كما النسبية مفهوم فيزيائيّ، إلا إنها قابلة للتطبيق في الحياة الاجتماعية اليومية التي نعيشها. فالمصريون (يهزّؤون) السارق بقولهم إنه حرامي فِراخ، والأردنيون يصفونه بأنه سرّاق جاج، حيث يتسلل هذا (السّرسيّ) خِفْيَة بعد أن يرخي الليل سدوله، وتنسدل أستار الظلام والظلمة صوب خمّ أحد الجيران لينهب ما فيه من بيض ذي محاحة ومحاحتين، وما تطاله يداه من رقاب الصيصان والدجاج الذي يبقبق ويوقوق ذعرا وخوفا من زائر المساء وثعلب الليالي الليلاء.
وقد تبلغ دناءة سارق الجاج ولؤمه أن يسرق خمّه إن تعذر عليه سرقة جيرانه، وقد يبلغ من الدناءة أيضا أن يصاحب الحصينيّات ويعاشرها ويتخذها من الأهل والأحباب والخلان. كما ستلحظ أن عينيه تتراقصان يُمنة ويُسرة كلما رأى في طريقه ديكا منتفخ الأوداج، أو صوصا تأخر عن رفاقه. ومع كل هذه الخصال إلا أنك قد تجد فيه، بعد لأي ومشقة، بعضا من تأنيب الضمير، وحمرة الخجل؛ فهو يطأطئ رأسه في نهار اليوم التالي عندما يسير في البلدة وأصابع الاتهام والسخرية توجه إليه من كل حدَب وصوب، بل وتجده أحيانا يبرر فعلته الشنعاء بضيق ذات اليد والفاقة.
كما أنه ذو طموح يتراقص أمامه في أحلام يقظته ليصبح في يوم ما ذا شأن لا يشق له غبار في عالم اللصوصية وميليشيا الحرامية الكبار؛ عندها ينقلب الخمّ إلى خزانة حديدية أو قاصة فولاذية تستكين تحت أنامله، وحينها سيمارس هوايته التي تحولت إلى حرفة في وضح النهار-عينك عينك- وعندئذ سيصاحب حصينيّات ليست ذات الحصينيات التي تعرف إليها في أيام( عفرررران شبابه) فالثعالب الجدد أوفر حظّا في حياتهم الدنيا، وتراهم يتسيدون المجالس في العزاء والأفراح والمناسبات الاجتماعية، وسينقلب حاله من سرّاق (زغير) يلحس أصابعه إلى حوت سمين يلحس يديه وذراعيه بحيث لا يُبقي ولا يَذر لا للنمل ولا للذّر. فالسرقة إذن نسبية الدلالة والمقدار؛ فقد يسرق هذا بعيرا، وقد يسرق ذاك رسن البعير.
فهناك من يسرق مكعب ماجي( مرق الدجاج-حسب علمي) وهناك من يسرق أسطوانة غاز، ولكن هناك أيضا من يسرق أهرامات على صورة امتيازات وتسهيلات وعمولات ورشا وغير ذلك مما نعرف ولا نعرف، والحمد لله أننا لا نعرف مثل هذا من أموال منبعها حرام ومصبها حرام وعرابوها حرامية أكانوا من ذوي النفوذ أم الشأن الذين خلطوا بزنسهم بسطوتهم بعقد أسبغوا عليه الشرعية الزائفة بزواج منفعة ومتعة لهم ولذراريهم؛ عقد وقع عليه شاهدان؛ إبليس وشيطان، فأنّى يرتجى خير من هذا النسل الذي يتناسل ويتكاثر في//- بعض //- وزاراتنا ومؤسساتنا ودوائرنا الحكومية ومؤسساتنا شبه الحكومية والخاصة، حتى بات المواطن الذي ( يعظ) على وطنيته وانتمائه ووفائه بالنواجذ يرى نفسه خارج حدود التغطية لا يستوعب ما الذي حلّ بوطنه بعد أن عاثت الضباع بحرماته، وتسللت الأفاعي إلى عَرَصاته.
هذا المواطن لم يكن يجاور فيما مضى إلا طيور السُّنونُو( سنينو) الذي عهدنا أن نرى عشه في سقوف غرفنا وحجراتنا آمنا مطمئنا على بيوضه وفراخه. غادر السنونو بيوتنا ومهاجعنا وبيادرنا ومساجدنا، ومنذ ذلك الحين أصبحنا نعتاد رؤية طيور مهاجرة وجوارح وكواسر تنهش في الوطن ومقدراته، وتقوض من عاداته وتقاليده، وتخلخل أركان عقيدته؛ فجاور المسجد دار خمر أو ميسر، وقابل الجامع مرقص أو ملهى. وتعددت المشاريع الورقية حتى أصبحت المستحيلات غول وعنقاء وخلّ وفيّ، وحوض ديسة ودسائس، وباص سريع العطب............... قد يعود السنونو في يوما ما إذا قصصنا قوادم الكواسر وخوافيها، وقد يبني عشه ثانية إن لم تزاحمه طيور أبناء السبيل التي تنتقل مع الريح التي لا تدرك معنى الوطن ولا الوطنية، وقد يجاورنا مرة أخرى في بيوتنا إن وجد الأمن والأمان على بيضه وفراخه وصيصانه.