العنف المجتمعي .. الفساد .. ماذا بقي ؟

mainThumb

13-03-2012 11:16 PM

واحدة من هاتين تكفي لكي نتخلف فكيف بالاثنتين ، والتخلف ليس معناها بالضرورة العودة للوراء او البقاء في الخلف بل قد تعني ايضا ان نمشي ويسبقنا الاخرون. 
 
وربما لم يعد عند الكثيرين مزاج للحديث في التقدم والتأخر لان الايام تأتينا كل صباح بجديد يشغل بالنا ولم نكن قد انتهينا بعد من متابعة ما جاء به امس ، ولحسن الحظ او لسوءه فان ما تاتينا به الايام كل صباح هذه الايام يندرج بشكل او باخر تحت لواء التخلف ، ومع ذلك فان فهمنا وتعاملنا مع موضوع التقدم والتاخر والتطور والتخلف هو المبحث الذي يكون النجاح فيه اجباري والتعامل معه لازم وضروري في منهاج حياتنا .
 
 ذلك لاننا مجتمع يعتمد في متطلبات حياته الاساسية على الغير ، وليس عند اي احد دليل ولو عنتري للاعتراض على مقولة الاعتماد على الغير لان الاشياء التي ندعي بانها من تراثنا ومن صلب انتمائنا اصبحت كلها للغير وفي يد الغير ، خذ الزراعة مثلا والتي هي من ابجديات تكوين مجتمعنا واسأل في الاغوار عن من هو الذي يزرع ومن يجني ومن يرتب حبات البندورة في الصناديق ؟ اليس التخلي عن هذه الاجراءات البسيطة في الزراعة على سبيل المثال هي مظهر صارخ لتخلينا عن مواكبة المتطلبات الحضارية ؟ انا افهم ان تكون صاحب رأس مال وتجلس على كرسي دوار وتشغل اخرين في تنمية رأس مالك ، ولكونك ابن هذان الوطن فلا بد وان تكون وطني فتكون صاحب رأس مال تجلس على كرسي دوار وحولك اخرين من ابناء الوطن في تنمية رأس مالك وتشغيله ، ولست عنصريا للدرجة التي تقول بان من حولك لا بد وان يكونوا من الحارة الفلانية ولكني عنصريا للدرجة التي تقول بان الرسول اوصى بالجار حتى كاد ان يورثه ، ولا انا حتى ضد تشغيل الامريكان في اموالك واحوالك الا اني مع ان تكون سيد نفسك وسيد الموقف وصاحب الراي الاول والاخير وصاحب القرار فيما هو لك .
 
 لكن يصعب على وعلى امثالي فهم ان تجلس في زاوية من زوايا الحياة ويدك ممدودة لمن اسلمته رأس مالك ومهنتك وارضك وسيادتك ليقوم هو بالعمل والتنميه لصالحه الشخصي – وهنا تنتفي الحالة الوطنية وحتى العقائدية – ليجود عليك في نهاية الموسم بما يسد رمقك وان لم يسد رمقك فانك تقف على قارعة الطريق تنتظر مرور موكب الدولة لتحملها المسؤولية في ان تسد رمقك.
 
 ثم تنجب ابناء يعيشوا معك حالة العوز والحاجة المادية والمعنوية المضنية التي لا تنتهي ، ويكبر هؤلاء وفي حلوقهم غصة خصوصا عندما يشاهدوا في الطريق او على الارض المزروعة او حتي في التلفزيون ان الحياة هي في الواقع غير تلك التي يعيشوها وان الاحتياج للحياة الحرة الكريمة هي غير تلك المتاحة لهم ، فيسلكوا الى سبل متعددة معظمها ترسمه ردات الفعل ، فتفتك باحلامهم الغضة وتقتل في عقولهم مقولة الوطن والوطنية ويميلوا اما للعنف واما للعزلة واما للهروب واما للجماعات العطشى للعنصر البشري المحبط ليساعدها في اداء مهامها وتحقيق احلامها التي لم تمت منذ عصر موسى عليه السلام.
 
 ان ما يشترى بالمال رخيص ، وان انتظارنا على ابواب مصادر المال ومقرضوها وموزعوها هو في الحقيقة توقف عن النمو وتخلف عن الركب وهو اصل من صول التخلف والرجعية ، لقد كنا في زمن غير بعيد نقايض السكر في الدكان بالبيض من دجاجاتنا ومع ذلك نهضنا وانجبنا المهندسين والدكاترة والتجار والزراع الذين حملوا الوطن على اكتافهم كل التاريخ الى الماضي القريب، وحينما استبدلنا ذلك الاسلوب الذي كنا نرى فيه الرفاهية وسيلة والاكل وسيلة بحياة همنا فيها اقتناء السيارات الفارهة وبناء البيوت غير المستخدمة في معظمها ، وحولنا الارض الزراعية التي كنا نقتات من ناتج دجاجاتها الى مساكن للحراس ممن استقدمنا لنمارس هذا المفهوم الطارئ على عقولنا وحياتنا انقلب حالنا وتوقف نمونا وسبقنا الاخرون فتخلفنا .. لم استطع ان اقنع نفسي ولا ان يقنعني احد بان عدد السيارات وانواعها في بلادنا ضرورة ، ولا يستطيع احد ان يغير بسهولة من رؤيتي لواقعنا المتردي ولا لمستقبلنا المظلم حينما ارى خمسة من كل ستة مواطنين في شوارع عواصمنا يتحدث في تلفونه الخاص في الشارع وفي الباص وعند الخضرجي وفي الدكان وحتى على مقاعد الدراسة في المدارس والجامعات. وقد حاولت مرة ان اتصور ما يقول كل منهم فعجزت وغلب حماري ، هل فجأة اصبح عندنا امور مهمة واصبحنا نمارس هذا الاهتمام ؟ هل يعقل ان يكون عدد التلفونات في بلد صغير كبلدنا يماثل عدد التلفونات في بريطانيا العظمى؟
 
 ايها الموسرون منا ... انتم قطعا تعلمون ان اكلكم وشربكم وملابسكم وعلاجكم واماكن معيشتكم وسياراتكم هي اشياء ليست اصيلة .. وان فاتورتها مدفوعة على حساب فواتير اخرى للناس، ان هذا الكم الهائل من استيراد المواد الترفيهية يعلى شان الموردين وينقص من شان المستوردين عندما لا تكون الموازين التجارية متوازنة ، وهذا ما يضعف الوطن ويقلل من شأنه مهما سادت العنتريات في رؤوسنا ، ان قيمة الاوطان الاخرى تكمن في انها اما تاكل مما تزرع وتشرب من عرق جبينها او انها تملك ان يكون لها يد عليا عندما تجلس على كرسي دوار وتسخر الاخرين لخدمتها ، خذو مثلا امريكا لديها القوة والارض الخصبة والسكان والغنى ، واوروبا كذلك ، خذوا مثلا في المقابل اليابان فان لديها العقل والتخطيط والتصميم والصبر والذكاء ، فاين نحن بين هؤلاء وهؤلاء ؟ 
 
ان بناء الاوطان على ايدي ابنائها وان تكون اوطان مستعصية على الاختراق وسيطرة الاجني واستعماره هي الشرط الوحيد لبقاء ذلك الوطن وبقاء النعمة وبقاء الناس الاحرار العالي الهمة ؟ ايها المعوزون منا ... الارض لكم والوطن لكم والابناء لكم وليس بالفلوس فقط يحيا الانسان ، كان الرسول عليه الصلاة والسلام يربط على وسطه حجر ان جاع ، وكان رسول وبقي رسول ومات رسول وكذلك صحابته واتباعه ، الانتماء للوطن وتحقيق غايات المعيشة الشريفة هي الاصل في منع التخلف وبالتالي منع العنف المجتمعي والفساد ، نحن احق الناس بهذا الوطن ونحن اولى الناس بان نضمن له مدخلات النظام الامثل من قناعة وانتماء وفكر وتطوير ونحن نعلم ان فيه من المنح الالهية والخيرات ما يكفي لنا ولاولادنا من بعدنا ، وذلك دليل على عطاء الله وعدله . ان تربية ابناءنا على العز والفخار وعلى ان اليد العليا خير من اليد السفلى وان الصغير يرى كل الامور كبيرة اما الكبير فانها يرى حتى الامور الكبيرة صغيرة لانه قادر على تطويعها ولي رأسها وربط لجامها. 
 
وان عظمة الانسان تبدأ من عقله وليس من لسانه ولا من ذراعيه ، وان العصبية هي الانتماء للوطن وللامة وللتراث وليس لاي شيء اخر بل ان اي شيء اخر هو جاهلية لا تاخذ معتنقها الا الى التخلف وان يكون بذرة مناسبة للفساد والافساد. فلنبدأ من عند انفسنا وليقنع كل واحد منا نفسه بانه لا بد ان يكون عون للوطن وليس عالة عليه. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد