أحمد عبيدات والجبهة الوطنية للإصلاح

mainThumb

12-07-2011 06:24 PM

 لقد كنا وما زلنا نتواصل مع الناس في أكثر من مكان ومجال، ومع كل الفئات لإقناعهم بضرورة الإصلاح في هذا الوقت الملح، وكنا نعلق آمالا عريضة على ما يسمى"الجبهة الوطنية للإصلاح" لأنها شُكلت من ائتلاف واسع من الأحزاب السياسية على الساحة الأردنية والقوى الشعبية والحراكات الشبابية والشخصيات العشائرية المختلفة الممتدة على طول الوطن وعرضه، فمثلت كل شرائح المجتمع الأردني بأطيافه السياسية والشبابية والعشائرية كافة، وكنا نقول: إن هذه الجبهة بمكوناتها العريضة إذا ما أعلنت عن أي حراك شعبي مطالب بالإصلاح فسيكون لها الزخم الأكبر والتأثير الأعظم على طول الوطن وعرضه.

      ولكننا كنا نواجه مع أنفسنا ومع الناس تساؤلات عدة من أهمها: كيف لرجل مثل "أحمد عبيدات" اختارته الجبهة ليكون رئيسا وممثلا لها بماضيه المعروف، حيث كان مديرا للمخابرات العامة، ووزيرا للداخلية، ورئيسا للوزراء، وكان بذلك جزءا لا يتجزأ من معادلة الخلل في البلد، وكانت له قرارات وسياسات تعسفية ظالمة ضد شرائح الشعب المختلفة، كيف له أن يقود مسيرة المطالبة بالإصلاح ففاقد الشيء لا يعطيه؟! فكنت أنا وغيري نجيب وبصراحة- ولم نكن نجد غير هذا الجواب- كنا  نقول: لعل الرجل تغير وتراجع عن أخطائه السابقة وتاب عنها، وكل إنسان منا يخطئ ويصيب ومعرض للزلل ولكن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ويغفر الزلل إذا قام العبد بالإقلاع عنه، والإصلاح، وبيان ذلك الخلل، والتراجع عنه علانية، حتى كانت المفاجأة، بل أسميها شخصيا الصاعقة، عندما جاء "أحمد عبيدات" ممثلا للجبهة الوطنية إلى إربد في لقاء مفتوح مع شرائح المجتمع السياسية والشعبية في مجمع النقابات المهنية يوم الثلاثاء 5/7/2011 فتأملوا معي إخوتي وأعزائي هذه النقاط:

(1) عندما قام أحد الحضور بسؤاله عن تاريخه كمدير للمخابرات العامة - التي نعلم جميعا أنها أساس الخلل في حياتنا العامة والمدنية، ونطالب برفع قبضتها الأمنية عن مفاصل الحياة المدنية عامة، ورفع الظلم والاستبداد والتعسف الحاصل منها على رقاب العباد- وعن تاريخه كوزير للداخلية ورئيس للوزراء، وعن تولي مكتبه قضية الدفاع عن البطيخي وقضية بنك البتراء، وماذا قدم خلال تلك المناصب لبلده وللإصلاح؟ توقعت للوهلة الأولى أن يتراجع عن تلك الفترة المظلمة في تاريخ وطننا العزيز وعن الإجراءات التعسفية الظالمة التي كانت تتخذ في حق الناس في ذلك الوقت، وأنا أعلم شخصيا أن آلافا من الناس كانوا مفصولين من وظائفهم، وممنوعين من السفر على خلفياتهم السياسية، وأحدهم والدي شخصيا حيث فصل من وظيفته من عام 1980 حتى عام 1989 بل وكان يلاحق من قبل جهاز المخابرات العامة حتى عندما كان يعمل في الشركات الخاصة بعد فصله، وكانت تلك الشركات تستغني عن خدماته نزولا عند ضغط المخابرات العامة عليها بعد شهرين أو ثلاثة من توظيفه، كما كان ممنوعا من السفر طيلة تلك الفترة بعد ما جاء قرار الفصل، وحالته هذه تنطبق على الآلاف من الأشخاص الذين تعرضوا لنفس الظلم والتعسف. عداك عن الاعتقالات الجائرة والضرب والتعذيب داخل المعتقلات والإهانة وكل ذلك على خلفية الانتماءات السياسية للأشخاص المتضررين، ولكن المفاجأة كما أسلفت كانت أن الرجل عندما أجاب كانت إجابته مستكبرة مستعلية تفتقر لأساسيات أدب الحوار، واحترام النقد، والرأي والرأي الآخر، فقام بمهاجمة السائل بأنه مدفوع من جهات معينة!! وإذا كان يقصد المخابرات فلماذا بعدها كان يفتخر بإنجازاته في هذا الجهاز، وأنه ربى أفراده على الخلق وأنتج جيلا ملتزما بالخلق والتعامل اللبق مع الناس، ولا أدري حقيقة عن أي خلق أو تعامل كان يتحدث خصوصا في تلك الفترة إلا إذا كان يقصد بلدا آخر غير الأردن وغير الدول العربية أيضا!!! ودافع عن وجوده في وزارة الداخلية ورئاسة الوزراء، وعن تولي مكتبه قضيتي البطيخي وبنك البتراء، ولم يكتف بذلك بل هاجم السائل ورماه بالغباء عندما قال له:"هذا سؤال غبي بل وأغبى سؤال سمعته في حياتي" فهل يُتأمل من هذا الرجل أن يقود مسيرة الحرية، والكرامة، وتقبل الآخر، والإصلاح، ورفض الظلم، والتعسف، والاعتداء على حريات الآخرين، وآرائهم، وهو لم يتقبل نقدا بسيطا وجه له بكل أدب ودون إساءة وباستفسار عادي وواضح، وساءني أكثر وأكثر فرقة المصفقين و"السحيجة" الذين انهالوا بتصفيق شديد عنيف تأييدا لجوابه ولا أدري لماذا؟! ولكن الظاهر أن بعض الناس يحبون من يهاجم الآخرين، ويقمع آراءهم، ويسفهها، ويعتز بصفحته السوداء التي لا تخفى على أحد.

(2) بقي الرجل يلف ويدور في إجاباته حول موضوع الالتزام بالحوار للمطالبة بالحقوق، وتحدث عن تفعيل الميثاق الوطني الذي تمت صياغته في بداية التسعينيات من القرن الماضي، وتحدث عن مؤتمر وطني سيعقد في الأشهر القليلة القادمةَ!!! ولا أدري لماذا لا ينتظر إلى العام القادم حتى تنتهي فترة الربيع العربي كاملة وتعود الأمور إلى سابق عهدها ؟؟؟!!! ورغم ثنائه على الثورات العربية ودفاعه عنها، وتمجيدها، والمطالبة بحقوق وإصلاحات عدة في الأردن كإجراء تعديلات دستورية جوهرية، وصياغة دستور ديمقراطي يسمح بالتداول السلمي للسلطة، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، وما شابه ذلك، إلا أنه لم يتطرق إلى موضوع الحراك الشعبي في الشارع نهائيا، ولم يذكره من ضمن وسائله، وهذا ما يتنافى مع العقل والمنطق في انتزاع الحقوق والحريات من الفاسدين والظالمين، ويتنافى مع واقع الثورات العربية التي تفجرت في أزمنة قياسية، ولم تنتظر هذا الوقت الطويل من الخض بالماء و"اللت والعجن" الذي يستهلك الوقت، ولا يسمن ولا يغني من جوع مما جعلني شخصيا أتشكك أكثر وأكثر من جدية الرجل والجبهة كاملة في مطالبتها بالإصلاح، بل وكأنها تريد احتواء حركة الشارع فقط، وتخديرها، واستهلاك وقتها.


         مما أكد لي أن الأمل حاليا معقود بعد الله -سبحانه وتعالى- على الحراك الشعبي والشبابي الحر في الشارع الذي لا يقيده فلان ولا علان، ولا حزب، ولا هيئة، ولا جهة، شباب نحسبهم من الصادقين المخلصين في حبهم لوطنهم وأمتهم، يريدون تحقيق الأهداف والمعالي بالوسائل الحقيقية المؤثرة الموصلة للغاية.
 
(3) ثم إن الرجل كان في بعض إجاباته فوقيا وقمعيا، ويظهر احتكاره للحقيقة والصواب، وكأن الآخرين وظيفتهم التأييد والتصفيق فقط دون حقهم في المشاركة في صنع القرار، ونسي هو أن الجبهة الوطنية للإصلاح بمكوناتها المختلفة هي من انتدبته وزكته رئيسا لها لا أكثر، وهو بدونهم لا يستطيع أن يحقق شيئا.

         أخيرا أقول: إنما عبرت في هذه السطور عن رأيي الشخصي لا أكثر وكنت أود لو سمح لي أن أعبر عن رأيي في اللقاء وقد قمت بتسجيل اسمي للسماح لي بالحديث غير أن الحوار أنهي دون استكمال المداخلات بحجة انتهاء الوقت. ومع ذلك كله فأنا لا أزعم أن الرجل ليس له مواقف وطنية صادقة يشكر عليها، ليس أقلها رفضه لمعاهدة وادي عربة عندما كان عضوا في مجلس الأعيان، وهو العين الوحيد الذي صوت ضدها وأقيل على أثر ذلك من المجلس، وقيادته للمركز الوطني لحقوق الإنسان، ودفاعه عن كثير من القضايا العادلة لأبناء هذا الوطن، ودراساته وتصريحاته الجريئة الواضحة أثناء عمله ذلك، وكشفه لكثير من ملفات الفساد، والاعتداء على الحريات حتى كان ذلك سببا في إقالته من منصبه ذلك أيضا.

      ولا أنسى حسه ونفسه الوطني الجريء الذي يضع يده على الجرح ومواطن الخلل،ورفضه لأي محاولة لذر الرماد في العيون، أو إيقاع فتنة بين مكونات هذا الشعب الواحد، ورفضه لسياسات التطبيع مع العدو الصهيوني، والارتهان للإدارة الأمريكية والخارجية، ولكن ذلك كله لا ينافي أن يعترف الإنسان بخطئه، ويتراجع عنه حتى يكون صادقا مع نفسه والآخرين، وقادرا على السير قدما نحو الإصلاح، ونعلم جميعا علم اليقين أن التوبة إذا لم تقترن بالاعتراف بالخطأ، والتراجع عنه وطلب المغفرة منه فليست مقبولة أبدا. أما إن كان الرجل مصرا على أنه لم يرتكب أي خطأ في حق الناس، ولم يعتد على حرية أحد، ولم يلاحق السياسيين ويحاربهم حتى  في قوتهم وقوت عيالهم، ولم يعتقل الناس من بيوتهم، أو لعله يعتبر ذلك حقا كله ويبرر لنفسه ما لا يبرر لغيره، فتلك هي الطامة الكبرى! والتي تجعل الثقة فيه، والمصداقية لديه تنحدر إلى أقل المستويات إن لم تنعدم بالمرة، ولا أدري لماذا لا نبحث عن شخصيات وطنية نظيفة الصفحة والتاريخ وليس حولها أي اعتراض أو جدل -وما أكثر الصادقين الخيرين من أبناء وطني- ونسلمهم الراية، ونسير خلفهم، ونطلب من الناس أن يتبعونا معهم؟!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد