من يُنصِف المعلم؟

mainThumb

09-10-2011 11:04 AM


قال تعالى: ? يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ?. وقال رسول الله r : (من يرد الله به خيراً يفهمه وإنما العلم بالتعلم) , فالتعليم من المهن والحرف التي دعا إليها الإسلام وحث عليها, والمعلمين هم حُماةُ الثُّغور، ومربو الأجيال، وسُقَاةُ الغرس، وعُمَّارُ المدارس، ومسؤولية المعلم عظيمة، والأمانة الملقاة عليه كبيرة, فلقد تحمل المعلمون الأمانة وهي ثقيلة، واستحقوا الإرث وهو ذو تبعات، وينتظر منهم ما ينتظره المدلج في الظلام من تباشير الصبح, وترجو الأمة أن يبنى بهم جيل قوي الأسر، شديد العزائم، سديد الآراء، متين العلم، متماسك الأجزاء. فالمعلم هو العنصر الأساسي وحجر الزاوية والحلقة الأقوى في العملية التربوية، إنه روح هذه العملية وعصبها المركزي وركنها الأساسي، لأنه ناقل للخبرة والمعرفة والتجربة، ومن خلاله تخرجت بقية المهن الأخرى.
قال الشاعر:
قم للمعلم وفيه التبجيلا            كاد المعلم ان يكون رسولا
كما أن المعلم هو المسئول عن إعداد القوى البشرية المؤهلة والمدرّبة لتلبية احتياجات المجتمع المتنوعة، وهو المسئول عن صياغة أفكار الناشئة وتشكيل سلوكهم وتكوين قيمهم ومثلهم، وعن دمجهم في المجتمع الذي يعيشون فيه. والحديث عن هموم وشؤون وآمال وآلام المعلمين ذو شجون, ويحتاج إلى مجلدات ولكننا سنحاول أن نوجز بمشيئة الله قدر الإمكان في مقالنا هذا أهم هموم المعلمين والصعوبات التي تواجههم.
المعلم في الأردن يعيش في مناخ معقد وبارد ويتعرض لتهميش وظلم شديدين ويتعرض كذلك لضغوط كبيرة, ابتداءً ب الراتب المتدني جداً مقارنة برقي الرسالة وعظم الكم المطلوب من الأداء, ف المعلم الأردني يحتاج إلى مساعد لكي يستطيع أن يقوم بالكم الهائل من الأشياء التي تطلبها منه وزارة التربية والتعليم, فعلى المعلم أن يقوم بكتابة التحضير اليومي ورصد الغياب وتعبئة قوائم الشطب وسلالم التقدير وخطة الوحدة وعلامات الطالب وإعطاء الواجبات وتصحيحها والمتابعة على الإديوويف.. الخ . هذا عدا عن الضغط الكبير الناتج بسبب الفصول المكدسة بتلاميذ يفتقد أغلبهم الاهتمام بالتعليم، ويظهر ذلك في محاولاتهم الخروج على النظام، ومن الضغوط على المعلم كذلك تكبله بسلطات بيروقراطية متربصة به وبعمله , وشعور المعلم بالعزلة، وغياب المساندة، والتجريد من السلطات، والنظرة المتشككة إلى ولائه وأدائه، والاستهتار بآرائه وخبراته عند إدخال تغييرات في العملية التعليمية، ويشعر المعلم بأن جهده يضيع سدى وليس له ثمرة وأنه يبذل كل ما عنده ولا أحد يقدّر أو يستفيد .
ولا ننسى هبوط قيمة المعلم اجتماعيا نتيجة للقوانين والتعاملات الرسمية التي تعمل دائما على تحجيم وتصغير قيمة المعلم . ناهيك عن تدني المستوى الفني للمدارس وضعف الإمكانات فيها فلا أجهزة حاسوب كافية, ولا مختبرات علوم مجهزة, ولا مكتبة مستقلة بقاعة, ولا ساحات واسعة للعب الطلاب.. الخ, وكل هذا يضيف مزيدا من الضغوط على المعلم , ويؤدي بالمعلم إلى فقدان اهتمامه بتلاميذه، ونقص الدافعية عنده ، ومقاومته للتغيير وفقدانه للابتكار. وهذا أيضاً يؤثر سلباً على علاقة المعلم بتلاميذه، وعلاقته بالموجه، وعلاقته العلمية بزملائه، وعلاقته بالإدارة، وغياب التفاهم بين المعلم والإدارة، والمعلم وأولياء الأمر.
إن عصر المعلومات الذي نعيشه يتسم بتضخم المعرفة وتنوع مصادرها وطرق اكتسابها ووسائط تعليمها وهذا يتطلب إعداداً خاصاً للمعلم، فالمعلم بحاجة إلى الدورات المختلفة لتنمية مهاراته وقدراته ومعارفه، بالإضافة إلى جعله مُلماً إلماماً جيداً بالتقنيات الحديثة وبمناهج التفكير وبأسس نظرية المعرفة، وبمهارة إدارة الصف، فقد تغير دور المعلم من كونه مجرد ناقل للمعرفة إلى كونه مشاركاً وموجهاً يقدم لطلبته يد العون لإرشادهم إلى مصدر المعلومات، أي إن مهمة المعلم أصبحت مزيجاً من مهام المربي والقائد والمدير والناقد والمستشار. ونجاح أي مؤسسة تربوية في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يتوقف بالدرجة الأولى على نجاحها في إحداث نقلة نوعية في إعداد المعلم وإعادة تأهيله كي يتعامل مع تكنولوجيا عصر المعلومات دون رهبة أو خوف أو توجس.
إن أي خلل أو ضعف في أحد عناصر العملية التعليمية، خاصة المعلم، يكون أثرها كبيراً, فالطالب الذي يرى المعلم لا يبالي بالإعداد للدرس أو يتأخر في الحضور أو لا يهتم بالواجبات المدرسية سيتولد لديه شعور مماثل بعدم الاهتمام بهذه الأشياء. وبرود المعلم في أدائه لدرسه سيفقد الطلاب الدافعية للتعلم، مما يجعل الدرس مملا. وهذا بدوره يزيد من الضغوط على المعلم . وهذا ما قد يدفعه كذلك إلى تثبيط زملائه عن العمل الجماعي والتعاون في نشاطات المدرسة. فيفتقد بذلك الجو الجماعي التعاوني في المدرسة لتصبح مجموعة من الأفراد الذين لا يجمعهم إلا المكان فقط. فلا تربطهم أهداف مشتركة ولا هموم ومطالب مشتركة. وهذا الجو يزيد في الضغط النفسي على المعلم، بحيث تتسع دائرته، فبدلا من الفصل تصبح المدرسة ذاتها غير مريحة له، فلا يشعر بالرغبة في البقاء فيها . هذا عدا عن عدم وجود آلية صحيحة لاختيار مدراء المدارس مما يؤدي إلى تدهور في أحوال المدارس وعدم قدرة المعلم على أداء واجبه بالطريقة المثلى.
لهذا كله فاننا نرى ان على الحكومة أن تقوم بعدة إجراءات لإنصاف المعلمين وعلى رأسها أن تقوم بتحسين أوضاع المعلمين المادية كأن تقوم بمضاعفة راتب المعلم مرتين أو ثلاثة مرات, وأن تقوم كذلك بتطوير وتجديد المدارس لكي تكون مكاناً أفضل للعمل والتعلم, وتوسيع الحرية الأكاديمية، وتخفيف كثافة الفصول، ودعم نقابة المعلمين، وإعدادا المعلم جيدا مع ما يتناسب مع المتغيرات والتطورات العالمية المتسارعة في كافة المجالات.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد