اعتدنا على توجيه نقد لاذع إلى السياسات التي تكيل بمكيالين , والمواقف إزاء القضايا المحلية والدولية التي تتصف بازدواجية المعايير والتي اشتهرت بها المدارس السياسية اليورو- أميركية التي عليها شواهد عديدة وكأنها تشكل ركيزة أساسية من مناهج هذه المدارس وموضوعاتها .
فليس غريبا ً أن تدعم هذه الدول أنظمة دكتاتورية وثيوقراطية وفردية وقوى احتلال وتقدم لها دعمها الكامل ومساندتها المستمرة ,بل ووضع كامل إمكاناتها تحت تصرف بعضها كما تؤكد هذه الحالة العلاقة التي تربط هذه الدول بالاحتلال الاسرائيلي لفلسطين , وفي عين الوقت أن تقف موقفا ً معاديا ًلبعض الأنظمة بطريقة التصريحات الفظة التي تنقصها الكياسة الدبلوماسية , وتقديم الدعم العسكري والمالي والتسليحي للقوى التي تعتبرالديمقراطية وسيلة للوصول إلى السلطة , ثم تستعين (بالشعب !!) على وضع دساتيرها التي تعتبر الديمقراطية في حكم المفاهيم المستوردة ,التي تتناقض مع التراث, وتنافي القيم الوطنية ,وتصيغ للديمقراطية مفاهيم جديدة تفرضها على الناس كل الناس ..وإلا!.
وما زلنا نتذكر كيف خاضت الدول الاستعمارية حروبا ً ضارية لفرض واقع معاد للفكرالماركسي, وللعقائد الاشتراكية وأفكارها !! والمعاير المزدوجة (والكيل بمكيالين ) بأبسط معانيها, تشكل خرقا ً فاضحا ً لقيم العدالة ونواميسها,وتتنكر لقيم المساواة في التعامل مع القضايا المتشابهة ,وخروج فاضح على خلق التعاطي بالحق والفضيلة,وغياب صدق المعاني ومصداقية الطروحات ,وولوج في أحضان الخداع والكذب .
ممارسة السياسة ليست مبنية على فكر حيوي له أدواته من جهة , وله قيمه من جهة أخرى,بل ممارسة لطروحات وأفكار تقتضيها المصالح والمنافع التي تجنيها مواقفها, دون اعتبار لأي مرجعية قيمية أو أخلاقية بالضرورة,وقد اعتبرها البعض فن الممكن .
وقد أعدم الطغاة طلاب الحرية بشعارات الحرية, وتهجيرالبغاة للآمنين باحتلال أوطانهم تحت شعار حق الحياة الحرة والديمقراطية للباغي نفسه دون خجل أو حياء أو أدنى اعتبار لحق المهجرين والمطرودين بالقوة من وطنهم.
حقا ًإن السياسة التي تكيل بمكيالين,لا تعرف الخجل والحياء,ولكنها تحفل بالوقاحة والرياء والمداهنة وتتقن اتباع الوسائل بغض الطرف عن قانونيتها أو أحقيتها لتحقيق غاياتها ,حتى الآنية منها.
في عصورالانحطاط التي تمر الأمم بها في مراحل زمنية مختلفة, تظهرالازدواجية بوضوح في المعايير في المواقف الفكرية والوطنية التي لا تحتمل سوى منطق وطني خالص في تحليلات أطروحاتها, ويُعتمد ميزان الكيل بمكيالين في الطروحات الفكرية وموضوعاتها.
فيصبح فكرالتحرر من الاستعمارومقوماته ومشروعيته القانونية والحقوقية والأخلاقية ,فكرا ًمنسيا ً يسهل على فكر (التحرر) بقوى الاستعمار لأن يجد منادين به وعاملين من أجله وسالكين سبيله , ومتوسلين حدوثه ,وعندما تقع المصيبة ( تنتصر الثورة !! ) فإذا بالشعارات الثورية وفلسفاتها وفِكرها يتحول تلقائيا ً إلى فِكْرٍ يقودها إلى أنْ تلقي نفسها في أحضان الاستعمار وتستنجد به في الخروج من مأزقها بتكبيل مواردها وخيراتها بالمعاهدات غيرالمتكافئة,وإقامة القواعد العسكرية والاستخبارية التي ظننا أن مرحلة التحرر من الاستعمار قد ألقت بها خلف كواليس التاريخ لتبقى ساكنة مخفية ومخجلة .
وفي الاستخفاف بعقول الناس والتمادي في تفجيرأحقاد وضغائن الساسة وسياساتهم,ينادون بمررات إنسانية في سوريا ,أما غزة المحاصرة منذ عشرات السنين,ويعاني سكانها من الطغيان والتقتيل ما يعانون وهي تقوم بمقاومة عدو محتل وهذا أمرأقرته شرائع السماء والأرض قاطبة,فلم يجرؤ فكرالتعاطف مع القيم الإنسانية على التفكيرفي الدعوة لإقامة مثل هذه الممرات!!.
تبرير عمل اللص الذي يسرق الأغناء ليوزع كل ما يحصل عليه على الفقراء ليس لما في مثل هذا العمل من لمسة حنان تخفف من وطأة الغضب على اللصوصية ذاتها,أوهتافا ً يحي اللصوصية الحنونة وإنما لكون الغاية أن لصا ً ظريفا ً تمكن من الوصول إلى ثروات لا يحققها أصحابها بكمها وكيفها بعمل منسجم بكليته مع القانون ومع حق التملك وجمع الثروة , عادا ً ذلك بالسرقة المشروعة لمال (الشعب )عندما تتجاوز حدود القيم التجارية ,وتخرج عن أساليب جمعها القانونية.
ومثل هذا العمل يبهج الرأي الجماهيري ويلقى الترحيب منه في غالب الأحيان. ما لايمنعه القانون عملا ً لا يعاقب المرءعليه بغض النظرعما قاد أو يقود إليه هذا العمل من خرق لقيم الأمانة والسلوك القانوني القويم؛ وهكذا فإن الكيل بمكيالين في أي مجال وعند إصدار أي حكم أو اتخاذ أي موقف أو ممارسة أي عمل حيث يتم زنة الأمور والغايات والمواقف والأوضاع بمعايير متناقضة ومتباينة ولو كانت متزامنة, يظل خارج أطارالحق والفضيلة والقانون , ويندرج تحت تصنيف الانتهازية .