حقيقة التوكُّل يقول تعالى :"إنَّما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وَجلت قلوبُهم وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربّهم يتوكلون", الانفال آية 2 حصر الله سبحانه وتعالى
الايمان بأمور منها "وعلى ربهم يتوكلون " ,فحقيقة التوكل هي الايمان بأن كلّ الأمور تُوْكَلْ إلى الخالق الكبير جل جلاله وَردِّ كلِّ أمرٍ إليه سبحانه وتعالى , وعكس ذلك هو بعدٌ عن اللجوء الى مالك مقادير الأمور , ومعناه عدم التوكل واشراك غير الله من بشرٍ أو أشياء مع الله بحل الأمور .
أمرنا الله بالتَّوكُّل عليه وخاطب المؤمنين بذلك حين قال سبحانه في الآية 11 من سورة ابراهيم:"وعلى الله فليتوكل المؤمنون" نلاحظ من هنا أن من لا يتوكل على الله فليراجع المنسوب الايماني عنده فهو يحتاج الى عرض ايمانه امام نفسه.
ولنتذكر دوما هذا الحديث الذي بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن التوكل هو الحل في كل أمورك العالقة كالرزق والعمل والوظيفة وكافَّة شؤون الحياة , وعَرَضَ فيه أن ابسط المخلوقات فيها عبرةٌ لنا بحسن التوكل ,قال عليه الصلاة والسلام:"لو أنكم تتوكلون على الله حق توكُّله لرزقكم كما يرزق الطَّير تغدو خماصاً وتروح بطاناً ", رواه الترمذي عن عمر الفاروق رضي الله عنه, في هذا الحديث خطاب لمن يتَّكل على الوظيفة وينسب إليها سبب الرّزق أو على عقاراته أو على شركاته أو على بساتين يزرعها ,خطابٌ لهم ليتفكروا هل للطير راتب شهري او وظيفة او شركات او تقاعد ضمان او بستان يعطيه على حصة مثلا؟؟؟!! الجواب لديك أنت والكلام فيه عبرة لمن لا يتوكل على الله ...
التوكُّل في كل الامور سببٌ لارتباطك بالخالق مباشرة وهذا ما فهمه الصحابة الكرام من النصوص القرانية وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام فكانت آية :"وتوكّل على الحيّ الذي لا يموت"الفرقان 58 كانت مترجمة عمليا في حياتهم ولا ياخذوها تلوُّناً بالأذهان بل واقعاً مباشراً في حياتهم معظمين أمر ربّهم ومُعْلين لِشأنِهِ في كل الامور ولا يخافون لومة لائم بالحق متَّكلين عليه. هذه حقيقة عقديَّة وبنفس الوقت علَّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن الأخذ بالأسباب من التّوكل ولكن ننفي عنها انها مصدر حل المشكلة او مصدر العطاء لحاجتك. ولكن كيف التوفيق بين الأخذ بالاسباب والتوكل حتى لا نقع في اخطاء عقدية إما عن جهلٍ لنا بالأحكام أو عن عمدٍ بتغاضينا عن حقيقةٍ إيمانية تقتضي بأن ننسب الأشياء لله وننفي عن الأسباب حتى بعد أن نأخذ بها كيف هو توضيح ذلك؟ عندما جاء رجلٌ إلى النبي عليه الصلاة والسلام طالباً منه أن يدعوَ له بأن يشفي الله جملاً له قد أُصيب بمرضٍ ما , فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:"ارفق دعائي بشيء من القطران" في هذا توكيد من النبي على الصحابي ان يتوكل على الله بأنه سيُشفي له حصانَه , ولكن بنفس الوقت طلب منه الأخذ بسبب العلاج وهو القطران ,لماذا ؟لان الله (جل جلاله وله المثل الاعلى )ليس بطبيب سيقوم بمعالجة مبا شرة لأي مُحتاج له إما بالمرض او الوظيفة ليتدخل كواسطة مباشرة فيها ـ علماً أن الله قادرٌ على كل شيء ـ ولكن المعجزات للأنبياء وليس لكلّ انسانٍ عادي سيرى خوارق تحدث معه ,بل الله يطلب منك أن تأخذ بالأسباب لحصول الاشياء معك ولكن تنفي أنها هي السبب لإعطائك ماشئت , بل الله هو المعطي فنأخذ بالاسباب وننفي أنها هي التي قدمت وحلّت المشكلة بل الله هو من قدم وأعطى وشفى ورزق وليس السبب هو من فعل .
هناك مقولة عند العلماء العاملين يقولون / عدم الاخذ بالاسباب كفر وردُّ الأمر اليها كسبب شرك/ لان الله وحده المتصرف بالكون , وليس للأسباب شأنٌ في تغيير حالك الا انه يتوجب عليك أن تأخذها لأن الله طلبها كوسيلة تستعين بها للوصول الى اليقين أن الله هو المتصرف في كل أمور الكون.
إذن مختصر القول في النهاية هو أن الأخذ بالأسباب واجب والنَّفي عنها واجب لأن الإثبات لله فقط والتوكل على الله يجب الأخذ فيه بالأسباب , كمن يريد أن ينجب فعليه أن يتزوج فالله (مع قدرته على ذلك) لا يعطي ولداً بدون زواج ولكن هو المعطي وليس الزواج أو العملية الجنسية بين الزوجين بل الله هو المعطي والزواج سبب نأخذ فيه وننفي عنه انه المعطي ولا نقِسْ على حالة مريم أن الله أعطاها عيسى عليه الصلاة والسلام بدون زواج فهذا للانبياء لانهم يحتاجون من الله ما هو خارق للعادة ـ أي المعجزة ـ لقوة حجتهم أمام من ينكر دعوتهم اللهم اجعلنا من المتوكلين عليك ولا تجعلنا ممن يشرك بك شريكاً بعلمٍ أو بدون علم ..آمين يا رب المتوكلين