الليبرالية صنعت الثورات الشعبية العربية

mainThumb

31-12-2011 09:13 PM

عندما تستقر الأوضاع التي أتت مع مجيئ ثورتي تونس ومصر اللتين فجرتهما قوى وتيارات شبابية لم تترب في أحضان الحزبية التي أمضت حقبا ً طويلة من الزمن وهي أسيرة عقائد مصممة مسبقا ً, وأيدولوجيات مرت بالعديد من التجارب في أنحاء مختلفة من مجتمعات العالم,ولكنها ظلت تصر على طروحاتها دون جرأة تحليلية تتعظ من نتائج تلك التجارب وذلك بتبرير الأحداث لصالح بقائها على حالها وإلقاء اللوم على أشخاص من القيادات خرجوا عن القواعد" الثابتة ", وابتعدوا عن الأسس الراسخة للعقائد وللأيدولجيات فأفشلوا وعودها الجذابة وأفسدوا مراميها الخيرة والبناءة .

ولم يجرؤ البعض على (حتى في الحديث مع نفسه ) التساؤل حول كيف يُفسد فرد أوأفراد أيدولوجيات أخذت في بعضها منحى الحتميات التاريخية , ووضعت المستقبل الواعد في ثنايا مصطلحاتها وأدبياتها السحرية في الوصول بالإنسان إلى مجتمع – الكفاية والعدالة والمساواة - بين جميع الناس ( أو بين المؤمنين من الناس),أو بين حملة راية العقائد والأيدولوجيات المكلفون (لم يكلفهم أحد من خارج دائرة طروحاتهم ) بتحويل هذه المجتمعات إلى مجتمع "السعادة " لكل فرد , والكفاية لكل عائلة, وحماية المظلومين ( وربما ليس رفع الظلم ) من ظالميهم . مجتمع الأمن والاستقرار, والحرية ! والديمقراطية !. 

الشباب الذي فجر ثورة تونس الشعبية, وثورة مصر كذلك مقدما ً تضحيات زادت حماسه بدلا ًمن أن تثنيه عن الاستمرار في ثورته, لأن استخدام القوة من سلطة حاكمة على تحركات "شعبية" سلمية بمطالب واضحة , إيذان بأن الخوف يدب في أوصال تلك السلطة,وهذه الحالة تشكل دافع الاستمرارفي الأداء الثوري الملتزم باستعداد وثاب بالسلمية وبدوام التحرك السلمي تحت كافة الأحوال التي قد تطرأ أو يتم افتعالها, لأن العنف ليس صفة من صفات (الشعب ) أو أي فئة او مكون من مكوناته, ما لم يكن مدفوعا ً بمقارعة تدخل أجنبي , وصد عدوان خارجي من أي جهة كانت ( وليس الاستعانة بالأجنبي إطلاقا ,او التمهيد للتدخل الأجنبي بأي شكل أو ذريعةً). 

فقد "انتفت فلسفة العنف الثوري"عندما رسخ الحكم الثوري الذي قام كنتيجة لهذا العنف أقدامه بواسطة العنف الذي لم يشهد نهايته إلا بنهاية الحكم الثوري ذاته. "الشبابيون الثوريون" كانوا معبئين تعبئة إنسانية القيم والتوجهات, التي تتمثل بقيم الحرية والديمقراطية المتجردة معانيها من "ولكن ! , على أن ! شريطة !" إذ لا مصداقية لتبني شعار الحرية متبوعا ً بشروط أو كوابح مصطنعة , أو عبارات منمقة تحمل تناقض معناها في طياتها , وهذه التعبئة تتسم بترابط بين أفكارها وبين تطبيقاتها في أنحاء مختلفة من العالم في سلوك نظم الحكم ودورالشعوب وقواها وأحزابها وتعددية مكوناتها ومشاركتها في إدارة الشأن العام في الدول الديمقراطية وتلك في مرحلة المقرطة ( التحول إلى الديمقراطية). 

وإنسانية القيم مكون أساسي من مكونات الليبرالية ومدارسها التي تتيح أوسع مجال للحريات , وأصدق مقال لاحترام الذات. لنتذكر إننا في عصرالمعلوماتية , ليس هذا فحسب, وإنما عصر المعلوماتية المقترنة بالتجربة العملية الذكية التي تولد الخبرة, والخبرة الناتجة عن هذا المسار التاريخي في عصرالمعلوماتية والخبراتية والتواصل بين الناس من مختلف الحضارات وتنوع الثقافات وتعدد الأعراق والولاءات الذي تغافلت النظم الحاكمة السلطوية والمستغلة , والحركات السياسية الشمولية والمتغنية بالثوابت في عالم دائب التغيرعنها, هذه الخبرة دافع ذو بأس في تحريك الضميرالإنساني في كل مجتمع,للوقوف بوجه العسف السياسي,والتخبط الإداري, والسقوط في وهم النخبوية , والحركات الأبوية . ولعل الأمل في دوام مسار الثورة في كل من تونس ومصريكمن في الاتعاظ بحكمة أن "مياه الأنهر تصب في البحر, وليس العكس", والملاذ الأخيرفي تقديم الخير للناس, في خير كل الناس كلهم وليس بعضهم مفضل على البعض الآخر تحت أي ذريعة أو أدعاء أو تمييز أو تميز.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد