مستقبل جماعات الإسلام السياسي (1-3)

mainThumb

25-04-2011 11:04 PM

تثير مسألة نمو الحركات الإسلامية وتشكلها في المجتمع العربي, الراديكالية منها تحديدا, عربياً وعالمياً إشكاليات عديدة, خاصة بعد حضورها المكثف على مسرح الأحداث العربية والدولية, ودخول كثير منها معترك العمل السياسي, وتوسع أعمالها ونشاطاتها في مختلف شؤون الحياة السياسية, والاجتماعية, والاقتصادية, وكذلك مع تصاعد وتيرة العنف, والصدام وتنامي الإرهاب عالمياً. وفي الوقت الذي تشهد فيه الدول العربية, والعالم بأسره تحولات مختلفة, وتوجه الأولى نحو إجراء تغييرات بنيوية, وتبني مشاريع مجتمعية تحديثية, طرحت الحركات الإسلامية ذاتها شريكاً في عملية الإصلاح إلى جانب التيارات الأخرى الرسمية, وغير الرسمية, وفق برامج وأهداف, ووسائل ترى أنها الأنسب لمعالجة الأوضاع المختلفة, وعمليات التغيير الاجتماعي. وشكلت تلك الحركات قوى فاعلة على الساحة العربية طوال فترات وجودها لا سيما أنها تتمتع بقدرات جذب جماهيري كبير فاعتلت هرم الحركات الاجتماعية المختلفة لدرجة أصبحت محط اعتبار الدول, والأنظمة العربية, وقوى التغيير الأخرى, ناهيك عن الاهتمام الغربي في أعلى المستويات بها واعتبارها أهم التحديات العالمية المعاصرة وأخطرها. وهذا ما نوّه إليه الكثير من الكتاب والعديد من القادة السياسيين الغربيين, مثلما ذهب الرئيس الإسرائيلي الأسبق حاييم هيرتزوغ حينما وصف في أحد خطاباته ما يسمونه: "الأصولية الإسلامية هي الخطر الأعظم والوحيد على العالم الحر في الوقت الحاضر".




إن الأصولية الإسلامية Islamic Fundamentalism , والإحياء الإسلامي Islamic Revival, والإسلام السياسي Political Islamic, هي جميعاً مفاهيم أو ظواهر دينية سياسية ذات معان وأبعاد ودلالات مختلفة, الأمر الذي يستوجب التريث قبل اختيار أي من هذه المفاهيم لدراسة الظاهرة الدينية في المجتمعات الحديثة, واتخاذ موقف حاسم تجاهها. إلا آن كافة المفاهيم السابقة تتناول علاقة الدين بالدولة أو الإسلام بالسياسة, والحقيقة أن ارتباط الدين بالسياسة لم يعد ظاهرة جديدة, فضلاً عن أنها لا تخص دينا بعينه, وذلك لجملة من الأسباب لعل أبرزها:




1- إن الدين يرتبط بالدولة من نواحٍ متعددة متشابكة, خصوصاً أن الدولة كتجسيد للسلطة والتنظيم السياسي أصبحت نموذجاً عالمياً لا بديل عنه.

2- إن الكثير من الأديان وأبرزها الإسلام والمسيحية واليهودية هي في بعض ملامحها قوى عالمية فاعلة ومؤثرة في المجتمعات المعاصرة.

3- إن الصراعات ذات الطابع الديني يمكن أن تنشأ داخل حدود الدولة الواحدة أو فيما بين الدول.

4- تنامي دور الرموز والمؤسسات الدينية, وكذلك دور المتدينين وأماكن العبادة داخل الدولة.

5- إن كثيراً من تصرفات وأفعال وتوجهات القادة السياسيين ذات جذور ودوافع دينية في المقام الأول
صعود جماعات الإسلام السياسي:


لا شك أنه قبل ما يقارب ثلاثة عقود من الزمن, فإن دور الدين في الحياة العامة كان يلقى القليل من الاهتمام لدرجة أن أحد الكتاب الغربيين الذي ألف كتاباً بعنوان " السياسة في الإسلام" توصل إلى نتيجة مفادها أنه من المفيد جدا فيما يتعلق بالسياسة أن يكون محط الاهتمام والتركيز على المسلمين بدلاً من الإسلام. ولا شك أن لمثل هذا الاستنتاج ما يبرره في ذلك الوقت, حيث إن الاتجاه العام السائد حين ذاك فيما يخص قضايا المجتمع والتنمية كان يقوم على أن على المجتمع لا سيما في دول العالم الثالث أن يتبع الخطى التي سارت عليها الدول المتقدمة فيما يتعلق بالنهضة والتحديث, والتي تقوم على جملة من المرتكزات, لعل أبرزها العلمانية وفصل الدين عن الدولة, ذلك أن المجتمع الحديث هو مجتمع علماني بالأساس, فالتحديث في المجال السياسي على سبيل المثال يعني العقلانية والثقافة الديمقراطية والمجتمع المدني, وهي أمور لا علاقة للدين بها.




وبعد أكثر من نصف قرن من العمل المتواصل, نجحت الحركات الإسلامية في صياغة رأي عام جماهيري جديد بعد أن وضعت تلك الجماعات نفسها في قائمة الجماعات المرجعية ذات التأثير الفعال على عقول وسلوك الأفراد, وتدل المؤشرات على أن الرأي العام الغالب, يطالب بتبني النظم الإسلامية كأساس للحكم, وبتطبيق أحكام الشريعة في شتى أمور الحياة, ولا يزال الدين يؤثر في حياة الأفراد بمجتمعاتنا العربية والاسلامية بشكل لا يجعل الباحث في هذا المجال قادرا على الحديث عن وجود ضعف في دور الدين في الحياة العامة. ففي دراسة عربية استطلاعية بينت لنا أن الأكثرية بنسبة فاقت 80% من أبناء الشعب العربي يفضلون ان تصاغ القوانين والأنظمة للبلد من قبل الحكومة والبرلمان حسب أحكام الشريعة الإسلامية, كما وكان في المرتبة الثانية لأفضل أشكال النظم التي تصلح لأن تكون نظاماً سياسياً في البلاد العربية هو النظام السياسي المحكوم بالشريعة الإسلامية حتى ولو كان بدون وجود انتخابات أو أحزاب سياسية, حيث ان 40.1% يرونه نظاما ملائما جدا ومتقدما عن الأنظمة الأخرى كالنظام الديمقراطي مثلاً. وحول دور رجال الدين (جماعات المتدينين) في الحياة العامة والتأثير على قرارات الحكومة, يظهر أن أكثرية من المواطنين 34.9% عارضوا أن يكون لهذه الفئة تأثير, و7.6% عارضوا بشدة, وفي المقابل ينظر 34.3% إلى أن رجال الدين (المتدينين) يجب أن يكون لهم تأثير في قرارات الحكومة, و9.4% وافقوا بشدة, وهذا يثبت لنا أنه لا يزال هناك تأثير للجماعات الاسلامية على المواطنين.




وتجدر الإشارة إلى أن جماعات الإسلام السياسي, هي الجماعات التي انشقت بتوجهاتها وأيديولوجياتها, وبمواقفها من الانغلاق إلى الانفتاح ومن التشدد والتطرف إلى المرونة والاعتدال, من حيث المشاركة والتفاعل الاجتماعي والسياسي مع مجريات الأمور. فعلى سبيل المثال توجهت بعض الحركات الإسلامية التي أصبحت تسمى بالجماعات المعتدلة مثل الإخوان وحركة النهضة التونسية بزعامة الغنوشي, وحزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن, وحركة الإنقاذ وحزب التحرير الناشط في البلاد العربية وغيرها, نحو تبني مفاهيم المجتمع المدني كجزء من الحداثة وترسيخ قواعده في المجتمع عن طريق هيكلة التشكيلات الاجتماعية والسياسية ضمن أطر القانون, وباتت تؤمن وتدعم تعزيز الديمقراطية, وتحقيق الحريات العامة والفردية, وحقوق الإنسان, والإيمان بالتعددية السياسية وكذلك الاجتماعية, والنهوض بواقع المرأة وتأكيد دورها في المجتمع العام, وتوفير الخدمات للجميع, والحرص على حرية العمل السياسي والديمقراطية, كما تؤمن بالحوار والتواصل مع الحضارات والشعوب الأخرى.




وفي الوقت الذي كانت تلك المسائل تشكل نقاط التقاء بين الكثير من الحركات الإسلامية في المجتمعات العربية على اختلاف تنوعاتها وتسمياتها, فقد كانت مواقفها في بداية الأمر تعارض الديمقراطية باعتبارها تتعارض مع الإسلام من وجهة نظرهم, حيث السيادة لله وحده, ولكونها مشروعا غربيا يراد تطبيقه في المجتمعات العربية ويتناقض مع صانعيه, فالديمقراطية مزيفة حيث الحروب والاستعمار ومظاهر التبعية والهيمنة الغربية. ومع ذلك انقسمت الجماعات الإسلامية ما بين مؤيد وسبق ذكر بعضها, ومعارض مثلما يسمونها الحركات المتطرفة كالجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي في مصر وغيرها, حيث جاءت مواقفها معارضة تماماً للديمقراطية, لأنها تعطي السيادة للشعب وليس لله وحده, وباعتبارها نسقا من العلمانية ترسي تعدد الأحزاب وانقسام الأمة, إذ لا يوجد حزب سوى حزب الله, وآخر مرفوض هو الشيطان, كما هو موقفها حيال العديد من المتغيرات التحديثية التي ظهرت كمشاريع تنموية للبلاد العربية.




وأصبحت جماعات الإسلام السياسي تراقب التغييرات وتفسرها تفسيراً شاملاً على أمل الاستفادة منها في التغيير السياسي والاجتماعي معا,ً فتحقق مصالحها وأهدافها في الحياة, فالديمقراطية تمت الموافقة عليها لأنها تحتوي على إتاحة فرص العمل السياسي لجميع قوى المجتمع, وتداول السلطة السلمي, وحرية الرأي, والتعبير والصحافة, وحقوق الأفراد وغيرها, فكانت مشروعاً مهما عند كثير من الجماعات التي اعتبرتها أداةً ووسيلة لها للوصول إلى مقاليد السلطة ومواقع اتخاذ القرارات.



إن الأحداث في العقديين الماضيين وبالتحديد منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979م, ووصول جبهة الإنقاذ الإسلامية إلى الحكم في السودان في عام 1989م, وانتهاءً بفوز حركة المقاومة الإسلامية حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني, إضافة إلى الحضور القويّ والفعّال للجماعات الإسلامية في البرلمانات والأحزاب السياسية, وكثير من منظمات المجتمع المدني في عدد كبير من دول الشرق الأوسط مثل مصر, والأردن, وتركيا, والباكستان, ولبنان, وغيرها من الدول الإسلامية, كل ذلك يدل بشكل قاطع على انتقال الإسلام كقوة فاعلة في المجتمع من الهامش إلى المركز, فأصبحت الظاهرة الدينية محط اهتمام وتركيز الساسة, وصانعي القرار, والمفكرين على حد سواء. والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان في هذا السياق: ما العوامل والأسباب التي أدت إلى بروز جماعات الإسلام السياسي بعد فترة غير قصيرة من الغياب وعدم التأثير?.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد