ليس عصيا ً على الفهم أن ينقسم المهتمون بالسياسة والتحليل السياسي والكتابة الصحفية بين مؤيد للنظام السوري يبشر الناس بأن النظام باق , وبين معارض توقع زوال النظام أكثرمن مرة وبأكثر من مناسبة دون جدوى على الرغم من النذير الأميركي بهذا المصير.
وفي الموقف الأممي من النظام السوري نجد الحشد الأميركي – الأوروبي النشط دون كلل ودون توقف عن الدعوة إلى إسقاط النظام بمشاطرة تركية ومباركة متأخرة من الجامعة العربية!.
فإذا أردنا أن نحتكم إلى المرجعية التاريخية للمعادين لسوريا والعاملين على إدامة الأزمة التي تمر بها ماديا ً وسياسيا ً ومعنويا ً وعسكريا ًنجد أن هذا العداء يأتي في سياقه التاريخي المتوقع والمؤمل من مواقفها تجاه أي نظام يستعصي على الرغبة الأميركية في الاستجابة التلقائية لسياساتها , ومع العراقة السياسية بدوافعها الامبريالية الغربية – الأميركية , والإصرارعلى التفرد في قيادة العالم إلى حيث تشاء مصالحها.
ولم تكن في يوم من الأيام العلاقات العربية الأميركية بالتحديد والعلاقات العربية الأوروبية بشكل عام لدول الخليج العربي وبعض الدول الآخرى إلا في تواد وتناغم وتنسيق وقبول مساعدات في مختلف القطاعات , وقد خاضت أميركا الحرب على العراق بالأصالة عن نفسها وبالنيابة عن بعض هذه الدول العربية فكانت تجربة قاسية على كل المنطقة.
أما الخلفية التاريخية للمؤيدين لسوريا , فهم باستثناء ايران , حركات شعبية وأحزاب سياسية وعقائدية ومفكرون قوميون لم يجدوا ما يبررتعاطفهم مع أي موقف أميركي في أي بقعة من العالم ,فكيف بهم لا يستاؤون من دعمها اللامحدود وبلا قيود للاحتلال الصهيوني لفلسطين , ويلتقون في ذلك مع الموقف الإيراني من الاحتلال,وبعضهم يرى في العداء الأميركي لإيران مدعاة للوقوف إلى جانبها في صراعها هذا.
التراث الوطني الروسي كالتراث الوطني العربي وكتراث أي أمة الوطني, تراث كاره لسياسات الهيمنة والغطرسة والتسيد المدعوم بالقوة العسكرية وضراوة أساليبها وتنكرها لأبسط القيم الإنسانية في حق تقريرالمصيرالمتصالح مع حرية القرار السياسي والرافض لبطش القوة وسلطتها الظالمة .والاتحاد الروسي ذو التجربة التاريخية الحديثة بمثل هذه القضايا وباستخلاص الدروس بعقلية ذكية ومتفهمة للدوافع التحررية لشعوب الأرض وأممها , وباستعادة توازن قواها الذاتية بفترة قياسية بعد انهيارالاتحاد السوفياتي ,يستحق من التحليل الموضوعي والمتزن,أي التحليل الذي لا تقف خلفه دوافع عقائدية أو سياسية معادية بحق وبغير حق أو أحقاد وضغائن ولدها العجز عن المحاكاة ,أن نفترض أن الاتحاد الروسي يعرف تماما ً أين تقع مصالحه, ويعي بقدرة عملية كيف يصون هذه المصالح , وكيف يدافع عنها , وكيف يراعيها بوضوح وجلاء صلبين.
هذا أقل ما يمكن للعقل المنفتح أن يقر به لتجربة دولة قوية وهامة ومحورية في توجيه دفة الأحداث في العالم, ويمكن لنا الاستعانة بها كي نحقق التغيير والتقدم نحو امتلاك ناصية القوة الذاتية الذي لا تجابهه معيقات قاسية تحرم علينا تحقيقه كما تفعل الصهيونية وداعميها الأساسيين الدائمين.
وإذا غضضنا الطرف عن الخلفية التاريخية للصين الدولة العظمى بتراثها الفكري, وبخبرتها السياسية,وبإنجازاتها الاقتصادية,وبهدوئها المقتدر في اتخاذ القرارات التي تتحدى بها سلطان القوة الذي لا يدانية في سوئه ومهازله سوى سلطان المال ,وذلك لأن أحدا ً لم يقترب من هذا الموقف الداعم لسوريا بقوة الدعم الروسي ودوامه ,الداعي إلى ترك الأمر في حل الأزمة للسوريين أنفسهم وهو منطق يقع من يتجاوزه في خانة يصعب عليه تفسيره دون الاستخفاف بعقول الناس وبوعيهم وبذكائهم.
نقول إذاغضضنا الطرف عن الموقف الصيني, نستغرب هذا البعد الذي أخذ به بعض الساسة والمحللين العرب بالتحديد والكتاب الصحفيين في حرصهم على مصالح الاتحاد الروسي, وفي معرفتهم لهذه المصالح بأفضل مما يعرفه الروس أنفسهم,ويصفون الموقف الروسي تارة بالتعنت والتصلب وأخرى بالمؤقت ( الذي يمكن شراؤه!), وينحدر بعض الرأي من مفكرين وسياسيين كان لهم شأنا ً في الحياة السياسية ومازال مثل هذا الشأن في بلادهم إلى اتهام الروس بأنهم مجرد تجار سلاح, ومناورون على حساب القضايا العربية ( ولنتصور حرص إميركا على قضايانا !!!), وذهب بعض ( الثوار !!؟؟) السوريين إلى تطمين الروس على مصالحهم في سوريا إذا وافقوا على سيناريو ليبيا!في تغيير النظام .
هذا عداك عن الاغراءات المالية والمادية التي تم عرضها على الزعماء الروس والتي ستكشف الأيام عن طريقة الرد عليها وعلى أصحابها.
جل ما نريده نحن المواطنين أن تحترم الأراء في الأحداث التي نشهدها عقولنا , وان تقدر الطروحات الفكرية حول ما نعايشه من تزاحم فكري, معرفتنا بما يدور حولنا, فاحترام الآخر من احترام الذات , وافتقاد الموضوعية يضيع حقوق " القضية العادلة " , ومن يحتاج النصح عليه أن ينتظر النصيحة ممن هم أدرى وأكثر خبرة في الشأن الدولي وفي صراعاته وأعمق في فهم العلوم السياسية ومداخلها ومخارجها في القضايا الدولية .