في الفترة التي أيقظت فيها ثورة الرئيس جمال عبد الناصرالمشاعرالقومية العربية الموحدة للمواقف السياسية الوطنية ,حيث كان من أهم عناصرالالتزام الوطني الموقف الرافض للتدخلات الأجنبية وسياساتها المناوئة لتحرك المشاعر القومية التي أخذت تلك القوى منها موقفا ً عدائيا ً سافرا ً وشرسا ً.
كان ارتباط بعض الدول العربية بالاتفاقيات والمعاهدات الأجنبية المحرك الدينامي لمعارضة ذلك النظام من جانب الأحزاب السياسية بمختلف مشاربها واتهامه بالعمالة ومعادات الإرادة الشعبية والمساس بالمشاعرالوطنية ودوافعها البناءة في مجالات الترقي والتنمية .
وما زالت ذاكرة جيل الستينيات عامرة بحجم العداء الاستعماري للأنظمة الوطنية التي تربت على رفض قبول احتلال فلسطين,ورفض الوصاية الأجنبية على مقدرات الوطن العربي , والذي ترافق مع مواقف سياسات الدول العربية التي كانت تصطف إلى جانب الوقوف بوجه التيارات الوطنية ومساندة سياسات القوى الغربية – الأميركية في محاصرتها والقضاء عليها.
إذن نقول ,كانت من زمان الاستعانة بالأجنبي حكرا ًعلى السياسات الحاكمة ومصالحها . أما وقد أشرف القرن الماضي بكل ما له وما عليه من صفحات تاريخ الأقطار العربية على الأفول,فقد رأينا أن الاستعانة العسكرية بالقوات الأجنبية ودعوتها إلى القضاء على نظام عربي! ( مصطلح مزيف وخبيث), أخذت مجراها وكأنها تعبيرعن انسياب طبيعي في التراث السياسي للقادة العرب .
وما هي إلا فترة وجيزة حتى أصبحت هذه الانسيابية في الاستعانة بالقوات الأجنبية ممارسة أحزاب سياسية !!, وجماعات حقوقية !! وتكتلات الدفاع عن القيم الإنسانية !!و ثم تحولت من صحائف القيادات الحاكمة إلى أدبيات الأحزاب الطامعة في السلطة بحجج لم تعد لها من قيمة لأن الاستعانة بالأجنبي على الوطني(انتماء وليس مواقفا ً) لا تسعفه مصطلحات ولا تلتقي عنده مفردات تبرره ولا تستيغه أي عبارات , فظلت في حومة الدوامات التي اختلقتها الأحزاب والمنظمات والتكتلات الجامحة إلى تولي السلطة بأي ثمن , ولم تعد تسعف الذين حققوا هذه المآرب كل الشعارات" الوطنية " من أي باب أتت أو في أي مناسبة حلت .
ولم نقف عند هذا الحد , فقد طورنا مفهوم الاستعانة بالأجنبي على الوطني إلى مفهوم " التحرير بقوى الاستعمار" لتخليص البلاد من حكم الطغاة . والتحريرمن حكم الطغاة إنْ لم يكم من صنع الثوارالأحرار, أي الذين يقاومون الطاغية ومن يسانده ,كما كان الأمرعليه في الستينيات من القرن المنصرم وكما هي المفاهيم الثورية لدى شعوب الأرض قاطبة ,فإنه لا يرقى إلى التصنيف الوطني في أبسط معاييرة , ولا إلى المفاهيم الإنسانية في أوليات مصطلحاتها , مع علمنا بأن من يساند الطغاة لا يجوزلهم ,أخلاقيا ًأن يمارسوا عملا ًمن أعمال التحريرأو التحرر, ولايمكن لهم القيام بمثل هكذا عمل, لأنه نقيض مصالحهم , ومتعارض مع تمنياتهم الحرية للغير. وجرى الاعتماد على قوى أجنبية بدعوات حزبية – تكتلات – تجمعات, هي ذات القوى التي اعتمد الطغاة في طغيانهم عليها فاستعادوا السيطرة المباشرة للاستعمار القديم – الحديث.ولم يمض بعد,على تحرر بعض البلاد العربية ما يتجاوزالخمسين عاما ً, ولم تحتفل أمتنا بحريتها المئوية بعد.وإذا كنا بانتظار شيئ ترتاح إليه ضمائرنا بعض الشيئ, سيكون في شكل الديمقراطية التي ستشهدها دول التحرر بالقوى الغربية ودعمها العلني منه والمخبؤ, وفي مساحة الحريات للناس في أوطانهم الأصلية.