إلى علماء السلاطين

mainThumb

20-07-2011 11:22 PM

إن من المتعالمين اليوم من المدرسين والخطباء في المساجد الذين لا يتقون الله عز وجل فيما استأمنهم الله عليه من العلم والقول بكلمة الحق، وألا يخشوا في الله لومة لائم، إن منهم أناسا يسكتون عن الظلم الذي طال رقاب العباد في كل البلاد، ويسكتون عن المعاصي والذنوب، وأكل أموال الناس بغير حق، ونهب ثروات البلاد، وغياب العدل، وإقصاء كتاب الله وسنة حبيبه-صلى الله عليه وسلم- عن التشريع، ومحاربة الله ورسوله، وموالاة أعداء الأمة، وانتشار الفقر والجوع والبطالة، وازدياد مديونية الدولة، وانهيار الاقتصاد، وتلاعب طغمة حاكمة بمقدرات الدولة وتقاسمها فيما بينهم، يسكتون عن كل ذلك ولا يؤدون واجبهم الذي استأمنهم الله عليه، ويا ليتهم يكتفون بذلك، بل إنهم إذا رأوا الأمة انتفضت وثارت في وجه الظلم والظالمين تحفزوا واستنفروا قواهم واستجمعوا علومهم وبدؤوا ينطقون بالباطل بعد أن سكتوا عن الحق، ويجرمون الناس، ويحرمون عليهم ثورتهم السلمية البيضاء التي سئمت الذل والظلم، وهبت تطلب العزة والكرامة والحرية، فيكون هؤلاء المتعالمون بكلامهم وفعلهم هذا ارتكبوا ظلما مركبا بسكوتهم عن الحق وقولهم بالباطل.

      أقول لهؤلاء الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، ويحرفون الكلم عن مواضعه: اسمعوا أيها الكاذبون ماذا يقول الله تعالى في كتابه العزيز -يا من تجعلون الكتاب قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا- قال -سبحانه وتعالى- في سورة الأنفال:"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب" أي أن المعاصي والظلم والفساد إذا انتشر ولم يُنكر ولم يُغير فإن العقوبة تعم الجميع ولا تخص الظالمين فقط، وهذا ما حدث حقيقة خلال عشرات السنوات العجاف التي عاشتها أمتنا القرن الماضي من السكوت على ظلم الحكام الطغاة المفسدين في الأرض. ويا من تتشدقون بأن الفتنة بالإنكار على الحاكم الظالم ودفع ظلمه وأنها تؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار، كذبتم والله، فالله يبين في سورة الأنعام من الذي يكرمه الله بالأمن والاستقرار، قال تعالى:"الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" ويبين -عز وجل- أن المصلحين هم سبب الأمان والنجاة من الهلاك في الأرض ولكن  المتعالمين المنافقين المداهنين للحكام لا يعلمون، قال -عز من قائل- في سورة هود:"فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين، وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون" ففي هذه الآية حث واضح، بل وجوب للنهي عن الفساد في الأرض وأن للذين ينهون عن الفساد في الأرض النجاة من العذاب والهلاك، وهذا ما يقوم به دعاة الإصلاح في بلدي أو أي بلد آخر، ويقول الله -عز وجل- في سورة النحل:"وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله  لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون" أي انتشار المعاصي والظلم والفساد بأشكاله كافة، وعدم اتباع أمر الله وأمر رسوله-صلى الله عليه وسلم- هو السبب الرئيسي والأساسي لنزول نقمتي الخوف والجوع، وهذا ما حدث في أمتنا من انتشار للفقر والبطالة، وارتفاع جنوني للأسعار، وانتفاء للعدل والمساواة وتكافؤ الفرص. ثم إن سنة التدافع بين الحق والباطل هي من السنن الأساسية المعروفة التي قررها الله عز وجل في كتابه العزيز حتى يحفظ بها الله الأرض من فساد الفاسدين وظلمهم وطغيانهم وجبروتهم وبين الله أنه لولا هذا التدافع لفسدت الأرض وليس العكس، كما يقول هؤلاء الكاذبون الأفاكون، فالله –تعالى- يقول في سورة البقرة:"ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" أي أن الله يمن علينا –سبحانه- بهذه السنة التي أوجدها بين الناس حتى لا يستشري الباطل ويستفرد بالناس.

      أما ما قد يصيب المصلحين من أذى في النفس أو الأهل أو المال أو الولد أثناء الدعوة إلى الإصلاح ومحاربة الفساد، فهذا أمر طبيعي بل نتيجة حتمية تعرض لها كل الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام- ومع ذلك لم يتركوا الدعوة، والعمل لدين الله، والمطالبة بالإصلاح، والنهي عن المعاصي والمنكر والفساد في الأرض، وليس الذنب في ذلك الأذى على المصلحين الذين قاموا، بل على الظالمين الذين اعتدوا، قال –تعالى- على لسان لقمان لابنه:"يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور"، وقال عز من قائل:"أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب" فلا بد من الصبر ولا بد من دفع الثمن والرسول-صلى الله عليه وسلم- يقول:"ألا إن سلعة الله غالية إلا إن سلعة الله الجنة" والله -جل في علاه- يمتحن صبر المؤمنين الصادقين بهذه الابتلاءات ويمحصهم ليعلم الصادق من الكاذب في ادعائه للإيمان، وتقديمه أمر الله على كل ما سواه، وحب الله على حب ما سواه، يقول -عز وجل- في سورة العنكبوت:"أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين".



      أما ما يكثر ترداده على لسان بعضهم من قاعدة أصولية تقول: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) فأقول لهم: هذه القاعدة حجة عليكم لا لكم، فأي مفسدة أعظم مما وصل إليه أردننا الحبيب وكل البلاد العربية والإسلامية من نهب للأموال والثروات، وبيع للبلاد والعباد بثمن بخس دراهم معدودة، وظلم عم كل مفاصل الحياة، وغياب للعدل وتكافؤ الفرص، وتواطؤ مع أعداء الله وموالاة لهم، وتفريط بثوابت الأمة ومقدساتها، وحرب للمواطن الفقير المسكين في قوته وقوت عياله من خلال رفع الأسعار الجنوني وإثقال كاهله بالضرائب الجائرة، والرسوم، والغرامات وغيرها، ومنع الناس من التعبير عن رأيهم، واضطهادهم، وملاحقتهم في وظائفهم ودراستهم وحلهم وترحالهم، وتقديس للأشخاص إلى حد يصل درجة العبودية على حساب تعظيم أمر الله-سبحانه وتعالى- ورسوله- صلى الله عليه وسلم- فأين المفسدة المتوقعة من القيام في وجه الظالمين والجهر بكلمة الحق، وإن كانت هذه المفسدة متوقعة فهي أقل ثمنا بكثير من السكوت على الظلم وقد بينت الحوادث التاريخية والحالية ذلك، وما يراه الناس من دماء وتضحيات في سبيل نيل العدل والحرية والعزة والكرامة أقل بكثير من الثمن الذي دفع في سنوات الصمت على الذل والعار، ومن لا يصدقني فليرجع إلى الإحصائيات والدراسات حول ذلك وسيرى صدق ما أقول. 

      لقد بين رسول الله –صلى الله وعليه وسلم- المنهج وأمرنا به، فقال عليه الصلاة والسلام عندما سئل عن أفضل الجهاد :"كلمة حق عند سلطان جائر" وبين في حديث آخر أن:"سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" وهذا يدل دلالة واضحة قاطعة على أن هؤلاء الشهداء الذين يسقطون كل يوم في البلاد العربية الثائرة هم سادة الشهداء عند الله، لأنهم قالوا كلمة الحق في وجه فراعنة هذا العصر، وطغاتهم، وماتوا في سبيل ذلك.

       ثم أقول لمن يكذبون ويقولون زورا وبهتانا من هؤلاء المتعالمين الأفاكين: إن الإنكار خاص بالعلماء، أقول لهم ماذا تقولون في حديث الرسول –صلى الله عليه وسلم- الصحيح الذي يقول فيه:"إذا رأيت أمتي تهاب فلا تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها" إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: أمتي، ويبين أن الواجب على كل الأمة في القيام بهذا الأمر لأن يد الله مع الجماعة، وأثر الأمة أكبر وأبلغ في رفع المنكر وإحقاق الحق والعدل، وماذا تقولون في قوله-صلى الله عليه وسلم- :"والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننكم كما لعنهم" فها هو المنهج واضح يبين وجوب الأخذ على يد الظالم ومنعه من الظلم، والاستمرار في الإنكار عليه بكل الوسائل المشروعة حتى يغير، وليس بالاكتفاء بأن الرسالة وصلت كما يقول هؤلاء الخائنون الغادرون، فما الفائدة من وصول الرسالة مع إصراره على الباطل والظلم والإذلال والإفقار لعباد الله؟؟!!! اسمعوا إخوتي ماذا يقول –صلى الله عليه وسلم-:"..........ثم تكون بعدي خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس بعد ذلك من الإيمان حبة خردل" إذن الرسول –صلى الله عليه وسلم- يقر بوجوب جهاد هؤلاء الظالمين المخالفين بكل ما أوتينا من قوة، وإن الوزر والظلم والإثم والعار على من رضي بفعلهم وتابعهم بل وأكثر من هذا، دافع عنهم على منبر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال كلمة الباطل على منبر الحق ولا حول ولا قوة إلا بالله.

        ثم إن الرسول –صلى الله عليه وسلم- بين حال هؤلاء الفاسدين المفسدين الذين ينهبون أموال الأمة ويسرقونها، ويخوضون فيها بغير حق فقال عليه الصلاة والسلام:"إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة" فانتظروا أيها الفاسدون المفسدون الظالمون الطغاة المستكبرون، ومن رضي بفعلكم وتابعكم ودافع عنكم، انتظروا غضب الله وعذابه وجهنم التي تميز من الغيظ عليكم وعلى أمثالكم يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

      وأقول لدعاة الخير والإصلاح: اثبتوا على حقوقكم ومطالبكم، وقولوا كلمة الحق ولا تخشوا لومة لائم، ولا تسمعوا لتهويش وتجييش وتخويف المنافقين الكاذبين لكم، واذكروا قول الله تعالى لكم:"الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم" وتصبيره وتثبيته لكم:"يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد