في ذكرى الكرامة

mainThumb

21-03-2011 10:55 PM

كان من الطبيعي أن تؤدي هزيمة حزيران وتدفق مئات الالاف من النازحين، واستقرار الجزء الاكبر منهم في وادي الاردن وبشكل خاص في بلدة الكرامة حيث اقيم اكبر مخيم للاجئين، أن تشمل ردود الفعل العربية على الهزيمة تعاظم حركة المقاومة الفلسطينية التي بدات بالظهور قبل سنوات قليلة. وقد كانت العمليات التي قامت بها بعض فصائل المقاومة من جملة الذرائع التي استندت اليها اسرائيل لتبرير عدوانها عام 1967،
 


وقد تمكنت المنظمات الفدائية وعلى راسها فتح في تجنيد أعداد من الشباب من المخيمات والقرى والمدن الاردنية، والقيام بغارات ضد القوات الاسرائيلية وكانت القوات الاردنية توفر لها الغطاء المدفعي. ونتيجة لذلك قامت اسرائيل باقامة حاجز دفاعي امني على طول خط المواجهة مؤلف من الاسلاك الشائكة واجهزة مراقبة الكترونية وحقول الغام، ونتيجة لذلك اخذت التنظيمات الفلسطينية بنصب قذائف الكاتيوشا شرقي النهر واطلاقها باتجاه المناطق المحتلة، وفي المقابل كان سلاح الجو والمدفعية الاسرائيلية يقومان بقصف القرى والبلدات الاردنية المتاخمة للحدود.
 


وقد استنتج قادة الفكر الاستراتيجي في القيادة العامة الأردنية ان اسرائيل ستتخذ من هجمات الفدائيين الذريعة لاستثمارها في استكمال أهداف حرب حزيران واحتلال المرتفعات الشرقية لنهر الاردن وخاصة المطلة على العاصمة. لقد كانت معركة الكرامة نقطة فاصلة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، وقد استهدفت تحقيق عدة اهداف صهيونية وهي: 1- محاولة منع الاردن من اعادة بناء قدراته العسكرية بعد نتائج حرب 1967، وبالتالي سلبه قراره السياسي المستقل ومنعه من القدرة على المطالبة بحقوقه السياسية على ارضه المحتلة.



2- احتلال الغور الاردني والمرتفعات الغربية مما يعني استراتيجيا فرض واقع سياسي على الاردن يدفعه الى التفاوض والاستسلام وقبول الشروط الاسرائيلية. 3- خلق أزمة اقتصادية وغذائية من خلال تدمير البنية الاساسية للاقتصاد الاردني وحرمانه من مقوماته الاساسية في وادي الاردن. 4- محاولة القضاء على كل اشكال المقاومة الفلسطينية للاحتلال وشل أي قدرة فلسطينية على النضال لانهاء الاحتلال واستعادة الحقوق المسلوبة. 5- محاولة وضع ولو موطئ قدم على ارض شرقي النهر باحتلال مرتفعات السلط وتحويلها الى حزام امني لاسرائيل بقصد المساومة عليه لتحقيق اهدافها.
 


6- زعزعة الروح المعنوية والصمود عند السكان المدنيين وارغامهم على النزوح من اراضيهم ليشكلوا اعباء جديدة، وحرمان المقاومة من وجود قواعد لها بين السكان. ان هذه الاهداف التي خططت اليها اسرائيل لم تكن خافية على القيادة الاردنية، ونظرا للعلم المسبق بالنوايا الاسرائيلية المبيتة فقد كانت الاستراتيجية الدفاعية الاردنية تقوم على استدراج العدو الى داخل الأراضي الاردنية والى أماكن محددة جعلتها مكشوفة للمدفعية الاردنية.



وكانت نتيجة التلاحم معركة بطولية فاجأت القوة الاسرائيلية واصابتها بالارتباك. وخلال ساعات قليلة ادرك الاسرائيليون انهم دخلوا في أتون محرقة حقيقية وان الانسحاب هو الخيار الوحيد، فبدات القوات المهاجمة بالتراجع، ولاول مرة في تاريخ المواجهات العسكرية مع العرب تطلب اسرائيل رسميا من الامم المتحدة التدخل لوقف اطلاق النار، غير أن الملك حسين رفض وقف إطلاق النار طالما بقي جندي اسرائيلي واحد على الاراضي الاردنية. لقد أسقطت معركة الكرامة أسلوب الأمر الواقع الذي حاولت اسرائيل ترسيخه كحل للصراع عن طريق القوة.



وقد ادت هذه المعركة الى رفع معنويات الامة العربية واعادة لها الكثير من معالم الثقة بالنفس بعد هزيمة حزيران، كما أدت الى تعميق خيار المقاومة لدى أبناء الشعب الفلسطيني. كانت معركة الكرامة معركة متكاملة عبرت عن شرف القتال للجندي الاردني والفدائي الفلسطيني اللذين وقفا في المعركة جنبا الى جنب واثبتا لأول مرة في تاريخ القتال مع اسرائيل بان الفدائي والجندي النظامي يمكنهما معا أن يصنعا مجدا خالدا كما كان في معركة الكرامة، وهو الدرس الذي لازال العرب في حاجة ماسة لترسيخه والاستفادة منه في أية معارك قادمة مع العدو الاسرائيلي.



وبسقوط بدعة الجيش الذي لا يقهر بدأت الارادة العربية تعيد تشكيل نفسها على أرضية من الكرامة المتعافية لتبعث الامل مجددا باحتمال النصر العربي المقبل، فعلى خلفية نصر الكرامة أعلن الزعيم العربي جمال عبد الناصر في آذار 1969 بدء حرب الاستنزاف ضد الكيان الصهيوني. 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد