تراجع هيبة الدولة الأردنية

mainThumb

17-10-2011 04:45 PM

تميزت بدايات فترة الربيع الأردني وحراكه السياسي بطابع سلمي إلى حد كبير باستثناء أحداث قليلة مثل مواجهات دوار الداخلية وأحداث الزرقاء مع السلفيين حيث برزت صور للعنف وسالت دماء من جانب المتظاهرين وقوات الأمن والدرك .وقد اعتقد الكثير من المراقبين أن الحكومة والنظام السياسي قد تجاوزا المرحلة الأصعب في تطور الحراك السياسي والمطالب الشعبية المتصلة بالديمقراطية والإصلاح السياسي ومكافحة الفساد والحريات السياسية.والحقيقة أن الأوضاع لا توحي بذلك على الإطلاق رغم التعديلات الدستورية وقوانين الانتخاب والبلديات و مكافحة الفساد حيث أن الحراك السياسي يبدوا أن يتجه إلى مزيدا من التصعيد متجاوزا بذلك المسيرات الهادئة والشعارات التقليدية إلى مطالبات وشعارات أكثر حدة وصداميه مع النظام السياسي  ككل وليس فقط  مع الحكومة وأدائها المشوش الذي يفتقر إلى القيادية التي تحتاجها هذه المرحلة الهامة التي يمر بها وطننا العزيز.


 إن التصعيد وارتفاع سقف الشعارات التي يرفعها الحراك السياسي  في عمان والطفيلة ومعان والكرك واربد يستوجب بالضرورة من النظام السياسي التوقف فورا عن السير وراء الحكومة التي تسببت بمزيد من الأزمات وتأجيج مشاعر الأردنيين بدلا من حل الأزمات الراهنة والتجاوب مع مطالبات المواطنين وحل مشكلاتهم،كما يتطلب الأمر تواصل قيادة النظام مع الناس والسماع لأراء واستشارات غير تلك التي يطرحها الكادر في الديوان الملكي فهؤلاء يقدمون للملك ما يحب أن يسمعه ويخفون أوجاع الناس وآلامهم وترنحهم تحت وطأة قرارات حكومية متردد ومرتبكة .


   الأداء الفقير للحكومة هو المسئول المباشر عن تآكل هيبة الدولة وحضورها حيث نشهد مظاهر مؤسفة من التجرؤ على القانون وسمعة الدولة وهيبتها ليس فقط في الشعارات غير المسبوقة التي تتناول شخص الملك وقيادة النظام السياسي ولكن قطع بعض الطرقات الدولية الرئيسية في الدولة ومنع المركبات والمارة من الوصول إلى أماكنهم وحرق الإطارات والاعتداء على أجهزة وأفراد الأمن العام وكذلك الممتلكات العامة .تجلى سوء أداء الحكومة الذي أجج مثل هكذا تصرفات بولوجها في إلغاء الدمج للبلديات وشروعها بإنشاء بلديات جديدة تحت ضغط هنا ومظاهرة هناك وإغلاق طرق في بلدة وحرق الإطارات في بلدة أخرى لتستجيب الحكومة العتيدة في اليوم التالي بتلبية مطالب الفئات التي لجأت للعنف وتجرأت على هيبة الدولة بإنشاء بلدية لهم وكأنها بهذا التعامل الضعيف والمرعوب ترسل رسائل لباقي البلدات والتجمعات السكانية بأن قطع الطرق ومنع المركبات من المرور وإشعال الحرائق هي وسائل مجدية ونافعة لتحقيق مطالب إنشاء البلدية أو فصلها عن بلدية أخرى مما فتح الباب على مصرعيه لمزيد من المطلبيات ومزيدا من العنف باعتباره يحقق الهدف ويجبر الحكومة على التجاوب. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل هذا الوقت المناسب لفتح ملف دمج للبلديات ؟هل يحتاج الأردن في هذا الوقت الحساس إلى فتح هذا الملف ليضيف إشكالية أخرى تستثمر للتطاول على الدولة وتهديد استقرارها؟وعلى الرغم من يقيننا بأن هناك بعض الأمور المتصلة بالدمج التي ربما تحتاج إلى دراسة وإعادة تقييم  فإنه ليس هذا هو الوقت المناسب للتعامل مع هذا الموضوع، والدليل على عدم توفر الأفق والرؤيا لدي القيادة الحكومية هي قراراتها المتتالية في فصل البلديات وإنشائها على ضوء الاحتجاجات ومظاهر التطاول على هيبة الدولة في الوقت الذي يتم الإعداد فيه للانتخابات البلدية لبلديات لم يتم تحديد حدودها بعد .


من جانب آخر فقد جاءت التعديلات الدستورية المتصلة بعدم جواز إشغال الوظائف القيادية الوزارية والبرلمانية من قبل أشخاص يحملون جنسيات دول أخرى إضافة إلى الجنسية الأردنية لتربك العمل السياسي الأردني وتؤجج الشارع السياسي  بقضية مهمة ربما لم تكن تتصدر الأجندات السياسية للمختلف أطراف الحراك السياسي الأردني. صحيح أنها قضية مهمة ويجب البت فيها ولكن التعامل معها أزم القضية ولم يحسمها وترك تساؤلات مهمة عن بعض المواقع والوظائف التي ربما تستوجب عدم ازدواجية الجنسية. فعلى سبيل المثال ماذا عن السفراء الأردنيين في الخارج هل يجب عليهم التنازل عن الجنسيات التي يتمتعون بها لدول أخرى؟ وكيف سيستمتع السفير الأردني في الخارج بالحصانة الدبلوماسية المنصوص عليها في القوانين الدولية إذا كان يحمل جنسية الدولة التي يمثل الأردن فيها؟كيف يمكن أن تتمتع السفيرة الأردنية في فرنسا على سبيل المثال لا الحصر بالحصانة إذا كانت تحمل الجنسية الفرنسية وهي أمام القانون الفرنسي مواطنة فرنسية؟


أما بالنسبة لحمل الجنسية الأجنبية من قبل رؤساء مجالس أمناء الجامعات ورؤساء الجامعات الرسمية ونوابهم فهو أمر ليس من الواضح أن التعديلات الدستورية وقرار المجلس الأعلى لتفسير الدستور قد حسمه. كثير من الذوات الين يشغلون مواقع قيادية لمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي يحمل الجنسيات الأجنبية إضافة للجنسية الأردنية ويخضعون بذلك للحماية الأجنبية كمواطنين لتلك الدول التي يحملون جنسياتها.إنه لمن المستغرب أن يستقيل بعض الأشخاص من مجلس الأعيان بحجة حملهم لجنسيات أجنبية في حين أنهم يشغلون مواقع ربما أخطر كرؤساء مجالس أمناء لجامعات ومؤسسات علمية وفكرية في المملكة.


أعتقد بأن حكومة الدكتور معروف البخيت تجر البلاد لمزيد من التطرف والعنف واللجوء إلى وسائل غير سلمية لتحقيق مطالب شعبية. الحكومة لم تلعب أصلا دورا قياديا في استثناء أو تأجيل النظر ببعض التعديلات الدستورية التي لم تكن ذات أولوية جماهيرية في بداية الحراك مثل تلك المتصلة بازدواجية الجنسية لشاغلي الوظائف القيادية أو قضية إلغاء الدمج للبلديات ،وقد كان بإمكان الحكومة تأجيل طرح مثل هذه الموضوعات لحين تجاوز الدولة لأزمة الربيع السياسي الأردني واستقرار الأوضاع الأمنية والسياسية. ويمكن الذهاب لأبعد من ذلك إلى القول أن الحكومة قد حرصت على إدراج قضايا غير مرغوبة وغير مستحبه وغير ديمقراطية في قانون مكافحة الفساد وخصوصا المادة 23 سيئة الذكر والتي تتعارض مع الحريات الصحفية التي كفلها الدستور.  أن  الحكومة ودورها وقراراتها انفعالية وتأخذ شكل ردود أفعال متأثرة بالأحداث ومطالب الحراك السياسي والجماهيري ولا تلعب أي دور قيادي فاعل ومقنع ومؤثر باتجاهات الناس ووجدانهم مما أدى إلى ارتفاع سقف المطالبات، وتضاؤل احترام الدولة ،وتطاول الناس على هيبتها وقطع الطرق والتعرض للمارة ، والأمور مرشحة لأسوأ من ذلك إذا قدر لهذه الحكومة الاستمرار لمدة أطول.الأوضاع الحالية في بعض مناطق المملكة شبيهة بالأوضاع التي تسبق حالة العصيان المدني والتي عادة ما تسبق الفوضى السياسية والعنف السياسي وهذا آخر شيء نحتاجه في هذا البلد في هذه المرحلة الحساسة. ولذلك نقول لجلالة الملك التغيير الحكومي ضرورة قصوى الآن نظرا لفقدان هيبة الدولة والتي لا يمكن استعادتها من قبل نفس الحكومة التي تسببت بها.الأردن بحاجة إلى  حكومة يتمتع رئيسها وشخوصها برمزية وتقدير سياسي من قبل معظم الأطراف السياسية، وتاريخهم السياسي خالي من الشبهات وأوضاعهم المالية وثرواتهم معروف مصادرها وشرعيتها. أعتقد أن القيادة السياسية العليا في الأردن على وعي كامل بان قطاعا واسعا من الأردنيين يريدون الملكية المطلقة ويقبلون ما يقبله الملك لهم وخيارهم هو خيار الملك وعليه فما الغضاضة أن يقوم الملك باختيار حكومة تضم شخصيات وطنية معارضة تحظى بتقدير جماهيري واسع(وهذا الخيار من المتوقع أن يحظى بتأييد أنصار الملكية المطلقة ما دام أنه خيار الملك) لتقود الأردن إلى بر الأمان وتعيد للدولة هيبتها المعنوية ورمزيتها السياسية والسيادية التي تتآكل يوما بعد يوم مع انتشار عدوى الملثمين المسلحين وقطع الطرقات وتجاهل القانون وتعطيل الحياة العامة.

الأردنيون قلقون على مستقبلهم وعلى استقرارهم وأمنهم ويريدون من يبدد مخاوفهم ويحقق لهم طموحاتهم ويرسخ أسس الحوار السلمي الديمقراطي المستندة إلى الحرية والمشاركة السياسية الحقيقة للمواطنين وحقهم في إدارة شؤونهم.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد