وأخيرا جاءت زيارة حماس كما الولادة المتعسرة كان موعدها بذاته لغزا وقصة اختلفنا على مقدماتها مثلما اختلفنا على نتائجها تلوع الكثيرون لتتم وخاب امل الكثيرين بعد ان تمت ومن كان حمساويا صور البلد قبل الزيارة وكأنها في ورشة عمل ضخمة وان كل اجهزة الدولة تعمل لإتمام الزيارة وإنجاحها وأن حدثا تاريخيا ينتظر الاردن والاردنيين –وما اسهل وصف تاريخي لدينا- وحماس لمن لا يعرف تكاد تكون مولودا اردني النشأة والرعاية وقادة حماس الخارج ما زالوا اردنيون حريصون على جنسيتهم الاردنية مثل القادة الفتحاويين او أشد حرصا وكلا الطرفين يدعيان الأن أنهما يمثلان الحلم الوطني الفلسطيني لكن يبدو أنهما تقاسما بقايا وطن ورضي كل بنصيبه.
لو عدنا قليلا الى صيف عام 99 وتذكرنا ما حدث بين الدولة الاردنية وفصيل حماس الذي يشبه الحزب وليس بحزب وهو يكاد يكون أردنيا وليس بأردني وهي الان دولة وليست بدولة فجأة ودون سابق انذار تكتشف الحكومة الاردنية أن هناك حركة غير اردنية يقودها مواطنون يحملون الجنسية الاردنية تعمل على ارض اردنية وتعتبر هذا تجاوزا للسيادة ليتم اغلاق مكاتبها التي كانت متشابكة مع احزاب اردنية ويتم تخيير قادتهم بين التخلي عن الجنسية مع الاستمرار في صفوف الحركة او البقاء بصفتهم مواطنين اردنيين والتخلي عن مواقعهم في هذه الحركة في هذا الوقت دخلت القيادة القطرية الشابة والجديدة آنذاك على الخط لتقنع الطرفين بخروج قادة الحركة الى قطر وكان ملف حماس يمثل بداية النهج القطري الحالي في التدخل في ملفات كثيرة شائكة.
في ذلك الوقت كانت حكومة الروابدة هي التي اتخذت القرار وكان الوزير القلاب هو حائط الصد في تلك الازمة وتفاقم الموضوع ليصبح موضوع حماس نفسه أقل اهمية من خراب العلاقات الاردنية القطرية وبعد قليل "تستقيل" حكومة الروابدة ليتفاءل البعض بعودة الامور الى ما كانت عليه بل ان البعض كان يظن ان الروابدة نفسه وراء هذه الازمة وأذكر أن جاءني أحدهم يطير فرحا بنهاية حكومة الروابدة ويعتبر أن لعنة حماس قد اطاحت بها فقلت له هل تظن أن القصر صحا ذات صباح على وقع ازمة بين الحكومة وقادة حماس وقد تفاجأ بترحيلهم الى قطر! مع ملاحظة ان حكومة الروابدة كانت معمرة بمقاييسنا الاردنية.
منذ بداية تشكيل الحكومة الحالية صرح السيد الخصاونة بأن هناك خطأ دستوريا وقانونيا في موضوع حماس تحمس الجميع مناوئين ومناصرين لمعرفة كيف كان ذلك ؟وممن وقع ؟ وكيف يعالج ؟ولكن بعد هذا التصريح اليتيم لم نسمع جديدا وغابت الحكومة ورئيسها عن الموضوع بل أن الرئيس الروابدة رد بانه يجب اصلاح هذا الخطأ الدستوري فورا ومن يعرف الروابدة يدرك تماما قصده الذي لا يخلو من التحدي والتلميح بان القصر نفسه كان له علاقة مباشرة بتلك الاجراءات التي اتخذتها حكومته.
هذه النقطة الاخيرة كانت ابرز واوضح ما جرى خلال الزيارة اذ ان القصر نفسه وموظفيه وربما بعض الاجهزة الاخرى هي التي صاغت شكل وتفاصيل الزيارة وغابت الحكومة تماما عن الموضوع وربما بسبب تلك التصريحات ويؤكد ذلك من جديد ان القصر الأن كما في السابق كان بنفسه يصيغ شكل وطبيعة العلاقة مع حماس وغيرها معتبرا حماس فصيلا فلسطينيا لا يجب ان تأخذ العلاقة معه اكبر من حجمها وأنه لا تجاوز للسلطة الرسمية في رام الله.
وعلى الرغم من ان معظم الأردنيين يؤيدون نهج حماس ويقدمونه على نهج سلطة فتح في رام الله الا أنني ارى أيضا أن تأييد هذا النهج مرهون بالعمل في الساحة الفلسطينية وانه حتى في اعرق الديمقراطيات لا يسمح لفصائل او احزاب غير مسجلة وطنيا ان تعمل ولا يسمح لمواطنين أن يتزعموا هذه الفصائل .
ما اثار اهتمامي التحليلات التي كتبت على خلفية الزيارة فيحلو لبعضهم ان يصفها بالتاريخية كيف ولماذا؟ علمها عند المحلل! والبعض اعتبر ان حماس هي التي ستدفن الوطن البديل علما بأن هؤلاء أنفسهم كانوا ينكرون وجود فكرة الوطن البديل أصلا ويعتبرونها فزاعة من بنات افكار "اليمين الاردني الليكودي" المتطرف بل تنبأ البعض أن الزيارة ستطيح بالحكومة علما بأن الحكومة صار عمرها خمسة أشهر أي انها تخطت منتصف العمر وفق المقاييس الاردنية الفريدة بل ان الرئيس الخصاونة لم يترك عمله السابق نهائيا بل اخذ اجازة تفرغ وربما لسنة لا اكثر وهذا دون شك له دلالته ولن نتفاجأ بشيء لأننا لم نرى حكومة اردنية تعمر اكثر من هذا بغض النظر عن أداها فضلا عن انه اذا جرت الانتخابات خلال هذا العام يعني ان ذهاب الحكومة مؤكد في غضون اشهر قليلة ونتمنى أن يكون سقوط أي حكومة بأسباب اردنية فقط اما ترفيع مدير المخابرات العامة الى رتبة فريق فقد كان بسبب الزيارة ومكافاة على انجازها!
اجزم أن كل مدير مخابرات او مدير امن عام عين في السابق وهو في رتبة لواء لم ينتظر طويلا ليحصل على الرتبة الاعلى بعيدا عن اية تأويلات.
ما يؤخذ على المحللين العرب انهم يسقطون ما بدواخلهم على تحليلاتهم أو أن هذه التحليلات ترتبط برغبات الجمهور وليس بالحقيقة يذكرنا ذلك بمقولة "الجمهور عاوز كده" التي افسدت أذواق الناس وكثير من الكتاب يكفي أن تقرأ له العنوان لتعرف فورا اصطفافه واتجاهه وفي مرات كثيرة وجدنا ان الامور تنهار وما زال المحلل الذي لا يشق له غبار يشرح لنا كيف سننتصر ونهزم العالم كله حدث هذا في اكثر من مقام بدءا بالشأن العراقي بداية هذا القرن.
وقد فرض علينا الاعلام العربي وبصورة مستبده بعض الوجوه واصبحت علينا كمقررات مدرسية فهذا المحلل العسكري القدير وذاك المفكر العربي الكبير وذلك الباحث الاستراتيجي المستنير.
نعود للزيارة واقول وليس من باب التحليل بل من خلال قراءة ما نتج عنها اذ لم ينتج شيء انها لم تكن اكثر من مجاملة خاصة بالجانب القطري لا سيا بعد ظهور بوادر تحسن في العلاقات الثنائية بالتقاء مواقف الطرفين في ملفات الربيع العربي بدءا بليبيا وليس انتهاءا بسوريا علما بأن موضوع حماس لا يشكل اولوية ايضا للقيادة القطرية التي تنشغل هذه الايام بكثير من الملفات على راسها الملف السوري أي باختصار لم يعد ملف حماس في أولويات الطرفين.
يمكن لحماس أن تلتزم العمل في الداخل الفلسطيني وأن تنجز مصالحة فلسطينية تزيد في اهميتها عن أي موضوع أخر فما دامت اختارت السلطة فلن تفلت من استحقاقاتها والأردن اليوم يسعى جاهدا الى إعادة قناة المفاوضات ويعتبر ذلك مصلحة عليا وإذا أرادت حماس أن تناءى بنفسها فلتبقي على طريق طهران سالكة حتى حين.