المحافظ في ظل المرحلة

mainThumb

19-01-2012 08:58 PM

بعض المحافظين في السنوات الخمس الأخيرة ، أخطأوا في قراءة دورة الحياة، التي اتجهت بصورة تصاعدية نحو اغتصاب المواطن لحرياته  العامة وأخذ بعض حقوقه التي كانت في مهب الريح .

ولعل المشهد العربي الذي بدأ في تونس، ومر بمصر وليبيا، لن يتوقف، ما زال في العالم العربي حكاما يعتقدون أنهم الآلهة في الأرض، يصنعون ما عجز عنه هامان وفرعون، ويستعبدون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا .

والمحافظ الذي هو في الأردن صورة لنظام حكم توافقي، لم يقترف تقتيل  الناس، ولا مارس حكما طائفيا، ينبغي ان يكون الأقدر على قراءة المشهد بأناة وحلم، وان يكون صوتا للملك، لا حمولة تنوء بها الوزارة والمحافظة معا .

عند الحديث عن الاختلالات والأخطاء، نضع المسؤولية عادة على الطرف الأضعف في المحافظة، ونحن نعتقد ان الخلل كان صادرا عن المحافظ الذي لم ينقل صورة دقيقة لما يجري على الساحة لتجنب الزلات التي تتعاظم لتصبح قضايا تستعصي مع الأيام على الحل .

في التاريخ الإداري، حفظ الناس أسماء ظلت تتلالأ كالنجوم في سماء المملكة لمحافظين وحكاما اداريين، في كل محافظة ولواء وقضاء، عمقت من مفهوم الحكم الإداري، وقربت الناس الى دائرة الاصطفاف على مائدة العدل والاعتدال، فأسسوا نهجا متوازنا، لم يتعلمه أحد في الكتب ولا في الموسوعات، ولا سمعوه في الندوات والمؤتمرات، بل كان نتاج حكمتهم وبعد بصائرهم.

في المحافظات الأردنية اليوم حراكات شرسة ، تطالب بالعدل وتبحث عن الإصلاح، تخرج أسبوعيا، فيما اعتصامات تقوم هنا وهناك، وانتقادات تطفو على السطح حينا وتختفي أحيانا، ورجال لهم في الأردن مكانا يرفعون الصوت في دعوات للنصح والاعتدال، فيما الحكم المحلي في المحافظات يغيب غيبة رئيس الحكومة عما دار في محافظة المفرق  .

مع كل الذي يجري، هل يحتكم أبناء الأردن لصوت الملك في التقاضي وإشهار الإصلاح، وإعادة القطار الى السكة، أم انه كبير الدار الذي ينبغي ان يظل مراقبا لسجالات الداخل، ناظرا الى ما يدور في الخارج، بعضه عند عتبة الدار، فيما هدير التغيير يطحن الأخضر واليابس في اليمن وسوريا ويعاود ثانية الى مصر .

هل نتغنى بعودة القبضة الأمنية، والحكم البوليسي الذي شحن الأجواء سنوات طويلة وافلت كثيرا من القابضين على جمر الحياء والانتماء وأخرجهم عن خط التسكيت ؟ أم نبشر بعهد الاقتتال والاحتراب الداخلي، في محاصصات بعضها شمالي وجنوبي، وبعضها فلسطيني وأردني؟  .

لا ينبغي تغليب القوة على الناس بالعنف والقهر والتركيع، فعقارب الساعة تتأبى العودة الى الوراء، لكن وطنا يسمى الأردن، سجل فيه الشرفاء في كتب التاريخ أسماء الفاسدين ممن نهب وسلب واستثمر الثروات الوطنية دون حق مشروع، لا ينبغي ان تقوم فيه ثورة على أصحاب القامات العالية، ورجالات الحل والعقد، تارة بالتثوير وأخرى بالتحريض وتأزيم المواقف .

فالجيش والأجهزة الأمنية هي للوطن وللشرفاء، وكل مؤسساتنا الرقابية هي لحماية كل نظيف، لكنها ينبغي ان تقدم درسا مريرا للصوص الأردن والفاسدين، الذين أخذوا ينأوون بالوطن وبالأمن الى زوايا الاحتراب، ومنعطفات الفتنة، بدلا من إذلالهم وإخضاعهم للمحاسبة والمحاكمة .

قلنا مرارا أن للفساد مخالب وأنياب، يفترس بها من يشاء ، حين تخرج المعركة عن سكتها الحقيقية، في ظل دعم وإلحاح من أولئك القادة والسادة الذين حكموا الأردن هم وعائلاتهم، دون أن يتورع أي منهم عن اختلاس لقمة عيش الفقير والمحروم .

البوصلة واضحة لكل الأردنيين، لكن نفرا من غير الأذكياء يسعون الى دفع المركبة الى شفير الهاوية، التي يعلمون ان ليس فيها إلا إضاعة الحقوق، ودفن أموال الشعب التي توزعت على الأصول والفروع، بإطلاق لهجات ليس فيها غير الغوغائية وخلط الأوراق .

وفي هذه الأثناء يتشتت ذهن  القيادة بين النظر الى أفعال اللصوص في الأردن، ممن باع البلد، وبين ازدواجية غير مفهومة في التعامل مع الناس، تارة بضرب الإصلاحيين واعتبارهم متآمرين على الوطن، لهم صلات بالصهيونية العالمية، وأخرى لجعل فئات، تقف أمامهم سدا منيعا لحجب الرؤيا عن الفاسدين تدافع عنهم بالغالي والنفيس.

الحركات الإسلامية والعروبية والقومية ورجال الحراكات، هم أبناء الأردن الغالي، لن ينخلع الناس منهم، ولا من كل الفئات التي تطالب بالإصلاح، الذي يقف خلف عتباته بعض زعامات نهبت الأخضر واليابس، وكانوا القادة هم ونساؤهم وأبناؤهم وانسباؤهم الى حين .

في المجمل، للمحافظين دور طليعي، على وزارة الداخلية ان تقلع فيه عن تعيين غير القادرين على قيادة السياسة والتنمية في المحافظات، بل والذين يصنعون بضعفهم عقبات جديدة، تضاف الى ما يواجه الحكومة من صعاب.

 اذ حين نحسن اختيار النخبة للحكم الإداري لقيادة دفة العمل السياسي والشعبي والتنموي، فإن الحياة ستمضي بهدوء دونما تخوف مما يدور حولنا، بعيدا عن معالجات تصنع توتير الشارع، وتستفز الناس من خلال من لا يملكون الثقة ولا الغيرة على مصالح الشعب، بل للكل ألف تحفظ عليهم، وعلى أدائهم الضعيف .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد