ثرثرات ديمقراطية من لا ديمقراطيين

mainThumb

21-01-2012 03:31 PM

 المتابع لما تكتبه الصحف العربية الصادرة في مختلف الدول العربية ,من تعاليق وتحاليل لما يجري من أحداث في الدول العربية اقتصادية ,سياسية , ثورية ,تمردية , انتفاضية, وكل من يتابع محللي ومفكري المحطات التلفزيونية على مختلف مشاربها وانتماءاتها الفكرية وولاءاتها السياسية , لهذه الأحداث , لا يستغرب التناقضات في محتوى ما يُكتب وما يُقال , والاختلاف البيّن في أسبابها وفي دوافعها وفي ما ستؤول إليه من مخرجات على دولها بشكل خاص وعلى المجموعة العربية بشكل عام.

ويمكن , دون عناء ,تقسيم الاتجاهات العامة الفكرية والعقائدية التي تتناولها هذه التحاليل والتفاسير والتوقعات إلى مجموعات ثلاث :

 المجموعة الأولى : وهذه المجموعة المعادية أصلا ً للأنظمة السياسية بغض النظرعن فلسفة الحكم فيها , أو المنهج الإداري ومنطلقاته السياسية , كون هؤلاء المفكرون والمحللون ملتزمون إما تنظيميا ًأوينتمون إلى عقائد مذهبية مسيسة يعتقدون بصلاحها فقط للحكم ولا ترى فيما عدا مناهجها السياسية والمعتقدية سوى مفاسد ومظالم يجب إزالتها والحلول محلها,على الرغم من أن التجارب التاريخية القريبة لا تبرئ هذه القوى من تضييق في مساحات الحريات الفردية , واستمراء الرعاية الأبوية للمواطنين والمقيمين , وتفضيل فئات على غيرها, وتصنيف الفضائل بمنظورهم الإيماني, وتمييز بين المبادئ والمعتقدات لا تلتقي بأي حال من الأحوال مع مسببات استقرار المجتمع والتقرب من مبادئ العدل أو التجرؤ على التغني بالمساواة لأن فيها ما لا يتماهى مع الوقائع االسياسية العملية والمناهج التطبيقية التي يرون فيها طريقهم إلى تحقيق أهدافهم . 

فالمساواة في أبسط معانيها ,مفهوم متجرد في تطبيقاته من الأهواء والانتماءات العقائدية أوالسياسية أو العلاقات الوشائجية , أو الأخوية أو الرفاقية . والعدالة قيمة إنسانية , حق لكل إنسان على الإطلاق وهي الجوهرالذي تؤكد عليه العقائد السماوية والطروحات الفلسفية , والفكرالإنسان المتجرد عن الفئوية والتخصيص أو التفضيل المؤطرنظريا ً بالفضائل ولو إنها عصية على التحقق الكامل . 

والفضيلة لا تقوم لها دلالة ملموسة بوضع أي قيد على الحريات أو أي تمييز بين الناس ما دامت فضيلة إنسانية وليست " تفضلا ً " ولا منة من سلطة أومن صاحب الأمرأومن من يتولى على أمور الناس ومصائرهم. 

المجموعة الثانية : وهي المجموعة التي تجد أن مصالحها تتطلب الوقوف إلى جانب النظام الذي يتعرض لمخاطر الحراك ومع سياساته ومع مواقفه التي يجابه بها خصومه , وتلتقي مع النظام القائم في معظم مواقفه من القضايا الاقتصادية والسياسية والوطنية وارتباطاته الدولية والإقليمية , وتدافع عن سلوك النظام في التعامل مع المتمردين( والثوار!!) المسلحين الذين يخوضون حرب تغيير النظام بمشاركة ممن يخوضون "حرب الغير" في بلدهم , والغيرهم الخصوم من الدول الأخرى التي تنتهج مناهج سياسية يعيق النظام مسارها , ويعاكس اتجاه حركتها بروابطه مع القوى العالمية التي تتوزع دول العالم كما تتوزع دولنا العربية , ولكن بالتزامات مختلفة ونوايا بعيدة إحداها كل البعد عن الأخرى, وهذا ليس توقعا ً بل وضع عليه تجربة تاريخية قائمة منذ بداية القرن الماضي ويرى المصنفون بهذه المجموعة أن أميركا والغرب لا يمكن أن يكونوا أصدقاء إلا لمصالحهم الخاصة دون الالتفات إلى مصالحنا , ويعملون على نهب ثرواتنا وقتل كل توجه نحو التحضر والتقدم العلمي ويحبطون كل محاولة لتحرير القرارالسياسي وتقييد كل محاولات التطور الاقتصادي والتنموي بأطر تخدم أغراضهم ,وتغدي أطماعهم.

 لا تمانع المجموعة الأولى من التدخل الأجنبي العسكري الذي يحقق لها مطالبها في الوصول إلى الحكم معتبرين الحكم من أهم الغايات المنشودة لديها ,كأن هذه القوى الأجنية مسخرة لخدمة أهدافها وإن كانت على حساب المصلحة الوطنية التي يعتقدون أنها حالة مؤقتة يمكن الخلاص منها فيما بعد. 

وتعتبر هذه المجموعة من ليس معها فهو ليس منها ولا يحظى برعايتها وعطفها, ثم يلقى من عتابها عليه ما يصنف في خانة العقاب.


 المجموعة الثانية , من جهة أخرى, تقف على النقيض من هذه الأطروحة وتعدها في خانة الخيانة الوطنية التي يجب مقاومتها بكل قوة .وتعتبر هذه المجموعة من ليس معها لا يحق له مشاركتها في السلطة لأن الخلاف في المناهج التطبيقية لا يمكن حله ببساطة ولا سبيل إلى حلول وسط فيه ترضي أطرافه.


 أما مكونات المجموعة الثالثة , فإنها تلتقي في موقفها حول كل ما يحدث في مجتمعها هذا الموقف الذي يسستتبع تجارب سابقة , أو يبنى على طروحات لا تتفق مع ولاءاته المذهبية وما يراه من محفزات تقدمية وتحالفات مع عناصر المستقبل المتحضر , وهي تخشى على مصالحها من تطورالخلافات بين مكونات المجموعتين السابقتين إلى حرب أهلية تطالها بالضرر بأكثر ما تلحق هذه الحرب الأهلية من ضرر بطرفيها.منها ما يشكل معارضة سلمية للنظام تطالب بالإصلاحات لسحب البساط من تحت أقدام الفئات الراديكالية والمتطرفة من كلا طرفي المجموعتين السالفتي الذكر, ومنها ما يؤيد النظام القائم بمؤسساته, ويدعم إجراءات النظام في حفظ الأمن وإعادة الاستقرار إلى المجتمع .

 وليس لهذه المجموعة من دوافع لإصدارأحكام مسبقة على من لا يؤيدها , ولكنها لا تقبل الذين يتطاولون على أمن المجتمع واستقراره, ولم يتبين لأي مكون منها أطماع سلطوية ,أو مآرب سياسية خاصة بها , ولكن مشاركة المعارضة في حكومات إصلاحية ضرورة عملية من ضرورات التعددية المجتمعية والفكرية , وأحد أركان المشاركة الديمقراطية. 

وما تحزن عليه النفوس , أن أي طرف من هذه الأطراف الفاعلة في الحراك , وهذا الكم من المحللين والمفكرين الأكاديميين منهم والسياسيين, لم يؤكد حرصه بصوت مسموع أو بهمس صاخب !على علاقته الصادقة مع المنطلقات الديمقراطية وقيمها ,أو الدعوة الواعية للتمسك بطرقها ووسائلها,حتى إن إيا ً منهم لم يعبر في أدبياته أو تحليلاته وخلاصات صياغة أفكاره عن كيفية فهمه لأبسط المبادئ الديمقراطية الحديثة ومعانيها العصرية بعد تطورمفاهيمها وخضوعها لإبداعات تغييرأنماطها وأشكالها التي مرت بها العديد من شعوب الكون وثقافاته , التي تفي العلاقة الوثيقة لروابط عناصر" الحرية والتعددية والديمقراطية " حقها من التوثيق والتمتين وتتماهى مع متطلباتها الأساسية وتعمل من خلال منهجية مترابطة لعملية المقرطة التي يتشكل من خلالها المجتمع الديمقراطي الحقيقي,الذي يشكل الحل الأكثر واقعية لإشكالات تتكرر في مراحل مختلفة لا يتخللها العنف والعسكرة والبطش.

 كل هذا الكم من التحليل والتعليل وسخاء الأفكارلم نسمع ما يحمل في طياته من يسعى إلى بلورة حل دون تعقيد بوضع اشتراطات تجعل من طرف مهزوما ً ومن الطرف الآخر منتصرا ً, أو وضع خارطة طريق بمعالم واضحة وبمنطلقات تنصف من يجب إنصافه . فكر توصيفي لما يحدث وضعف في استجلاء ما سيحدث,مبالغات في السرد وتضخيم للحدث , وسذاجة في بعض الأحيان في التفسير والتبرير لا تخدم غرضها بل تنعكس سلبا ًعليه مما أفقد العديد من هؤلاء مصداقية كان من الواجب أن يحرص عليها . 

كل هذا الكم من المحللين والمفكرين, وتراكمات المقالات والموضوعات , أبقى على موضوع الديمقراطية وعلى تكوين المجتمع الديمقراطي ,وأهمية دوره الحاسم في تلاقي العرب مع العالم في مساعيهم للتواصل مع التحديث والتطوير, في قائمة فرعية ثانوية في دورها,مهملة في أهميتها. إنها فعلا ً ثرثرات ديمقراطية لقوم لا ديمقراطيين !.

samiremeish@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد