محاذية للمدينة. مؤكدا على أهمية التعاون مع الجامعة الهاشمية لإجراء مزيد من الدراسات المسحية المتنوعة المتعلقة بالكهوف.
وبين المهندس علي الحسبان من مركز الدراسات البيئية في الجامعة الهاشمية إن للمركز دوراً ومسؤولية هامة في التوعية باستراتيجيات المحافظة على المياه وتطوير أنظمة الحصاد المائي الذي أتقنه القدماء في البادية الأردنية وغيرها من المناطق، والاستفادة من تلك التقنيات والأساليب في عمليات الحصاد المائي حالياً. وقال أن الزيارة أتاحت الفرصة للعلماء الأجانب الإطلاع على أنظمة الحصاد المائي المنتشرة في البادية الأردنية قديماً وحديثاً.
وتحدث الأستاذ خالد الزواهرة من كلية الموارد الطبيعية والبيئة في الجامعة الهاشمية أن الزيارة كشفت عن أهمية الإسراع في المحافظة على الغطاء النباتي والتنوع الحيوي في تلك المنطقة من خلال استغلال الأنفاق في عمليات تخزين المياه لزراعة الأعلاف والشجيرات الرعوية التي تراجعت كميتها ونوعيتها في البادية الأردنية مؤخراً.
من ناحية أخرى قام الوفد بزيارة نفق اليرموك – ديكابولس والذي يعتبر أهم اكتشاف علمي في الأردن في الفترة الحديثة والذي يبلغ طوله حوالي (140) كم الواقع في شمال المملكة بين بلدة الطرة وأم قيس حيث تجول الوفد في هذا النفق المائي الذي انشأ قبل ألفي عام ولا زالت معظم أجزائه بوضع جيد، مؤكدين على ضرورة الحفاظ على هذا المنشأ العملاق وحمايته من الدمار، والبدء بأعمال تنظيفه من الردم وتأهيله لأغراض الأمن المائي.
وللإطلاع على أنظمة الحصاد المائي بأنماطها الهندسية المختلفة فقد زار المشاركون في المؤتمر مدينة البتراء إحدى عجائب الدنيا السبع حيث شاهدوا الأنظمة المائية السطحية والجوفية، وكذلك الأنفاق المائية وأساليب قياس معدلات الأمطار والتغيرات المناخية عند الأنباط.
واشتملت فعاليات برنامج المؤتمر على عقد ورش عمل في مقر إقامة الوفد في محطة الصفاوي التابعة لبرنامج بحوث البادية الأردنية عن الكهوف التي تم زيارتها وتوثيقها، وكيفية التعريف بها عالمياً، والاطلاع على الكائنات الحية التي انقرضت ولازالت الكثير من بقايا عظامها موجودة داخل هذه الكهوف. كما تم تقديم عرض من قبل الدكتور عودة المساعيد مدير برنامج بحوث البادية الأردنية تحدث فيه عن نشأة وتطور البرنامج ونشاطاته في مجالات: السكان، والمياه، والزراعة، والبيئة، والثروة الحيوانية، والموارد الطبيعية، وتأهيل المجتمعات المحلية. لافتاً إلى أن البرنامج يهدف إلى إجراء الدراسات، وتسهيل مهمة الباحثين بهدف الوصول إلى التنمية المستدامة للموارد البشرية والطبيعية وتحسين مستوى معيشة الأفراد في البادية من خلال نقل وتطويع التكنولوجيا بدون المساس بنمط الحياة التقليدية للسكان.