الجماعات الاسلامية .. هل تدعو للتدين ام للتعبد ؟

mainThumb

30-11-2011 05:33 AM

عندما نتحدث عن الجماعات فالمقصود بذلك الجماعات التي تضم المتحزبون الملتقون في اطر تنظيمية سياسية ، يلتقون على معنى مميز هم اشأوه لامر يتفقون عليه ، او لمفهوم عام موجود عند الناس لكنهم اجمعوا على تبنيه بشكل مميز ، او هو متاح للجميع اصلا وهو ارادوا تحمل المسؤولية تجاهه.

 ويبقى المقصود من تحزبهم والتقائهم حول فكرة معينة في كل الاحوال هو تحقيق هدف او اهداف تنبع من المفهوم الذي يعتنقونه او تصب في مصلحته ومبتغاه.

والذين يقولون منهم نحن لسنا سياسيين لا يعلنون كامل الحقيقة لان مجرد التحزب لاي غرض من الاغراض هو سياسة ، فالمعني الاصطلاحي للسياسة هو جماعة من الافراد تأخذ قرارا مبني على منهج تؤمن وبه ، فان تم لها الوصول الى موضع الادارة العليا فانها ستسعى لتطبيقه ، لكنها قبل ذلك تقوم بالدعوة له بين الناس حتى تضمن ان لا يكون لها معارضة شديدة عند وضعه موضع التطبيق ،وبالتالي فان دعوة الناس من اجل ان يتبنوا افكارا بعينها تعكس اراء وتوجهات الدعاة هي السياسة بعينها.

 الجماعات الاسلامية هي مجموعات متحزبة تدعو الي تبني افكار بعينها مرجعيتها الدين الاسلامي بهدف الوصول الى نظام حكم مرجعيته مرجعيتهم يحميه الناس ويدافعون عنه بقدر ما يفهموه ويتبنوه ، وهي تعلم بان تحميل الافكار على راحلة الدين تسرع من وصولها لمبتغاها لان الناس يعشقون تطبيق ما يكون بديهيا في فهمهم وانهم يخافون من المواجهة المعلنة للفكر الديني ايا كان هذا الدين ، وبالتالي فان تبني هذه المرجعية سيساهم قطعا في تعميم الفكرة بسرعة وبحد ادنى من الرفض او المعاناة، وذلك اصلا هو الهدف وهو من وجهة نظرهم مصدر النجاح والفوز عند التسابق مع غيرهم من الجماعات ، والذي يعطي لهذا الحزب موقعا اوسع واعمق في المجتمع امام خصومه من الجماعات السياسية الاخرى والتي يكون لها في الغالب نفس اسلوب العمل للوصول لنفس الهدف ولكن بمرجعيات مختلفة.

وبالقدر الذي نمارس فيه عقلانيتنا وانسانيتنا نستمع لكل مجموعة سياسية ونحاول ان نفهم ما هي ومن هي وما الذي تصبو اليه بدون مواقف مبنية على افكار مسبقة الا اذا كنا نعلم بالضبط ما هي ومن هي وماذا تحمل ، بل ربما من الاصوب ان نعاود الانصات لاصحاب الافكار حتى التي كنا نرفضها سابقا لعلهم غيروا وبدلوا واتوا بالجديد المفيد ، كيف لا والعالم يتغير كل يوم وبسرعة يصعب احيانا ملاحظتها.

 فان وائمتنا هذه الجماعة بما هي وبما تحمل وبما تصبو اليه اقمنا الى جوارها وآزرناها وربما انتمينا واليها وانضممنا الى مكوناتها ، وان وجدنا في تكوينها وفي نهجها وفيما تصبو اليه غموضا ناقشناها وحاورناها لنستوضح الغامض منها ومن نهجها ثم لنتخذ بعد ذلك سبيلنا في مؤازرتها او الاعراض عنها . وان وجدنا انها تختلف معنا وعنا في تكوينها ومسيرتها واهدافها اعرضنا عنها وليذهب كل في سبيله. ينطبق هذا النهج على كل الجماعات ايا كانت واينما كانت ، واخص هنا بالقصد الجماعات الاسلامية ، ذلك لان لنا بها علاقة واشتراك في المرجعية ولانها تحمل شعارات تعنينا ويعنينا ان تبقى سائرة على الجادة الاصيلة اسلوبا وهدفا ، ولا تحيد او تحيد الطريق لمصالح لها حزبية ضيقة تؤثر سلبا في اعز ما نملك وما نعتقد لانها ان فعلت فستجد منا اعراضا شديدا يقف حجر عثرة امام تقدمها وامام تحقيق اهدافها لانها اختارت الطريق الاصعب والاكثر اشواكا تسير عليه وليس كما تتخيل بانها تحمل الافكار على راحلة الدين فتسرع في وصولها لمبتغاها على اساس ان الناس يخافون من المواجهة المعلنة للفكر الديني ايا كان هذا الدين .

وان دعاني احد افراد جماعة اسلامية لاكون معة منخرطا في مجموعته او حتى مناصارا ، فاني ساستوضح منه امرا يحيرني في معظم دعوات الجماعات الاسلامية التي اعرفها : هل هم يدعوا للتدين ام للتعبد ؟ وساوضح له الفرق من وجهة نظري .

التعبد هو الالتزام بالعبادات والاكثار منها ، فبعد الشهادتين تاتي الصلاة عمود الدين ، وهي التي ورد في فرضها واهميتها العديد من الايات في القران الكريم ، وورد في كيفيتها وشروطها واوقاتها العديد من الاحاديث النبوية الشريفة ، وورد في الحديث والتفسير والشرح والتعليق عليها ربما مئات الكتب ان لم يكن الالاف ، وبالتالي فان متابعة الغوص في تفاصيلها مهمة جدا للباحث في امرها ، ويكفي للعامة مثلي ان يعرفها ويفهمها ويمارسها بالشكل الصحيح ، علما بان التعرف اليها بشكل صحيح قد يحتاج الى ايام من الدرس والاستماع للعلماء الاجلاء واما ممارستها فانها لا تاخذ من الانسان المتعبد بها اكثر من دقائق في اليوم الواحد قد تمتد الى سويعات احيانا وليس دائما.

وكذلك بقية العبادات ، فاننا نحتاج الى وقت بسيط لمعرفتها والى جهد محدد لممارستها والى ازمان محدودة على مدار السنة لادائها ، ثم ماذا ؟ وماذا عن باقي العمر الذي وهبنا الله جل وعلا اياه ماذا نحن فاعلون به ؟ كيف نقضيه الى ان ياتي الاجل ؟ يدعوا الكثير من الدعاة من الجماعات الاسلامية الى الاستزادة من التعلم والتعرف على العبادات ، ويقيمون لذلك المدارس والمشيخيات ، والمحاضرات قبل الصلاة وبعد الصلاة في المساجد ، وتلتف حول احدهم الحلقات او حول احداهن الحلقات التي تجتمع في مواعيد ثابتة ولازمنة ممتدة لدرس تفاصيل التفاصيل في العبادات ، وبالطبع هناك الكثير دائما مما يقال في هذه الجلسات وكله خير ، ولكن الى متى ؟ وعندما يمتد العمل ببرامج التوعية العبادية تلك وتتفتح افاق الابعاد السحيقة الغور في المعرفة عن العبادات يمضي عمر الانسان في فهم العبادات وفي التعبد وهكذا تكون الدعوة اصلا دعوة للتعبد ، واجرؤ هنا ان اقول دعوة للتعبد لا للتدين.

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بني الاسلام على خمس ... الى اخر الحديث الشريف " ولم يقل صلوات الله عليه بني الاسلام من خمس ، وكان يقدر على قولها بل انها اوحيت اليه هكذا من السماء ، بني الاسلام على خمس وليس من خمس ، وعلى لا تعني من لغويا ، على تعنى فوق ، اي بني الاسلام فوق خمس اشياء وهي المعروفة باركان الاسلام ، والركن ضروري لاقامة البيت ، والبيت لا يقوم الا على الاساسات وعلى الاركان ، ومن غير الممكن اقامة بيت بدون اساسات ولا اركان ، لكن لم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام في اية مرة بان الاركان هي الدين كما لم يقل احدا بان اساسات البيت هي البيت ، بل قال عليه الصلاة والسلام في تعريف واضح ومحدد وسهل الفهم والحفظ بان الدين هو المعاملة.

 اذا فالتدين هو في المعاملات وما يشتق منها او ما يدور في فلكها كالبيع والشراء والاموال والاقتصاد والادارة والقضاء والحماية وايصال الماء للناس والتعليم وغير ذلك كثير هو الدين ، وعلى من يقوم بذلك ايا كان موقعه ان يكون باني للاساسات والاركان حتى يقوى على بناء بيت المعاملات والعيش فيه. ومن هنا يصبح واضحا ان الدعوة للتعبد تعني الدعوة لبناء اساسات ليس فوقها بيت ياوي الناس والدعوة للتدين تعني بناء البيت الذي يأوي الناس وتتم فيه المعاملات بينهم والبيت قطعا سيكون له اركان واساسات .

فان كانت دعوة اي شخص تتوقف عند وضع الاساسات والاركان فكانه يعمل على شطر محدود من المجتمع وعليه ان يعيد النظر في موقفه ان اراد منا الاستماع والتفهم والمناداة باسمة عندما تكون هناك انتخابات.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد