العنف ضد الاطفال والنساء

mainThumb

11-12-2011 08:37 PM

المتابع والمحلل في القضايا الاجتماعية والتربوية والطبية يلاحظ بروز مصطلحات جديدة تظهر على السطح، واصبحت محط اهتمام  ورصد وسائل الاعلام بمختلف قنواتها،  وأفراد المجتمع يتطرقون لهذه المصطلحات في جلساتهم رغم انها مسيئة للسمع والنطق لما يترتب عليها من نتائج وآثار وخيمة على المجتمع ، هذه المصطلحات تشمل كلمات بذيئة جدا، وبرغم بذائتها سأذكرها في محاولة جادة لوضع حلول لمواجهتها واستبدالها بمصطلحات وكلمات وسلوكيات تحفظ الكرامه الانسانية، ولا تتسبب في الفرقه والظلم والالم والمعاناه، هذه المصطلحات  وبرغم بذائتها تتمحور حول : " اعتداء ، ايذاء، الم ، تهديد، توبيخ ، تهميش ، جرح، كسر ، قتل " ، هذه المصطلحات تستخدم لتفسير العنف الأسري الذي يقع على أحد  أفراد الأسرة، ويلحق الأذى النفسي او الجسمي للمجني عليهم من قبل جناة يمارسون العنف – عينك عينك – كأنه حق مشروع لهم ، وتعتصر الافئدة حزنا عندما نعلم ان ممارسي العنف من الأسرة أو من المحيطين بها، فهؤلاء في الاعراف والتقاليد والمنطق يشكلون مصدر امن وامان لأفراد الأسرة لا مصدر الم ومعاناة واضطرابات واذى وتعذيب، وعندما اتطرق لهذه المصطلحات البذيئة سوف اعتذر عن الاشارة الى النظريات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية التي تحاول تفسير وتبرير السلوك العنيف من قبل  ممارسيه في المجتمع؛ لأن السلوك البذيء مرفوض عقلا وشرعا ودينا ولا يجوز تبريرة على الاطلاق؛ بل يجب مواجهته  بشتى الطرق القانونية والأمنية والتكاتف الاجتماعي  لردعة والوقوف سدا منيعا أمام مثل هذه السلوكيات العنيفة؛ وخاصة إذا كانت هذه السلوكيات موجهة  لفئة النساء او الاطفال او ذوي الاحتياجات الخاصة .  

 

اخترت هذه المقدمة للاشارة الى مؤتمر وطني مهم وحيوي سوف يعقد في الأردن في  الأسبوع القادم خلال الفترة(18 – 19) كانون اول، تنظمه شبكة المهنيون الأردنيون للوقاية من العنف ضد الأطفال ومؤسسة نهر الأردن، بالتعاون مع كل من صندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة اليونيسف، بعنوان " المؤتمر الوطني الأردني الأول للوقاية من العنف ضد الأطفال والنساء ، الواقع والتحديات". ومن خلال استعراضي لمحاور المؤتمر والمواضيع التي سيتم تناولها في تسع جلسات، والمشاركون الذين سيقدمون اوراق عمل سيطرحون رؤيتهم وتطلعاتهم ورصدهم وتحليلاتهم لظاهرة العنف الاسري في الأردن فجلهم اساتذة واطباء وقانونيين  وموظفين يشهد لهم بخبرتهم وسعة اطلاعهم وبحثهم في هذا المجال، كما ان المؤسسات التي ترعى هذا المؤتمر الوطني والفعاليات الرسمية وغير الرسمية  التي ابدت مشاركتها في حضور فعالياته تقدم خدمات وجهود في مجال العنف ضد المرأة والطفل، هذا الجهد والاهتمام الكبير يشير الى  اهمية محاور المؤتمر والتي تبحث في كل صغيرة وكبيرة في قضايا العنف الاسري ، فمحور التشريعات والقوانين والسياسات والأطر الوطنية يمكننا من تسليط الضوء على القوانين والتشريعات  ومدى فعاليتها في الحد من العنف الاسري، ومحور الاتجاهات الاجتماعية يضع المجتمع امام مسؤولياته لمواجهة ثقافة العنف المتغلغلة في عقول بعض ارباب الاسر، وبعض أفراد المجتمع ، وتعيش صامته حبيسة جدران مغلفة في بيوت تخشى من ردات فعل عنيفة في حال اخراجها للسطح والحديث عنها،  ويجب توضيح المبررات الخاطئة التي يتسلح بها بعض أرباب الأسر في طرق تربية وتأديب الابناء وتعذيبهم بشتى الوسائل، يجب ان يعرف ارباب الاسر بان تعديل السلوك لا يبدأ بالضرب والتنكيل والتعذيب؛ بل يبدأ بالأرشاد والتوجيه وتعديل السلوك عن طريق المعززات الاجتماعية المنطلقة من الحب والحنان والعطف والرعاية والمدعومة بمهارات التواصل الاجتماعي الايجابي،  ويجب توضيح الصورة الصحيحة والمشرقة لأصول الدين واحكام الشرع في قضية " القوامه "؛ فالدين ليس مجرد عباده بل طريق حياة تحمل اجمل معاني التكاتف والتراحم والتواصل والتواد لتحقيق السعادة بين افراد المجتمع، وأن اساس العلاقة بين الرجل والمرأة في الأسرة يجب أن تبنى على المودة والرحمه والايثار والتعاون والتسامح وحسن المعاملة والمعاشرة، والقوامة تكليف وليس تشريف، انها مسؤولية وانفاق ورعاية مصالح الأسرة وادارتها بشكل جيد، وفي حال تعذر الحياة الزوجية ونشوز المرأة فان تعديل السلوك يتم على خطوات مرتبة وواضحة بسطها لنا الدين وسخرها لنا لتكون وسائل خير ومنفعه ، فيبدأ التعديل عن طريق النصح والإرشاد والحكمة والموعظة الحسنة، واذا لم تثمر هذه الطريقة تبدأ مرحلة  الهجر في المضاجع ، واذا لم تنجح هذه الطريقة يتم اللجوء للضرب غير المبرح ويتم الضرب عن طريق المسواك أو المنديل، والذين يفسرون الدين حسب مصالحهم الخاصة، ويتمسّكون بما يزعمون أنّ الضرب حقٌّ شرعيٌّ لهم، فيبادرون إلى الضرب المؤذي محتجّين بما ورد في الآية 34 من سورة النساء: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن". نقول لهؤلاء هذا  فهم خاطئٍ لمقاصد الدين ، وسوءٍ في التصرّف في الحقّ الذي منحهم الشرعُ إيّاه لاستخدامه في صورة خاصّة، وعليهم التمسك بالنصوص الايمانية والأحاديث الشريفه التي تحثّ الرجال على حسن معاملة الزوجة وإعطائها حقوقها كاملة وعدم خدش كرامتها بقول أو فعل أو الافتراء عليها والاساءه اليها، فعليهم ان لا ينسوا – في غمرة ممارستهم للعنف - هذه النصوص الدينية ويلجأون للضرب والتأديب المبرح في كلّ صغيرةٍ أو كبيرة أو لأسباب تافهه .

ويجب عليهم أن يكون لهم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام قدوتهم ونموذجهم في الحياة، فالرسول لم يضرب اي من زوجاته على الاطلاق، ولا أقلّ من أن نبذل ما في وسعنا لنكون خيّرين مع أهلنا.

 

 ويبرز محور الاعلام  الصورة الامثل في تغطية اخبار العنف الاسري وتحليلاته الموجهه والمرشده لنبذ السلوك العنيف داخل الاسرة، والبعد عن الاثارة والتهويل في مواجهة هذا العنف الاسري، اما محور التدخل المهني والمسؤولية فهذا سيركز على الإستجابة الشمولية متعددة القطاعات في الأردن المقدمة لضحايا العنف ضد الطفل والمرأة؛ وخاصة مسؤولية القطاع الصحي والخدمات الإجتماعية في الوقاية والحماية من العنف الأسري على المستوى الوطني.

 

وبعد ،،، موضوع المؤتمر -  الملتقى - الوطني مهم جدا، وأوراق العمل التي سيتم عرضها في غاية الأهمية؛ وخاصة ان المعطيات والمؤشرات والاحصاءات التي نتابعها وتصدر عن جهات متخصصة وعامله في مواجهة العنف الأسري تشير إلى أن معظم هذه الانتهاكات والايذاءات والاعتداءات الأسرية موجهة بشكل رئيس نحو المرأة والطفل، والغرابه والصدمة لم تقف عند حد الزيادة الكمية في أعداد الحالات والقضايا المتعلقة في العنف الأسري بل في قسوة ونوعية تنفبذ هذه الجرائم والاعتداءات وما ينتج عنها من كسور او حروق او كدمات او اعاقات  او التسبب في الوفاة، والمصيبة إن بعض  الاعتداءات الوحشية تمارس على ذوي الاحتياجات الخاصة الذين هم اكثر الفئات الاجتماعية بحاجة للدعم الاجتماعية لتسهيل دمجهم في المجتمع ، والاعنف في السلوكيات العنيفة هي التي تتعلق في قضايا التحرش الجنسي في الاطفال والقاصرات فهذه الاعتداءات الوحشية  لا تمحى صورتها الذهنية من ذاكرة المجني عليهم مهما تقدم العمر، ونخلص الى ان العنف ضد المرأة والطفل يتسبب باذى نفسي وجسمي واقتصادي ومعنوي ويشكل صورة قاتمة عن الزواج والحياة الاسرية، ويخرج للمجتمع اطفال يمارسون العنف في المدرسة والحارة والجامعه ومكان العمل وخلف مقود السيارة وعند الاشارات الضوئية ومع الزوجة والابناء عند الزواج، وهذا يذكرنا بالمقولة المورثة " من شب على شيء شاب عليه " ، وللاسف هذا ما يجري على أرض الواقع. 



مسك الكلام ،،،، لا تضرب المرأة حتى ولو بوردة ، ولنحرص على تنشئة الابناء وتربيتهم تربية سليمه وصالحة لاننا سنكون  نماذجهم السلوكية في المستقبل، فلنبتعد عن ممارسة السلوك العنيف الذي يلحق اذى ومراره والم واحباط وكآبه ومعاناه جسديه ونفسية ومشكلات اجتماعية وتفكك اسري وعاطفي خطير. ولنتمسك بالرفق والحلم والأناة، والعقل والحكمة، وتَرْكِ الانقياد لدواعي الاستفزاز والغضب . يستحق منظمو هذا المؤتمر التحية والتقدير على هذا الجهد الوطني المميز.

 

اكاديمي ،،، تخصص علم اجتماع

ohok1960@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد