شكلت الثنائيات اللغـوية المستخدمة في المصطلحات السياسية وفي العلوم الاجتماعية وفي المناهج الفلسفية والفعاليات الاقتصادية والأدبية والثقافية ,ركنا ً احترافيا ً في أبنية الموضوعات التي تتطرق إليها بالوصف والتحليل , وفي الحوار والنقاش الذي يسجل بين مختلف أفكارها وبين مدارس كل منها التي نهجت الأساليب البرهانية والإقناعية التي تثبت المرجعيات الفكرية لكل علم من علومها أومنهج من مناهجها أو فعالية من فعالياتها أو قصيدة من قصائدها أو مقالة تعالج قضية من القضايا العامة أو الخاصة.
وتصنف هذه الثنائيات عادة إلى صنفين رئيسين, تؤسس على كل منهما معان ومفردات ومصطلحات حوارومفاضلة ومقاربات أو مفارقات قياسية .
وهذان الصنفان هما : الثنائيات المتوافقة ( أو الثنائيات التوافقية), والثنائيات المتناقضة ( أو الثنائيات التناقضية ). وما يقع بين هذين الصنفين يقع في غالبه عادة في خانة التمويه والخداع , والانتفاع غير المشروع من المفردة أو المصطلح المسخر في التعبير عن الحالة الخاضعة للنقاشالتي تحظى باهتمام عام.
ومن الأمثلة التوضيحية على التوافق في المفردات الثنائية ومصطلحاتها القول : الحب والوفاء , الخير والعطاء , الحرية والعدالة , الرفاه والسعادة .... ومن الأمثلة على الثنائيات المتناقضة القول : الخير والشر, البناء والهدم , السعادة والبؤس , الغنى والفقر, الحب والبغضاء ,............. وفيما بين هذين الصنفين يقع أحيانا ً خلط في الصياغات البنائية واللغوية فيما يكتب ويقال في بعض الموضوعات المختلفة وحولها التي تتحدث على سبيل المثال عن الديمقراطية في مقابل الدكتاتورية .
ومنشأ هذا الخروج على تصنيف الثنائيات الوارد فيما تقدم ,أن الدكتاتورية ليست مقتصرة على حكم الفرد الذي ينتفع من حكمه نفريؤيدونه ويحمون وجوده بعدة تنظيمات ومؤسسات أمنية تعمل كل منها منفردة و لا تثق ببعضها, وتتولى كل منها التفنن في أساليب التنكيل بالمعارضين وعقاب غير الراضين عن الحاكم وسياساته .
وليست الدكتاتورية متفردة في حكم البروليتاريا,أوأي طبقة أجتماعية أو فئوية أو طائفية أو نخبوية, وإنما تمتد لتشمل الأنظمة الهلامية المدعية الديمقراطية المبنية على قاعدة الأغلبية – الأقلية البالية التي تتعارض مع أقدم المبادئ الديمقراطية وتتناقض مع أبسط معانيها .
وقد أخذت المفاهيم الديمقراطية ومعانيها وأنماطها حقها من التطورالمنسجم مع حرية الإنسان ومع إرادته التي لا يمكن لغيره أن يعبرعنها ومع كافة حقوق كافة فئات المجتمع دون استثناء, ومكوناته دون تهميش أوإبعاد بصرف النظرعن حجمها أو لونها السياسي,أواعتقادها الديني أو انتمائها العرقي أو الثقافي.
وهكذا نجد أن السياسي يمكنه أن يتفنن في ممارسة الدكتاتورية بأشكال خادعة عديدة لم تعد تنطلي خدعها على أحد بعدما أصبحنا في عصر تتوفر فيه المعلومة لكل من يرغب بها أينما كان عن أي مكان في العالم كله , وعن أي مرحلة تاريخية سابقة , وبادعاءات فقدت مصداقيتها وأفلست في مرجعياتها الجماهيرية والتعبوية , ولكنه , أي السياسي لم يعد قادرا ً على الخداع الديمقراطي أوالتستر خلف ممارسات ديمقراطية شكلية أو صورية , وقد فاقت قدرة الوعي الفردي بذاته وبدوره قدرة الصياغات العقائدية والدعايات الإعلامية التلميحية منها والتصريحية حول ما من شأنه أن يغير الوقائع ويفبرك الأحداث, ويضلل المواطنين.
الخداع السياسي الذي تمارسه أحزاب ونخب ومنظمات , لم يقوعلى تغطية أساليب التسلط والتحكم في مصائر الناس وفي بتربعض من حرياتهم الفردية,ليتمكن من السلطة التي ظلت تداعب أحلامه بالبقاء فيها إلى آماد بعيدة تطال أجيالا ً يخلّفها لتستمرعلى نهجه , متتبعة خطاه , وذلك بادعاء الديمقراطية لاكتساب الشرعية , والحرص على مصالح الناس لاكتسلب رضاهم, فليس أحرص من الفرد على مصالحه, وليس أصعب من نيل الرضى بالغش والخداع.
الديمقراطية في بنيانها التطبيقي والقيمي وفي ارتباط منظومتها بمنظومتي الحرية والتعددية , هي,بكل تأكيد, نقيض الإمبريالية وأساليبها ومدلولاتهاوسياساتها التي تخطت في أطرها كل المعاني الطيبة والخيرة للديمقراطية وتجاوزتها.
فالإمبريالية سياسة نخبوية تسيطرعلى شعوبها بمنحها مساحات أوسع من الحرية,وتخدعها بنهب خيرات الآخرين بالقوة والطغيان لتسعد شعوبها وتغني أثرياءها على حساب إفقار الشعوب المبتلاة بها, وتدعم حكم الطغاة وتحكم النخب الفاسدة في مستقبل الشعوب المبتلاة بها وبمصائرها.
وهي بذلك تتناقض في أساليبها وفي أهدافها مع الأساليب الديمقراطية بكل مجالاتها, وتتناقض قيمها أشد التناقض مع كل القيم الديمقراطية وعناصرها . والدليل البالغ البيان والوضوح على ذلك سياسات الدول ذات التاريخ الاستعماري والمناهج الإمبريالية في إلحاق الظلم والخراب في دول عديدة , وما تزال بلادنا تعاني من قسوتها ورعونة أربابها.
فمن منا يحتاج إلى تسميتها , ولا يعرف ما ألحقته بنا وبثرواتنا , وبمستقبل أجيالنا من مآس وما زالت !؟؟.