مشروعات الطفيلة

mainThumb

28-10-2011 06:22 AM

تدخل مشروعات الطفيلة دهاليز مظلمة ، ما ان تبدأ، حتى تختفي ، او تصاب بأخطر الأمراض بعد اقل من شهر ، في مراوحة بين العناية الحثيثة ، وغرف الطوارئ  .

انأ أعجب كثيرا من هذه المشروعات ، عجبي من المنافقين وأصحاب المكاييل التي لا تزن شيئا بالقسطاس المستقيم، فالمشروعات هنا تمشي الهوينى، كما قال الشاعر الجاهلي الأعشى " كما يمشي الوجي الوحل" حين ودع هريرة، أي مشية التأني للمصاب بالعرج  في الوحل  .

مشروعات الطفيلة بحاجة الى البحث في  الأسباب، فهي بحاجة الى مخلصين أوفياء في المتابعة، لكنني أشك في حظ الطفيلة الذي لم يقيظ لها منذ زمن من يقف على هذه العلة، ويتابع المشروعات التي أرى وأجد ان أسباب تخلفها يعود الى أمر صعب ، لا يتجاوز ضعف الاهتمام بهذه المحافظة المظلومة على مدى يزيد على خمسين عاما  .

لو قلت كثيرا في الموضوع لاحرجت كل الذين يكرهون الطفيلة، ويجدونها شوكة في الحلق، ومرارة في حياتهم التي تتعذب على صفيح ضمير موتور ليس فيه من حياة، فالمشروعات التي تتحرك بأقل من مشية السلحفاة تحتاج الى ضمائر حية، تنظر للمحافظات بميزان واحد  .

فمثلا ، لن أحرج أحدا بالتذكير بالطريق المليوني الذي يربط الطفيلة بالحسا، بعد ان طال عمر انجازه على (17) عاما، وكل المساكين الذين يظنون ظن الخير انه انتهى قبل شهر ، فهم متفائلون، اذ ان العمل لازال جاريا فيه لليوم، ولمدة ستزيد على العام القادم بطوله وعرضه  .

فقد نسيت الأشغال في غمرة الفرح بانجاز الطريق وضع دهانات للاطاريف ولتحديد منتصف الطريق للمسربين، وبدأوا عملا موصولا للانتهاء من تلك المهمة، إضافة الى الإعلان عن زيادة في سعة الطريق الذي أصيب بضمور في الدماغ حين التنفيذ ليتراجع من أكثر من أربعة عشر مترا الى اقل من سبعة أمتار، في خطوة احسبها صحوة في الضمير او عودة الى لحظة صفاء .

ولن أعود الى الماضي البعيد بالتذكير بانجازات طرقات أخرى ومشروعات متعددة ظلت قيد التنفيذ سنوات ، مثل المجمع الرياضي الذي أنجزته الحكومة بعد عدة سنوات، كان حين فرحة الاستلام قد هرم وأصيب بالاختلالات والتشققات، وها هو يعاني منها بعد أكثر من (15) عاما .

لا، لن أتذكر كثيرا مما تجود به الذاكرة المنهكة عندي، لكنني سأتذكر مشروعات تحت التنفيذ، وتحت السمع والبصر، منها المبنى الضخم الذي أقيم بأكثر من ثلاثة ملايين دينار، في منطقة العيص ليكون مركزا إيوائيا لذوي الاحتياجات الخاصة، لكنه بعد انجازه بثلاث سنوات تقريبا ظل مقفلا في وجه هذه الفئة، وفي وجه العاطلين عن العمل ، الذين يتضورون جوعا، لاقتناص فرصة للحياة، الموجودة والمتاحة، لكنني لا ادري عن غايات صاحب القرار، من وراء تلويع العاطلين عن العمل وترويعهم وتعذيبهم الى هذا المدى، هل هو لمزيد من التعذيب، ام ان ذلك رغبة في تمحيص نوع البناء وقدرته على تحمل الأمطار والثلوج والبرد لعدة سنوات قبل فتحه أمام الشباب المكلوم ماديا ومعنويا؟؟  .


والثانية تكمن في ما سمي بتطوير وسط المدينة، الذي بدأ العمل فيه قبل تموز، لكن المقاول ظل يظهر في المشهد ثم يختفي، ثم يبدأ بإثارة عاصفة من المشاكل ، ثم يلوذ بالصمت، فيما وسط المدينة في الطفيلة الذي يعد القلب النابض للحياة في المحافظة، ظل موشحا بالغبار ومشاهد الدمار التي خلفها المقاول، دون ان نجد في كل حين من يحرك ساكنا، للاستفادة من قيمة العطاء التي زادت على سبعة ملايين دينار .

ولعل الطامة الكبرى التي لم تبدأ بعد، تتمثل بإقامة مستشفى مدني في المحافظة، لخدمة فئة المدنيين الذي لايجدون معاملة لائقة في المستشفى العسكري، الذي يحتاج دوما الى الأطباء والأدوية، حاجة المدنيين فيه الى المساواة مع العسكريين، سواء في التحويل الى المدينة والملكة علياء، أو في الاستفادة من الدخول الى الغرف الخاصة التي لا تمنح الا للعسكريين .

نعم، فالمستشفى قصة لم تبدأ فصولها بعد، فهو مكرمة ملكية، وبعض مطالب الطفيلة المزمنة، وشيئا من حقوقها المتعثرة، لكن أيا من مراحله المنظورة لم تبدأ بعد، فلا نسمع الا صخبا على الموقع، وكأن المطلوب افتعال مشكلة على المكان ليتوقف  المشروع الى حين الاتفاق، كأننا في بلد تحكمه الفصائل والمليشيات والمحاصصات، بدلا من دولة الحقوق والواجبات  والقانون والمؤسسات، فلم يتحرك للمشروع ساكنا، وهذا ما يدلل على ان المشروع سيطول عمره، ان كان له عمر، وسيبدأ فيه التنفيذ على مراحل، خاضعة للإمكانات والمخصصات، مع انه من حاجات الطفيلة الأساسية .

فالمواطن مغبون في الطفيلة، ومنتهك الحقوق والحياة، اذ انه المطالب باحتمال الأخطاء الطبية التي تقع بالمئات حين التداوي في الطفيلة، والتي لا نتيجة لها الا "الله يعوض عليكو" فضلا عما يكابده من إهدار للمال والوقت والجهد في مراجعة الأطباء والمستشفيات في عمان، بعضها تجعل حياته وحياة بعض أفراد الأسرة، كلفة للمراجعات في أي حادث مروري محتمل .

هذه كلها بعض زفرات النفس في الحديث عن التنمية في المحافظة الهامشية، التي غضبت مرات في حياتها، كان ان طردت الجلادين ذات مرة في حد الدقيق ومواقع أخرى، ثأرا للظلم الذي طال الركع والرضع، وهشم من كبرياء الناس ورجولتهم، فكانت الطفيلة سيفا جدع أنوف العابثين، الجاحدين والفاسدين، وهاهم اليوم في غضبة، لن تهدأ مع تحديثات الأعيان والوزراء، بل لا بد من كلمات في الطفيلة ، لقائد الوطن السمح، يهدئ الروع، ويقلل من الاحتقان، بالأمر بخطوات تنفيذية، لمشروعات الطفيلة المذكورة، ولاستبدال المدارس المستأجرة بأخرى ذات صفات تعليمية، وبالإعلان عن ألوية جديدة، في هذا الجو المشحون بأكثر من ربيع، ، على ذات الموازاة مع محاسبة حقيقية لمن نهب ثروات الأردن ولا زال حاكما بالرأي وبالمشورة والقرار   .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد