يحكى أن والياً أراد أن يتفقد رعيته في يوم من الأيام، فجمع أعيانه وحجّابه وخرجوا في تفقد الرعية، وقضى ذلك النهار في زيارته لها، وبينما هو في طريقه للعودة رأى بيتاً من الشعر في منطقة بعيدة فقال لنفسه ومن معه، دعنا نزور ذلك البيت، فما أن وصلوا رحّب بهم صاحب البيت أجمل ترحيب وهو لا يدري من هم، وهم أيضاً لم يفصحوا عن أنفسهم، فشربوا القهوة ودعاهم لتناول الطعام ولكنهم رفضوا لأنهم يريدون أن يرجعوا إلى أماكنهم، وبينما هم في المجلس شاهد الوالي كلباً مشنوقاً ومعلقاً في وسط بيت الشعر، فسأل صاحب البيت ما شأن هذا الكلب وما هي قصته، فسكت صاحب البيت وقال إن لهذا الكلب قصة عجيبة ولا أستطيع البوح بها فمكثوا قليلاً من الوقت وبعدها قفلوا راجعين إلى عاصمتهم، ولكن الوالي لم يغب عن ذهنه المنظر الذي شاهده عند ذلك الرجل، وفي اليوم التالي أرسل الوالي حاجبه ليستطلع من صاحب البيت قصه هذا الكلب علّه يأتي بإجابة، ولما وصل الحاجب إلى مكان بيت الشعر رحب به كعادته، وتكلموا في أمور شتى ولكن الحاجب سأله عن قصة الكلب، ولكن صاحب البيت أجاب نفس الإجابة السابقة، ولم يأخذ من صاحب البيت أية إجابة ناجعة، وأبلغ الوالي أن الرجل لم يقل شيئاً، وحار الوالي في أمر هذا الرجل، وأصّر أن يعرف السبب، وبعد أسبوع أرسل إلى صاحب بيت الشعر أجناده يقولون له إن الوالي يريدك، فاستغرب الرجل من هذه الدعوة .
وقال: إنني لم أعمل شيئاً خطأ، فوصل إلى الوالي فرحب به وأكرمه، وفي أثناء الحديث سأله وقال له أتدري لماذا أتيت بك إلى هنا، قال: كلا يا مولاي فقال: أريد منك أن تحدثني عن قصة هذا الكلب، فقال له يا مولاي أمرك مطاع ولكن قصته لا أستطيع أن أخبرك بها إلا بشروط فقال له الوالي لك ما تريد، فقال له أريد أن أكون والياً مكانك لفترة من الزمان، فاستغرب الوالي من هذا الكلام وبدت الدهشة على وجهه من جواب الرجل، وقال له كيف تتكلم بهذا؟ ومن تكون؟ وكيف أسمح لك بذلك؟ فقال له الرجل هذا شرطي.
وبعد فترة من الوقت استأذن الرجل وسمح الوالي له بالمغادرة، وبعد أسبوع قال الوالي في نفسه لعّل هذا الرجل عنده شيء كبير يُكنه في نفسه، فاستدعاه مرة أخرى ولما وصل إلى قصر الوالي رحب به، وقال له لك شرطك ولكن عليك أن تفي بوعدك، في تلك الأيام كانت هذه الولاية تدفع مبالغ كبيرة من المال إلى جيرانها " خاوة " كل سنة لأنها هي الحلقة الأضعف، بين هذه الولايات المحيطة بها لأسباب كثيرة.
جاء الوالي ونصبّ هذا الرجل مكانه وغاب الوالي عن الأنظار فقام هذا الوالي قبل كل شيء بسجن كبار الولاية ووضع مكانهم الصف الثاني في الولاية ، وأرسل إلى الولايات المجاورة بأنه من الآن فصاعداً لا يسمح لكم بأخذ الفدية والمال من هذه الولاية لأنني سوف أبعث إليكم جيشاً نأخذ منكم المال بدل أن تأخذوه منا، فقام أعيان الولايات الأخرى بالاتصال مع أعيان هذه الولاية فلم يجدوا أحداً من أصدقائهم والمتنفعين منهم، ولم يستطيعوا عمل شيء، فجاء هذا الوالي الجديد، وأرسل إلى الولايات الأخرى بأن يبادروا بدفع المال المستحق عليهم منذ زمن طويل، وقد كان بأن رد المال المسروق والمنهوب إلى الولاية، ولما استتب الأمر وعلم أن الأمور قد انتهت ولم ولن ترجع إلى سابق عهدها قال للوالي هذه ولايتك ردت إليك، والآن سوف أبوح لك بسر هذا الكلب، فقال له، كنت أفتقد في كل يوم شاة كبيرة وبقيت على هذه الحال لمدة عشرة أيام أفتقد شاة أو شاتين، وعندها أردت أن أعرف من الفاعل، فإذا بالكلب يأتي آخر الليل ثم ينتقي الشاة السمينة ليقدمها إلى صديقه الضبع، ويطعمها له وما أن عرفت ذلك حتى أتيت بالكلب وقلت في نفسي يجب أن أعاقب هذا الكلب على فعلته فأمسكت به، وشنقته أمام بيت الشعر ليكون عبرة لغيره من الكلاب.
فسلم عليه الوالي وأغدقه بالمال لقاء هذه النصيحة.
أ.د. رسلان أحمد بني ياسين
عميد كلية الآداب – جامعة إربد الأهلية
raslan@yu.edu.jo