سلطانا إفساد القيم والضمائر

mainThumb

07-02-2012 02:14 PM

أشكال الفساد التي تجاوزت قدرة القوانين على اصطيادها , تنوعت أساليبها لتستعصي على تتبع مصادرها ومنابع أفكارها ووسائلها, ونشهد انتشارها الواسع في مختلف المجتمعات وعلى كل المستويات , وتعددت أشكالها فأوقعت الأغبياء في حبائلها وحثت بعض الذكاء إلى مهاوي الانحراف والتكسب غيرالمشروع,مصدر هذه الأشكال كلها ينبع من سلطان القوة , ومن سلطان المال , فكيف إذا اجتمعا في يد واحدة ؟ وأتيحا لجهة واحدة ؟؟.

 سلطان القوة يدفع إلى شهوة التسلط بالقوى الأخرى التي لا تدانيها في القوة , والتحكم بمصائر الآخرين ومستقبلهم ,وتفرض عليهم مبادئها وثقافتها وتعاليمها , وترسم لها مسارات حراكها ويربط مصيرها بما يحقق للسلطان منافع ذاتية ويزيد قوته قوة ويمعن في إضعاف الآخرين وإفقارهم.

 سلطان القوة يسعى إلى حل المشكلات بالتهديد والوعيد , والتخريب والتدمير,والتأديب والتخويف كوسيلة لا يتقن سواها في الحفاظ على مصالحه, ويخاطب الآخرين مخاطبة السيد للعبد ويسلك أسلوب مناداة مالك الأرض للقن , وحوارالضعيف مع القوي في حين أن صراخ الضعيف يذهب في واد عميق يمتص الصوت ويخفي صداه . 

سلطان القوة يطغى على أي سلطان سواه , فلا سلطان العقل يقوى على المنافسة أو المواجهة أو المناكفة , ولا سلطان القيم الإنسانية بما فيه من مجالات اختيارات حرة للخير والسكينة والسلام يجرؤ على المحاكاة أو المجادلة أو النصح فكيف بالردع لنوازع سلطان القوة الذي تملؤ ثناياه نوازع الشر وبواعث العدوان والطغيان واستماء إذلال الضعيف وإهانته. 

حصانة القوة ومتانة أذرعها وأدواتها وفعالية وسائلها ,منوطة كلها بالتزام القوة في السير خلف القضايا المحقة وليس أمامها ,وفي ضمان التواصل والحوار بين كافة الأطراف للوصول إلى حلول مرضية ,لا اختزالها بإرهاب أحد أو القضاء عليه أو تهميشه وإضعاف قدرته على ممارسة حقوقه المشروعة أو المطالبة السلمية بها.

ويكمن تسامي القوة في التقيد باللجوء إليها لمواجهة الأفعال الشيطانية , والممارسات الخبيثة التي تلحق الحيف والظلم وتعتدي على حريات الآخرين وانتماءاتهم العرقية أو الثقافية أوالمذهبية. 

والمقاربة بين قوة السلطان وبين سلطان القوة تستدعي الامتثال الصارم, امتثال السلطان بواجباته دون تعد أو تخط لحدودها تحت أي ظرف كان ولأي سبب خارج عن نطاق سلطته.

ويفقد السلطان قوته الأخلاقية والأدبية بفقدان قدرته على الابتعاد عن سلطان القوة في هضم حق أو إجبارأحد أو إلزامه بغير قناعاته ومخالفة رغباته.

 المال منذ استعان به الإنسان على تأمين احتياجاته من الآخرين في داخل مجتمعه أوخارجه, عُد منذ ذلك الزمان وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها , ولم تكن في عداد الغايات الإنسانية سوى ما طغى على عقول البخلاء والضعفاء من مخاوف يبررون بها عبادة المال, فلا تسكن لهم نفس بالهدؤ والروية , ولا يشبع فيهم نهم من الوهم الذي يسيطرعلى تفكيرهم باقتناء المال بأي طريقة وبأي وسيلة دون اعتبار لأي قيمة إنسانية تتمثل في الكرامة الإنسانية وفي عزة النفس وحفظها من الإهانة التي يلحقها فقدان الكرامة بها.

فبيع النفس بالمال مذلة لا تجدي كل المحاولات المادية والمالية في التبرؤ منها أو محو آثارها والتخفيف من إذلالها . وما تحول المال إلى غاية عند المرابين الذين لعنتهم السماء ومع ذلك لم تحرك هذه اللعنة أي جزء ضئيل من ضمائرهم ,إلا دليل قاطع على استسلام الضمائر وموت الحيوية الخلقية في تلك النفوس. 

باعوا أنفسهم للمال ولم يستطيعوا شراء سوى حب المال لذاته لا لتحسين مستوى حيواتهم ولا اكتساب الحد الأدنى من احترام يشعرهم بذوات غيرتلك المترصدة لحاجات الناس للتكسب منها وعلى حسابها. 

الذين يبيعون مواقفهم وقدرتهم الثقافية وأقلامهم الصحافية مقابل المال, لا يعنيهم الالتزام بمن يدفع , بل بمن يزيد من كم الدفعات ومقاديرها. فهم بذلك لا يحترمون عهد ولا يتقيدون بموقف, فلا هم يحترمون من يدفع لهم ولا يحترمهم من يدفع , وهذه دوامة من العلاقات التي ألحقت بالقيم مثالب ظلت علامات دائمة من علامات المواقف االمتعدية على حيوية الضمائروالمخلة بواجباته ( أي الضمير) الأولية. 

زعامات مالكي المال السياسية والاجتماعية تظل في مراحل زمنية لا تتعدى قدرته على استمرارالدفع لكل موقف من أي قضية يكون طرفا ً فيها,فإن ضعفت هذه القدرة انهارت كل ركائز زعامته وأسبابها ومبرراتها التي سرعان ما تندثر من ذاكرة الناس.
 أما الزعامات النظيفة الملتزمة القيم بضمائر حية تظل في عبق التاريخ مزهرة وفي دروس التاريخ مرجعية, ومن أهم صفات تلك الزعامات رفض شراء المواقف والآراء واحترام الذات الإنسانية تبادلها الضمائر الإنسانية المحبة واللاحترام والاقتداء. 

وقد شكل الاقتداء بالزعامات الفكرية والسياسية والاجتماعية الملتزمة القيم الرفيعة أهم مناهج الدروس التاريخية وعبرها, ولم توجد ذكرى لزعامة اشترت بمالها من يقف إلى جنبها أو يؤيدها.وكما هو الحال ,فإن من يشتريك بماله سهل عليه بيعك ولو بخسارة مالية!.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد