يا أهل الشمال؛ عليكم بالتيمم!

mainThumb

27-07-2011 11:25 PM

يا أهل الشمال؛ عليكم بالتيمّم! فالتّيمّم رخصة شرعية في حالات انقطاع المياه أو ندرتها أو شحّها وهو ما ابتلي به ضحايا خصخصة المياه في الشمال من المواطنين الذين يرتعدون خوفا أن يأتي يوم يخصخص فيه الحصى والتراب. وعندئذ سنحتار بالبديل الشرعي عند نفاد الماء والتراب لأنّ الخصخصة إن وصلت الأكسجين الذي نتنفسه في شهيقنا ستشهق أرواحنا إلى بارئها .




 وعندها،،،،،، عظّم الله أجركم. ومن الجدير بالذكر أننا في الشمال- ولا أتوقع باقي سكان المملكة أفضل حالا- مصابون بمرض نادر الوجود يطلق عليه( فوبيا المواسير) حيث تزداد الحالة سوءا وتتفاقم ليس ابتداء من تموز طباخ العنب والكوز وليس انتهاء بآب اللهاب.




 ومن أعراض هذا المرض إصابة المواطن بحالة من التلازم تتمثل بالتنصت الدائم على كركرة مواسير المياه وذلك بوضع الأذن اليمنى على معدن الماسورة، بعد أخذ وضع التفحيج أو القرمزة لسويعات قد تطول دون سماع صوت هدير ولا خرير، فلا يجد المواطن حلا بعد يأسه وقنوطه إلا التجول بناظريه صوب أسوار المنازل المجاورة التي زيّنت بأرقام هواتف التنكات بصرف النظر أكانت من ذوات اللون الأخضر( مياه صالحة للشرب) أو الأزرق( مياه غير صالحة للشرب).




ومن الجدير بالذكر أيضا أنّ هذا المرض النفسي وراثي تتناقله الأجيال جيلا بعد جيل؛ ففراس البِجِر ابن أبي فراس أصبح ضليعا في التنبؤ بعدم وجود ولو قطرة ماء في مواسير هذا الأسبوع بسبب الجينات الوراثية التي مزطت ومصعت من الأب إلى الإبن حاملة هذا الداء المزمن، وقد عززت هذه المهارة بالخبرات التي اكتسبها من مجتمعه المحلي الممثل بالجيران الصابرين المرابطين على جنبات المواسير وأطرافها كل أسبوع؛ ليلة السبت عبرة الأحد.




 كما أنّ من أعراض هذا الدّاء- عافاكم الله تعالى منه- أنه يراود المصاب في أضغاث أحلامه التي تتكرر بهالة من نور على هيئة قطرة ماء تسبح في أرجاء الغرفة تبتسم حينا وتقهقه أحايين أخرى ساخرة مستهزئة من العطاشى، فما أن يمد المريض ذراعيه بحنوّ وشوق للإمساك بها حتى تتباعد شيئا فشيئا عنه وبكل هدوء، فيتبعها بكل لهفة الهوينى حتى لا يفزعها، وإذ به يسقط عن سريره، متصبّب العرق ومرددا: اللهم اجعله خير اللهم اجعله خير.




 ولو رجعنا إلى الرخصة الشرعية التي شرعها لنا علام الغيوب جلّ وعلا، فإنها تشير إلى أنّ علينا أولا إخلاص النية ومن ثم الضرب بالكفين على التراب دفعة واحدة، ولكن دون أن نهيل التراب على رؤوسنا أو أن نمرغ وجوهنا به على الحالة التي ابتلينا بها؛ فقط مجرد الضرب بالكفين ومن بعدها إكمال بقية خطوات التيمم التي يجب أن نتقنها تماما دائما وخاصة في أشهر الصيف التي تتسم بكثرة الشكوى من المواطنين العطاشى وصدقهم، وكذلك بكثرة تبريرات وتسويفات المسؤولين وكذبهم.




فالواقع المعاش هو انقطاع المياه أو شحّها أو ضعفها الشديد، ومهما تعددت تبريرات المسؤولين عن مياه الشمال فلن تتحول هذه التبريرات إلى قطرات ماء تنساب في مواسيرنا التي أصابها الجفاف؛ فصورة لشلالات نياغارا وأخرى لنهر النيل وثالثة لدجلة والفرات لن تروي عطش عجوز مصاب بالسكري، ولن تشفي غليل طفل متهاو في حضن أمه. ومن خلال معايشتنا للخصخصة لم نجد من آثارها إلا فسادا وويلا وثبورا، وما مياه الشمال ببعيدة عن ذلك.




ومن مآثرها ما يلي: * قيمة الفاتورة التي كنا ندفعها في ثلاثة أشهر صرنا ندفع أكثر منها في شهر واحد. *عدم وصول الفواتير إلى مكان السكن، مما يترتب على المواطن الاصطفاف بالدور لمعرفة قيمة الاستهلاك على إحدى الشاشات ومن ثم الاصطفاف في طابور آخر لعملية الدفع. وبعد أن كانت مثل هذه المعاناة مرة كل أربعة شهور، أصبحت تهل مع هلال كل شهر. * عدم تحقيق مسوغات الخصخصة كما أرادتها الحكومة باستثناء مسوغ واحد وهو الملايين التي تدخل في جيوب نفر لايزيد عددهم على أصابع اليدين؛ فقد يكونوا مثلا ستة وسابعهم الشريك الاستراتيجي. وبما أنّ في الإعادة إفادة، فنعيد التذكير مرة أخرى بأنّ التيمّم يكون بالضرب بالكفين على التراب ولكنه لا يعني أبدا أن نهيله على رؤسنا من الأعلى إلى الأسفل.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد