على الرغم من التطور الذي شهدته المفاهيم الديمقراطية ومبادئها وآلياتها ونواميسها برزت دعوات عديدة صريحة من مفكري وعلماء السياسة والاجتماع والاقتصاد إلى التوجه بجدية للبحث عن نظام جديد يرتب العلاقات السياسية والاجتماعية في المجتمعات المعاصرة ليحل محل االنظام الديمقراطي الذي يرى البعض إنه آن الأوان لتغييره بعد أنْ استمر في ثيابه الموروثة منذ ألاف السنين التي شهدت التصاميم الجديدة قبل حوالي مئتي عام أوأكثرمن التطبيقات المتنوعة في مجموعة الدول الأوروربية بالتحديد .
ليس المقصود بالتغييرالمنشود مزيدا ًمن تطويرأداء المبادئ الديمقراطية ,وتعديل صيغها وآلياتها,إنما المقصود بتلك الدعوات التغيير الإحلالي لهذه المبادئ وأسسها وممارساتها التي وقعت في مصاف الممارسات التقليدية,وإبدالها بنظام نظم بديلة جديدة . من توقعات الفن توفلر,صاحب التوقعات المستقبلية المستندة على حقائق التطورالعلمي والتقني الذي تشهده المجتمعات الديمقراطية , أن تحل عملية تشكيل اللجان المختصه (ad hoc committee ) بالانتخاب المحدود في مجموعة المختصين أو بالقرعة محل الانتخابات لتجنب ما تؤدي إليه الانتخابات التقليدية من احتكار وصول أصحاب الجاه والمال والنفوذ إلى مواقع تمثيلية بصيغ ديمقراطية مما يقود إلى تكون الفجوة بين المُنتخب وبين جموع الناخبين, وتفتقد الثقة بين الطرفين كما ًواهيا ًمن مقاديرها من جهة,ولترك صنع القرارإلى المجموعات المختصة والمعنية مباشرة به والمسؤولة عن نتائجه .
وهذا ينقل مفاهيم الديمقراطية كما تأسست عليها,إلى صيغ جديدة متماهية مع عصر التقنيات وما أفرزته من موجبات استيعاب الثقافة التقنية ومخرجاتها المتجددة باستمراروالمستخدمة في كافة مؤسسات المجتمع التعليمية والصحية والنقابية والخيرية والحزبية..... العلة المريرة في النظم الانتخابية التقليدية,أن الناخب لا يحق له أن يسحب الثقة من ممثله الذي انتخبه إذا لم يلتزم بوعوده ولم يبر بشعاراته ومبادئه التي يتحقق من خلالها فوزه بالانتخابات (بافتراض نزاهة المرشح في كسب هذه الأصوات بنزاهة وأمانة, ورفضه شراءها والمتاجرة بعددها, وكذلك نزاهة العملية الانتخابية بمختلف مراحلها ), وهذا ما يشجع على التباين في المواقف التي يحددها المُنتخب لذاته بذاته دون الرجوع إلى ناخبيه أو( قاعدته )الانتخابية ودون الاكتراث بآراء ناقديه ولائميه ,وتزداد فجوة فقدان الثقة بين المواطنين وبين مجالسهم النيابية, وتعثر جهودها وتبعثرها والمطالبة بحلها بعد اتهامها بالتقصير والمحاباة للسلطات على حساب مصالح العامة.
من دون شك إن الوعي وليد الخبرة يرتقي بالعلم والثقافة ويتعمق بالمعرفة التي تنتجها التجربة العملية التي يمرالفرد بها بإدراك منه لما يدور حوله من أحداث ومواقف اجتماعية وسياسية وغيرها .ومما لا شك فيه أيضا ً,إن الوعي الانتخابي وكي يستكمل بنيته السليمه يفترض الاعتماد على وجود ديمقراطية سليمة ,وإن الديمقراطية الشكلية ,او الصورية تبقي على خلل العملية الانتخابية التي تشكل محورالآليات الديمقراطية , وتفسح المجال أمام الإخلال بنزاهتها ونظافتها من العيوب التي تشوه نتائج الانتخابات بصور شتى,لم نعد بحاجة إلى ذكرها من كثرة ما طالها البحث والحديث عنها وتفسير أسبابها , فتقوم المجالس النيابية لتجد بمرافقتها الاعتراضات على أداء النواب وعلى مواقفهم ومن ثم على المطالبة بحل مجالسهم. الديمقراطية الشكلية لا تكترث لقوة مجالسها وقدرتها على معالجة قضايا المجتمع وشؤونه معالجة جذرية, بقدراهتمامها بمستقبل النواب أنفسهم ومصالحهم .
والوعي الذي تغذيه هذه الصيغة الديمقراطية الشكلية هو ما يمكن توصيفه بالوعي الزائف . قوة المجالس يحددها ,بشكل رئيس, وعي الناخبين على تحديد اختياراتهم لممثيلهم القائمة على أسس أبنية الديمقراطية الحقيقية . والديمقراطية الحقيقية في أي مجتمع تشكل ركنا ًمن أركان كيانه المتين , وبناه التنفيذية والقضائية وهياكله المؤسسية إلى جانب ركني الحرية والتعددية .(كتابنا : الديمقراطية , الحرية , التعددية , دار أزمنة – عمان ,2011) . والوعي الحقيقي للناخب في المجتمع الديمقراطي يتعمق بممارسة الطقوس الديمقراطية الحقيقية في المجتمع الديمقراطي.