الهجرة وبداية التأريخ الاسلامي

mainThumb

07-12-2010 07:36 PM

شعّ الهدى، و البشرُ في بسماتهِ //// و اليُمن و الإيمان في قسماتهِ و تفجرت فينا ينابيع الهدى //// واستيقظ التأريخ من غفواتهِ " اقرأ و ربُّك " في حراء تحررت////الدهر غافٍ في عميق سباتهِ إقرأ معاني الوحي في كلماته /// في نسكهِ و حياتهِ و مماته لو نُظّمت كلّ النجوم مدائحا /// كانت قلائدهن بعض صفاته يا من بنى للكون أكرم أمّةٍ //// من علمه . . من حلمه و أناته في الهجرة الغراء ذكرى معهدٍ نستلهمُ الأمجاد من خطراته تاريخ أمتنا . . و منبع عزّنا و دروبنا تزهو بإشراقاته فيه الحضارة والبشارة والتقى ومُقِيل هذا الكون من عثراته نستقبل عاما هجريا جديدا والأمة الإسلامية تعيش أوضاعا من التخلف والذل والهوان..



 والفساد بكل أنواعه مهيمن على أوضاعنا الداخلية، والأعداء متحكمون في أمورنا.كل ذلك نتيجة بعد الأمة عن الله سبحانه وتعالى وعن الاحتكام إلى منهجه. وحينما نقول ذلك، فإنه لا ينبغي أن يفهم منه أحد أنه معفي من المسؤولية، فالله عز وجل لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم،. يقول تعالى: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون).



 إننا نحتاج لتغيير هذه الأوضاع إلى إصلاح أنفسنا والعمل على امتلاك آليات ووسائل ومناهج التغيير والإصلاح المناسبة، وذلك لا يكون إلا بالإقتداء بمنهج رسول الله في الإصلاح، واستيعاب وفهم سيرته (ص) واستغلال كل الفرص التي من شأنها أن ترفع من وعينا بهذا المنهج وأن تقوي الإيمان في قلوبنا وتدفعنا إلى العمل بصبر وعزيمة. إن المناسبات الإسلامية فرص حقيقية يجب أن نستفيد منها في إصلاح أنفسنا وإصلاح مجتمعنا من أجل نهوض أمتنا من كبوتها واسترجاعها الريادة بين الأمم كخير أمة أخرجت للناس. ولعل الهجرة النبوية من أعظم هذه المناسبات التي أحدثت نقلة نوعية ومنعطفا كبيرا في تاريخ المسلمين وأسست لدولة إسلامية حضارية.



 هذه المناسبة التي ينبغي أن نستحضر دوما معانيها ودلالاتها في حركتنا نحو الله تعالى، وأن نعي الدروس والعبر المستخلصة منها وأن لا تبقى مجرد مناسبة عابرة نحتفل بها كما يحتفل غيرنا برأس السنة الميلادية.ولقد أفلح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إذ اعتبر هذا الحدث أهمّ نقطة ومعلمة في تاريخ حركة الإسلام، بالرغم من أن هناك معالم أخرى لها أهمية كبرى، كمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وتنزّل الوحي عليه لأوّل مرّة، والانتقال بالدعوة من السرّ إلى الجهر، والانتصار في معركة بدر، وفتح مكة، لكن عمر بن الخطاب ببصيرته النفاذة وبألمعيته الصافية، وبمعاشرته للأحداث الإسلامية منذ بداية البعثة النبوية، وبصحبته لنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام،جعل من هذا الحدث بداية التأريخ للمسلمين.



فاختاره مرجعًا لتاريخ الإسلام وربطه بالتقويم القمري بدل التقويم الشمسي الذي كانت تعتمده الأمم الأخرى. وفي ذلك أسرار متعدّدة شرعية وعلمية وغيبية. وهذا من حصافة الفاروق. فهل نتوقف عند هذا الحدث كمسلمين من أجل المحاسبة كأفراد وجماعات وكأمة؟ من أجل التقويم والمقارنة والاستدراك. من أجل إعادة الثقة إلى الذات، وتحمّل المسؤولية المنوطة بهذه الأمّة. ولله الزمان والمكان والحدثان.



 ولعل من الأسئلة التي تتبادر للذهن ونحن نتحدث عن الهجرة النبوية هي: لماذا لم يحاكي المسلمون أمة من الأمم في تأريخها؟ وما الذي يعنيه اختيار التأريخ بالهجرة؟ إن شعور المسلمين بالعزة والتميز الحضاري يدفعهم دائما إلى الرجوع إلى دينهم في مواقفهم واختياراتهم، ومبعث هذا الشعور يتمثل في: أولا: أنهم أمة الشهادة المتمثلة في قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) وفي قوله تعالى : (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)؛ ثانيا: إيمانهم أن الإسلام هو آخر الأديان وأكملها مصداقا لقوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" وقوله سبحانه: "ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه" وبالتالي فإن كل شيئ يجب أن يرتبط به؛ ثالثا: تميزهم في عقائدهم وعباداتهم "لكل أمة جعلنا شرعة ومنهاجا"؛ رابعا: قناعتهم بأن كل موقف أو سلوك أو اختيار لا بد أن يكون له معنى ينسجم مع عقيدتهم.



أما البحث عن معاني اختيار الهجرة كمبتدأ للتاريخ الإسلامي فيفرض أسئلة عدة منه: لماذا لم يختر الصحابة مولد محمد (ص) الرسول والقدوة منطلقا لتاريخهم، على الرغم من تعلقهم به وحبهم له وارتباط مولده بأحداث جليلة لها معاني كبيرة منها معجزة حفظ الله للكعبة من جيش أبرهة المذكورة في القرآن؟ بل إن اختيار الروم ميلاد المسيح منطلقا لتاريخهم يفترض أن يقوي لدى المسلمين هذا الاختيار من موقع الندية.لقد كان هذا الاختيار ثمرة لتربيتهم القائمة على الارتباط بالرسول (ص) من خلال الارتباط بالمنهج والرسالة. وقد تجلى هذا المعنى في أمور عديدة منها عدم تسميتهم الإسلام بالدين المحمدي وكذا تقديم قول الرسول على فعله في أصول الفقه في حال تعارضهما لأن القول يعني الرسالة والفعل يعني الرسول البشر، كل ذلك وحب المسلمين لرسول الله لا يضاهيه حب بعد حب الله.



فما هي إذا معاني ودلالات هذا الحدث؟ وما هي الدروس والعبر المستخلصة منه؟ معاني الهجرة النبوية قد أفلح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إذ اعتبر هذا الحدث أهمّ نقطة ومعلمة في تاريخ حركة الإسلام، بالرغم من أن هناك معالم أخرى لها أهمية كبرى، كمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وتنزّل الوحي عليه لأوّل مرّة، والانتقال بالدعوة من السرّ إلى الجهر، والانتصار في معركة بدر، وفتح مكة، وعام الوفود ... ولكن عمر بن الخطاب ببصيرته النفاذة وبألمعيته الصافية، وبمعاشرته للأحداث الإسلامية منذ بداية البعثة النبوية، وبصحبته لنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام.



بحكم ذلك جعل من هذا الحدث بداية التأريخ للمسلمين. فاختاره مرجعًا لتاريخ الإسلام وربطه بالتقويم القمري بدل التقويم الشمسي الذي كانت تعتمده الأمم الأخرى. وهو أنسب للمخالفة ولموافقة حقيقة تغيّر الزمن. وفي ذلك أسرار متعدّدة شرعية وعلمية وغيبية. وهذا من حصافة الفاروق. فهل نتوقف عند هذا الحدث كمسلمين من أجل المحاسبة كأفراد وجماعات وكأمّة؟ من أجل التقويم والمقارنة والاستدراك. من أجل إعادة الثقة إلى الذات، وتحمّل المسؤولية المنوطة بهذه الأمّة. ولله الزمان والمكان والحدثان. * لم تكن هجرة النبي (ص) انتقالا ماديا من بلد إلى آخر فحسب، ولكن أيضا انتقالا معنويا من حال إلى حال، انتقال من حال الضعف إلى القوة، ومن القلة إلى الكثرة، ومن التفرقة إلى الوحدة، ومن الخوف إلى الأمن، ومن القيد إلى الحركة. * الهجرة كانت فيصلا بين مرحلتين من مراحل الدعوة، مرحلة الاستضعاف (المرحلة المكية) ومرحلة إعداد القوة وبناء الدولة (المرحلة المدنية).



 * الهجرة كانت بحثا عن مركز آمن تنطلق منه الدعوة بحرية من أجل بناء المجتمع المسلم والدولة الإسلامية التي ستحمل مشعل الرسالة والهدى إلى كل الناس في العالم، ولم تكن الهجرة فرارا من البطش والأذى ونجاة بالنفس من كيد المشركين. * الهجرة نوعان : - هجرة مكانية واجبة على المسلم حسب الأحوال والشروط. يقول تعالى متوعدا الذين فضلوا أموالهم وديارهم ومصالحهم على الهجرة: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا)، (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق).



 أما قوله (ص): "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية" فالمراد بها أن لا هجرة واجبة بعد الفتح. وقد زاد مسلم: "وإذا استنفرتم فانفروا" -وهجرة نفسية شعورية واجبة في كل الأحوال، وهي رديفة للتزكية، وتعني هجرة المعاصي، واجتناب ما لا يرضي الله في القول والفعل وإنكار المنكر بالقلب، والحب في الله والبغض في الله. ورد في صحيح مسلم أن مجاشع بن مسعود السلمي جاء بأخيه إلى رسول الله ليبايعه على الهجرة. فقال (ص): قد مضت الهجرة بأهلها. قال مجاشع: فبأي شيء تبايعه؟ فقال (ص): على الإسلام والجهاد والخير)، وقال (ص) :" لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها".



ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه"، وفي رواية ابن حبان: "المهاجر من هجر السيئات، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وبمعنى آخر، فالهجرة النفسية هي انتقال بالنفس الإنسانية من النفس الأمارة بالسوء إلى النفس اللوامة ثم إلى النفس المطمئنة. والتلازم بين المعنى الحسي والنفسي لا يزال قائما ما دام المؤمنون مستضعفون في الأرض. ويقول (ص): "الهجرة خصلتان، إحداهما أن تهجر السيئات، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة".



* الهجرة النبوية هي هجرة إلى الله على سنة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام الذي قال وهو مهاجر مع ابن أخيه لوط عليه السلام (وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم). الهجرة النبوية، دروس وعبر * أهمية التربية الإيمانية في إعداد النفوس المضحية والواثقة في الله وفي وعده والتي لايسري إليها الارتياب والهون إن لم يتحقق الوعد في حياة المؤمنين. إسمعوا إلى قوله تعالى للذين يستعجلون نتائج المعركة بين الحق والباطل من الذين يريدون أن يروا ثمار جهودهم يانعة ليقطفوها: "فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون، فاستمسك بالذي أوحي إليك، إنك على صراط مستقيم"



* أهمية المسجد في الإسلام، فأول عمل قام به (ص) في المدينة هو بناء أول مسجد في الإسلام كتعبير عن مضمون الهجرة ووجهتها ولربط المسلمين بالرسالة باعتبار المسجد منطلقا لهذا الارتباط الخالد وقبلة جامعة للمسلمين وموحدة لصفوفهم على أساس من العقيدة، * أهمية الأخوة كعامل وحدة وقوة: فأحداث الهجرة أظهرت أهمية العلاقات الأخوية بين المسلمين في التخفيف من معاناة بعضهم البعض وفي التعاون فيما بينهم أثناء الهجرة وقبلها وبعدها، الأخوة أصل في الدين فلا يجوز التفريط في الأصول من أجل الفروع فتلك جريمة في حق دين الله والأخوة لها حقيقة ومظهر، وحقيقتها أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك فيفرحك ما يفرحه ويسيئك ما يسيئه، ومظهرها الإحسان إلى أخيك فتتعامل معه بخلق حسن وتعينه على نوائب الدنيا وتنصح له.



* النية أساس العمل: فالهجرة لم تكرم لكونها سفرا وإنما لدوافعها وبواعثها. ففي الهجرة نفسها خرج رجل يريد امرأة يهواها، فشتان بين هجرته وهجرة غيره من الصحابة، "إنما الأعمال بالنيات"، فكل عمل أريد به غير وجه الله فهو مردود. * الهجرة سبيل إلى التوبة، قال (ص) :" لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة". رجل يقتل تسعة وتسعون نفسا، فأفتاه أعبد أهل الأرض ألا توبة له، فأضله وأكمل به المئة. ثم استفتى أعلم أهل الأرض، فدله على الهجرة سبيلا للتوبة، فهاجر ثم مات في الطريق، فتخاصم ملائكة الرحمة وملائكة العذاب بشأنه، فرحم بسبب سلوكه طريق الهجرة. وفي هذا المثال أيضا ضرورة التلازم بين العلم و الإيمان.



* الهجرة مثال في تفضيل حب الله ورسوله على ما سواهما: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسدها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين). فهذا صهيب الرومي، كان ذا مال وتجارة، فأراد الهجرة إلى المدينة فساومه الكفار عليهما، فترك لهم دنياه لينال رضا الله، ففرح بذلك رسول الله (ص) قائلا: "ربح البيع أبا يحيى". *العقيدة أغلى من الأرض و من مكاسب الدنيا المغرية: فقد هاجر المسلمون تاركين وراءهم أموالهم وديارهم وأحبابهم وتجارتهم غير مترددين.



 * كمال اليقين بمعية الله الموجبة للنصر: تجلى ذلك في واقعة الغار. يقول تعالى : "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لاتحزن إن الله معنا، فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها الهجرة درس في التنظيم والتخطيط و الأخذ بالأسباب في كل عمل: فالنصر لا يأتي إلا بعد استنفاذ كل الإمكانات وبذل الوسع، وهذا ما فعله رسول الله (ص) وهو يمهد لهذه الهجرة سواء بعقد بيعة العقبة الأولى والثانية، أو بإرساله مصعب بن عمير إلى المدينة للدعوة إلى الإسلام وإيجاد رأي عام مؤيد وقاعدة ارتكاز صلبة، وهذا ما قام به أيضا (ص) وهو يضلل أعدائه عن مطاردته ويختبئ في الغار، "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"، "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" .



 * التقوى والصبر من شروط النصر: "وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا"، "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون". * حركية المنهج الإسلامي التي تضع المسلم في تدافعه مع الباطل أمام خيارات متعددة، وللواقع أثره في تفضيل خيار على آخر، فالهجرة من مكة إلى المدينة كانت اختيارا مناسبا في الزمان والمكان. المطلوب منا اعتبارا واتعاظا بهذا الحدث الجليل : -هجرة المعاصي بكل أنواعها؛ -هجرة الرذائل في أخلاقنا وسلوكنا؛ -هجرة الجدال الذي لايراد به الحق؛-هجرة الإساءة إلى غيرنا بلساننا أو يدنا أو سلوكنا؛ -هجرة التواكل والتقاعس والسلبية في حياتنا؛ -هجرة تضييع الوقت فيما لاينفع؛ -هجرة العشوائية في تسيير أمورنا. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد