فساد إداري أم فساد إجتماعي

mainThumb

26-04-2011 11:40 PM

أكثر الأحاديث رواجا وتداولا هذه الأيام تدور حول الفساد في الأجهزة الحكومية أو ما اصطلح على تسميته بالفساد الإداري إذ  لا تخلو أي صحيفة مطبوعة أو ألكترونية  من خبر أو مقالة أو أكثر عن ممارسات أو تحقيق أو شبهات  فساد في هذه الدائرة أو تلك ناهيك عن الندوات التلفزيونبة والإذاعية والجامعية.وفي الوقت الذي يعبر هذا عن الإهتمام الشعبي والرسمي بهذه الظاهرة التي قد تبدوا ظاهريا أنها غير مرغوبة فإن قصر الحديث عن الفساد في الدوائر الحكومية ووصف الظاهرة بأنها فساد إداري ربما لا يعكس واقع هذه الظاهرة ولا يعبر عن أسبابها وبواعثها لأن الفساد في مؤسسات الحكومة يعبر عن فساد إحتماعي منتشر في كثير من المؤسسات الإجتماعية كالعائلة والعشيرة والقبيلة والحزب والرابطة والجمعية وجماعة الرفاق، وتلعب القيم والعادات الإجتماعية دور المحرك لهذا الفساد الذي نشكو منه في أجهزتنا الحكومية. فالأفراد العاملون في الوزارات والدوائر الحكومية ياتون من المجتمع محملين بقيمه  ومثله وعاداته التي تحدد ما هو صواب وما هو غير صواب وما هو جائز أو غير جائز وبالطبع يدخل في هذا الباب المعاملة التفضيلية التي تعطى لبعض المراجعين ممن يرتبط معهم الموظف بعلاقات قربى أو صداقة أومصلحة أو  ...الخ. ومن المؤسف حقا ان تسمع البعض يبرر الواسطة والمحسوبية للأقارب والأنسباء ومن لف لفيفهم بمضمون ديني أوعقائدي كالقول بأن الأقربون أولى بالمعروف والوارد في تعاليم ديننا الحنيف مخرجين هذا النص عن معناه وسياقه الذي جاء ليشير الى أن الأقرباء أولى بالصدقات لكون الأقارب بحكم صلاتهم هم أدرى بحاجة أو عوز بعضهم.وإلا كيف يمكن تفسير تركيز كافة التعاليم الإسلامية على المساوآة والعدالة بين المسلمين لا بل وغير المسلمين في القضايا والمعاملات الحياتية .




الحقيقة أنه من المبالغ فيه قصر ظاهرة الفساد على الإدارة الحكومية وحدها فالفساد منتشر في معظم مؤسساتنا الإجتماعية  وتغذيه بعض القيم التي ننشئ أبنائنا عليها مثل الحمية للأقارب والطائفة والحزب والمنطقة الإقليمية والعرق والمذهب وغير ذلك ،وبالتلي فالفساد هو أصله فساد إجتماعي وما هو موجود في الدوائر الحكومية ما هو الا نعكاس لما هو موجود في المجتمع.



وينيغي أن لا نخدع أنفسنا بما نسمع من شجب ولعن وتجلي في سب الفساد والمفسدين وضرورة الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه بممارسات فاسدة، فالناس لديهم حديث آخر يمتدحون الفساد تحت مسميات أخرى كالمساعدة، والتفهم، والخوف من الله، وحسن التعامل، والأصالة، والوفاء، وصنع المعروف وغير ذلك .




 هذا الكلام يلاحظه الكثير من الناس ويمارسون هذه الإزدواجية بالنظرة للفساد بطريقة أوبأخرى فإذا خدمهم هذا الفساد والفاسد سموه أصيلا "إبن ناس" واستقبلوه بالأحضان وأشادوا به وبسلوكه واذا لم يخدمهم نعتوه بالفساد "والحرمنة" والتلوث واستخدام الوظيفة لتحقيق مكاسب خاصة. وباستثناء السرقة والإعتداء على المال العام وبعض النواحي المتصلة بجوانب أخلاقية التي تدخل ممارستها  في الباب الجرمي والجنائي فإن معظم ما يسمى فسادا في الدوائر الحكومية له  قبول ودعم وتعزيز في المجتمع، وعليه فإن معظم مساعي الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية تركز على نتائج ظاهرة الفساد الإجتماعي ولا تعالج مسبباته وجذوره . فجهود الإصلاح ومكافحة الفساد هي قديمة ولا يكاد يخلو منها أي برنامج حكومي أو تكليف سامي لحكومة، ولكن ومع ذلك فإن حجم هذا الفساد يزداد وممارسته أصبحت أكثر إيذاءا للأردن نظرا للهدر الكبير في الموارد الذي نعاني أصلا من ندرتها ،والأهم من ذلك أن الفساد يفسد العلاقة بين الحاكم والمحكوم وينمي الشعور بعدم العدالة والمساواة والظلم ومنع الحقوق أومنحا بغير وجه حق.



مكافحة ما اصطلح عل تسميته تجاوزا الفساد الإداري لا تبدأ بالدوائر والوزارات الحكومية ولا بإرسال الفاسدين الى دائرة مكافحة الفساد والمحاكم ولا بسن مزيدا من القوانين فقط ولكن نحتاج الى نظرة شمولية تشخيصية لمنابع الفساد ومواطنه "المعشعشة" في كل مؤسساتنا والقيم الناظمة لسلوكنا ،وينبغي أن نضع خططا استراتيجية بعيدة الأمد لتجفيف منابع هذا الفساد وإحداث تغيير إجتماعي حقيقي  نبدا بالمدارس والإعلام والبعثات على حساب العشائر،ومن ثم العقوبات والقوانين ،والأهم من هذا وذاك القدوة الحسنة من أولي الأمر والمسؤلين ابتداءا من رئيس الوزراء والوزراء والنواب واالمسؤلين.فلآ يجوز أن يتحدثوا عن الفساد ومكافحته ومن ثم يتم السكوت عن هذا الفاسد أو ذاك   وألضرب بيد من حديد على يد فاسد فقير في حين يضرب بيد من حرير على يد فاسد غني .




القوانين والعقوبات لها تأثير رادع ولكنه ليس مانع للفساد فالفاسدين لا يعدمون الوسيلة للآلتفاف على كل هذه القوانين وممارسة فسادهم أحيانا دون وجود ممسك قانوني عليهم. مكافحة الفساد يتطلب منا أن نقف على أسبابه وليس فقط أعراضه والأسباب في المجتمع ومؤسساته المختلفة وعلينا أن نفهم هذه الأسباب واتخاذ الإجراءات الضرورية لإحداث تعديلات على المدى البعيد في بعض قيمنا غير الإيجابية المولدة للفساد والمحسوبية والا سنبقى نراوح مكاننا باحثين عن ألفاظ أفضل لشتم الفساد في حين وامتداحه في حين آخر حسب المناسبة ومقتضيات المصلحة وخطاب المناسبة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد